4- زيادة معدلات الجريمة في المدينة:
على الرغم من الصبغة الأمنية لهذه المشكلة، لكن لا يمكن بحال من الأحوال أن نفصلها عن منطلقها الاجتماعي المسبب لها، إضافة إلى الآثار الاجتماعية التي تنتج عنها إثر سجن العائل أو انحراف الأبناء.. الشواهد العلمية تظهر أن السلوك المنحرف والجريمة ينتشران في المجتمعات المتحضرة أكثر من غيرها، فالجريمة تعد ظاهرة حضرية، حيث تبين أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية في معدلات الجريمة تعزى للمدينة وتوسعها الكبير دون تخطيط مسبق، ويعود السبب في ذلك إلى أن التطور الحضاري السريع المصاحب للتوسع في المدن غالبا ما يرافقـه نوع من الفشـل في قدرة الناس سـلوكيا، ونفسـيا، واجتمـاعيا، على التوافق معه، وفي عدم التكيف مع التطورات الجديدة التكنولوجيـة المعقدة والمتغيرة باستمرار، إضافة إلى أن ارتفاع مسـتوى المدنية يرفع من مستوى المعيشة فتزيد مغريات الحيـاة وتتضاعف احتياجات الفرد مع تزايد وتعدد علاقاته ورغباته الاجتماعية [1] .
وهذا ما تعاني منه معظم دول العالم الثالث وعلى الأخص الدول النفطية في القفزة السريعة دون تطور تدريجي يتهيأ له الفرد لمواجهة هذه [ ص: 82 ] التغيرات، إضافة إلى مواجهة زيادة المسؤوليات الاجتماعية نتيجة ضغوط المدنية الحديثة وعدم القدرة على تحملها [2] .
وبتطبيق هذه القاعدة على المدن الخليجية نجد أن المدن الخليجية بتوسعها الكبير نتيجة استقبال إعداد كبيرة من النازحين أو المهاجرين من الأرياف والبوادي إليها ونتيجة لقدوم إعداد كبيرة من العمالة الوافدة إليها، تعيش مشكلات اجتماعية كثيرة، فهذه التحركات السكانية تقلب موازين كثافة السكان بين منطقة وأخرى، كما أن عمليات انصهار القادمين الجدد في المجتمع الأصلي لا تتم بصورة بسيطة دون قيام عدد من المشكلات اللاحقة، فضلا عن أن هذه الحركات السكانية تفقد المجتمع طابع التوافق السكاني وتفقد العلاقات الاجتماعية بين إفراده طابع الاستقرار والوضوح بسبب تواصل الحركة وضعف فرص الالتقاء الاجتمـاعي أو انعدامه، وهذا ما دعا بعض علماء الاجتماع إلى القول: إن الهجرة المستمرة إلى المدن تفقد الأفراد عناصر الولاء للجماعة وتضعف شعورهم بالانتماء، وتحرمهم من فرص تكوين علاقات اجتماعية دائمة مستقرة [3] . [ ص: 83 ]
ولاشك أن انعدام العلاقة الاجتماعية الحميمية بين أفراد مجتمع المدينة نتيجة لعدم الولاء وضعف الشعور بالانتماء لهذا المجتمع يطيح بمفهوم الأسرة والجيرة باعتبارهما مؤسستين مهمتين من مؤسسات الضبط الاجتماعي في المجتمع، فالعائلة الكبيرة المتماسكة التي يجمعها سقف واحد ومن حولها الأقارب والمعارف التي تحيط بالفرد في المجتمع الريفي أو البدوي أو مجتمعه الأصلي يكسبه بعض الثبات في القيم والمعايير السلوكية، ولكن ذلك يتلاشى في ظل المدينة الكبيرة المتوسعة التي تكثر فيها الأحياء الواسعة وتختلط المفاهيم بدرجة كبيرة، فذلك التغير السريع يذهب بالكثير من الحدود الضبطية للفرد، حيث يصبح دون اكتراث كبير بردود الجماعة المحيطة به تجاه أي سلوك منحرف يسلكه أو يقوم به.
إن تصور انعدام الضبطية الاجتماعية من قبل الأسرة والجيرة، كمسبب لتزايد مستوى الجريمة على أثر توسع المدن، يجب ألا يغيب عن البال أسبابا أخرى حقيقية مصاحبة للتوسع، مثل الصعوبات الإدارية والفنية والمالية الناشئة عن توسع المدينة وعجز الحكومات المحلية أو إدارات البلديات عن توفير الخدمات الأمنية لكامل مناطق المدينة، التي يصبح توسعها أسرع من قدرة أجهزة الإدارة المحلية أو المـركزية على ملاحقة هذا التوسـع، وهذا ما يمكن رؤيته بوضوح على أرض الواقع في المدن الخليجية التي تسارعت فيها وتيرة التحديث والتوسع بشكل مذهل نتج عنه بعض القصور في توفير خطط الأمن والحماية لجميع مناطق المدينة، هذا إذا أخذنا في الاعتبار الأحياء [ ص: 84 ] العشوائية التي تكون في أطراف المدينة والتي عادة ما تكون مصاحبة للنمو السريع لها، حيث تظهر العديد من الدراسات الحضرية أن هذه الأحياء بؤر تصدير للإجرام والمجرمين في المدن الكبرى نتيجة للفقر والعوز وانعدامية الضبط الاجتماعي والأمن بشكل عام.