6- العزلة الاجتماعية لأفراد الأسرة:
لابد من الإشارة إلى صعوبة تحديد درجة معينة يمكن أن نقول معها: إن هذه العائلة تعيش في وضع يمكن وصفه بأنه عزلة اجتماعية بين أفرادها، وذلك استنادا إلى عدد مرات التقاء أفرادها وطبيعة هذا الالتقاء ودرجة تكراره في الأسبوع على سبيل المثال، ولكن يمكن من خلال استقراء شبكة العلاقات الاجتماعية في الأسرة الخليجية خلال العقود السابقة أن نصل إلى تحديد نسبي يوضح إن كان ثمة عزلة اجتمـاعية تعيشها الأسرة بين أفرادها أم لا، وعلى كل حال فإن المسوح الاجتماعية تظهر تزايد الميل نحو الانفرادية في الممارسات الحياتية المعاصرة، لاعتبارات عدة ولطبيعة الحياة العصرية في المدن، والدور الأكبر هو لتصميم المباني وتخطيط المدن، فالمتتبع [ ص: 93 ] لعمليات التحديث والتغير الاجتماعي في المجتمع يلحظ عددا من الانعكاسات السلبية على الواقع المحلي، فقد تعرضت الأسرة لآثار عكسية، حيث لم يواكب حركة التنمية الاقتصادية اهتمام كاف بسبل الرعاية والتنشئة الاجتماعية التي تضمن التكيف الصحيح مع معطيات التنمية [1] .
وتتضح الصورة أكثر في الممارسات الترويحية، وذلك عائد إلى عدم وجود مساحات كافية تساعد على إيجاد بيئة مكانية تعمل على تحقيق الخلطة الاجتماعية لأفراد الأسرة مع قرنائهم في العمر، وبخاصة أن الكثير من الممارسات الترويحية التي كانت سائدة قديما، قبل ذلك التوسع العمراني الكبير في المدينة الخليجية، يغلب عليها الابتعاد عن النـزعة الفردية بحكم طبيعة المنشط ذاته، لذا نجد أن معظم المناشط الترويحية تتم بشكل جماعي تشاركي بين أفراد المجتمع، وبدرجة مميزة لدى الأطفال حيث الانفتاح كان أكبر وأوسع.
إن وجود الفراغات وشبه الساحات في الأحياء وبين المنازل وإن كانت صغيرة إلا أنها أماكن للعب أطفال الحي الواحد، الذين يزاولون فيها ألعابا جماعية تقليدية منتظمة؛ وتعمل هذه الفراغات على تكوين بيئات احتكاك اجتماعية رائعة تؤكد وظيفة من وظائف الترويح وهي إشباع الحاجات الاجتماعية للفرد، فمن المعلوم أن معظم الأنشطة الترويحية تتم بشكل جماعي، وهذا يساعد الفرد - حين ممارستها - على اكتساب الروح الجماعية والتعاون والانسـجام والقـدرة على التـكيف مع الآخرين، [ ص: 94 ] كما تكسب الفرد مكانة اجتماعية مقبولة لنفسه، وذلك من خلال تقبل نظم وقواعد الجماعة التي يشاركها في المناشط الترويحية، وتؤدي تلك الفعاليات الجماعية في أثناء ممارسة الترويح إلى تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين وإلى نمو اجتماعي متوازن.
إن هذه المناشط الترويحية تنمي السلوك الجماعي لدى الفرد من خلال تضامنه مع الجماعة وبالتالي تزيد من اتحاد الفرد والجماعة وتكاملها مع المجتمع [2] . إلا أن وضع المدينة الخليجية الآن بتلك المباني الشاهقة ذوات الأدوار المتعددة لا يمكن أن توفر تلك الفراغات المكانية، لممارسة الترويح، بخاصة للأطفال، مما يعزز من الروح الانفرادية لديهم، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قد يمتد إلى العزلة الاجتماعية مع مرور الوقت مما يضعف من الروح الجماعية لدى الطفل ويقلل من اكتسابه للمبادرات الجماعية التي يخدم فيها المجتمع، وبخاصة مع تزايد التركيز في الوسائل الترويحية المتاحة الآن على البعد الفردي في ممارستها مثل أجهزة الألعاب الإلكترونية والإنترنت والتلفزيون، التي تمثل قمة الترويح الفردي، الاستقبالي، السلبي المحض، ويعزز هذه المخاوف تزايد أوقات الفراغ لدى جميع أفراد الأسرة بحكم طبيعة العصر ومؤثرات أخرى ليس المجال هنا للحديث عنها، ولكنها تتعاضد لتكون نذير خطر على البعد الجماعي والروح الجماعية لأفراد الأسرة المعاصرة في المدينة الخليجية الآن. [ ص: 95 ]