خاتمة البحث
اتجه هذا البحث إلى بيان فقه السياسة الشرعية كما أصله الجويني، ومن ثم تحليل هذا الفقه، وبيان معالمه وآفاقه.
شكلت المداخل الأربعة لهذه الدراسة مدخلا تمهيديا لدراسة فقه السياسة الشرعية عند الجويني. فعرف أولها بمصطلح البحث الرئيس (السياسة الشرعية)، وترجم ثانيها لعلمها (الجويني) موضوع الدرس، وأوضح ثالثها السياق التاريخي لفقه السياسة الشرعية ما قبل الجويني، وأبرز رابعها السياق التاريخي الذي كتب فيه الجويني كتابه "الغياثي".
وجاء صلب هذا البحث مشتملا على فصول خمسة، عرضت وحللت من خلالها فقه السياسة الشرعية عند الجويني في جوانبه السياسية، والعلمية، والاجتماعية، والمالية، والدعوية.
وأستطيع في ضوء العرض والتحليل لفقه السياسة الشرعية عند الجويني، أن أسجل النتائج التالية:
أولا: أن فقه السياسـة الشـرعية لم يكن فقها غائبا ولا مهمشا، وإنما كان فقها حاضرا وفاعلا على المستويات كافة. وأن انشغال الفقهاء بفقه السياسة الشرعية تأصيلا وممارسة أمر لا يمكن نكرانه، ولا التقليل من شأنه. نجد هذا في ثنايا كتبهم، وفي طيات أقوالهم، كما نجده بشكل أوضح فيما أفردوه من مؤلفات في هذا الخصوص.
[ ص: 168 ] ثانيا: أن الجويني كان على صلة وثيقة بقضايا مجتمعه، فكان فاعلا في مجتمعه ومنفـعلا به في الوقت نفسـه، ولم يكن منبتا عن مجريات عصره، ولا منعزلا عن أحداثه. ومن هنا جاء فقه السياسة الشرعية عنده ليؤصل لمباحث الحكم، والاقتصاد، والمجتمع، والدعوة.
ثالثا: اهتم الجويني في أثناء تأسيسه لفقه السياسة الشرعية وتأصيله له بجانب التقعيد أكثر من اهتمامه بجانب التفريع. وكان يسعى لوضع القواعد الضابطة لفقه السياسة الشرعية في جوانبها كافة.
رابعا: أظهر البحث أن الجويني في أثناء تأصيله لفقه السياسة الشرعية كان يراعي في بناء ذلك الفقه مقاصد الشريعة. وغلب على ذلك الفقه أنه مبادئ وقواعد وكليات.
خامسا: اهتم الجويني بمنهج الموازنة وفقه المقارنة في بناء فقه السياسة الشرعية، وعمل على ترجيح ما هو أوفق لمقاصد الشرع، وما هو أصلح لشؤون الأمة عاجلا وأجلا. كما اعتمد منهج الموازنة بين ما هو مقطوع وما هو مظنون لتأصيل فقه السياسة الشرعية.
سادسا: لم يكتف الجويني بالسعي لتأصيل فقه السياسة الشرعية لما هو واقع، بل سعى كذلك لتأصيل فقه السياسة الشرعية لما هو متوقع.
سابعا: إن علاقة الجويني بالسلطة السياسية المتنفذة لم تمنعه من قول الحق، وتقرير ما يؤيده الدليل، وما هو الأوفق لمقاصد الشرع.
[ ص: 169 ] ثامنا: كان الجويني من السباقين إلى إفراد الحديث عن السياسة الشرعية في مؤلف خاص، وتناول في هذا الباب قضايا لم يسبق إليها، كمسألة توظيف الأموال على الأغنياء.
هذا، ولا يزال المجال رحبا لدراسة كتاب "الغياثي"، ومقارنته بكتاب "الأحكام السلطانية"، وغيره من الكتب المؤلفة في باب السياسة الشرعية.
ومما يوصى به في هذا الخصوص المتابعة بدارسة جهود الجويني في باب السياسة الشرعية، خاصة بعد ما ظهر كتابه "نهاية المطلب في دراية المذهب"، الذي يعتبر بحق مصدرا مهما لفقه السياسة الشرعيـة. كما أن مما هو جدير بالاهتمام والدراسة التوسع ببحث العلاقة بين ما أصله "الجويني" من فقه السياسة الشرعية، وبين واقعه المعيش، وبيان أثر كل بالآخر.
وبعد: فإن قصرت في عملي، فضعف ساقه العجز إلي، فليغض القارئ الطرف عنه، وإن شارفت مواقع القبول، فذلك من فضل الله علي.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=127 ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) [ ص: 170 ] (البقرة:127)
خاتمة البحث
اتجه هذا البحث إلى بيان فقه السياسة الشرعية كما أصَّله الجويني، ومن ثَمَّ تحليل هذا الفقه، وبيان معالمه وآفاقه.
شكَّلت المداخل الأربعة لهذه الدراسة مدخلًا تمهيديًّا لدراسة فقه السياسة الشرعية عند الجويني. فعرَّف أولها بمصطلح البحث الرئيس (السياسة الشرعية)، وترجم ثانيها لِعَلَمِها (الجويني) موضوع الدرس، وأوضح ثالثها السياق التاريخي لفقه السياسة الشرعية ما قبل الجويني، وأبرز رابعها السياق التاريخي الذي كتب فيه الجويني كتابه "الغياثي".
وجاء صُلب هذا البحث مشتملًا على فصول خمسة، عرضتُ وحلَّلتُ من خلالها فقه السياسة الشرعية عند الجويني في جوانبه السياسية، والعلمية، والاجتماعية، والمالية، والدعوية.
وأستطيع في ضوء العرض والتحليل لفقه السياسة الشرعية عند الجويني، أن أسجل النتائج التالية:
أولًا: أن فقه السياسـة الشـرعية لم يكن فقهًا غائبًا ولا مهمشًا، وإنما كان فقهًا حاضرًا وفاعلًا على المستويات كافة. وأن انشغال الفقهاء بفقه السياسة الشرعية تأصيلًا وممارسة أمر لا يمكن نكرانه، ولا التقليل من شأنه. نجد هذا في ثنايا كتبهم، وفي طيات أقوالهم، كما نجده بشكل أوضح فيما أفردوه من مؤلفات في هذا الخصوص.
[ ص: 168 ] ثانيًا: أن الجويني كان على صلة وثيقة بقضايا مجتمعه، فكان فاعلًا في مجتمعه ومنفـعلًا به في الوقت نفسـه، ولم يكن منبتًّا عن مجريات عصره، ولا منعزلًا عن أحداثه. ومن هنا جاء فقه السياسة الشرعية عنده ليؤصِّل لمباحث الحكم، والاقتصاد، والمجتمع، والدعوة.
ثالثًا: اهتم الجويني في أثناء تأسيسه لفقه السياسة الشرعية وتأصيله له بجانب التقعيد أكثر من اهتمامه بجانب التفريع. وكان يسعى لوضع القواعد الضابطة لفقه السياسة الشرعية في جوانبها كافة.
رابعًا: أظهر البحث أن الجويني في أثناء تأصيله لفقه السياسة الشرعية كان يراعي في بناء ذلك الفقه مقاصدَ الشريعة. وغلب على ذلك الفقه أنه مبادئ وقواعد وكليات.
خامسًا: اهتم الجويني بمنهج الموازنة وفقه المقارنة في بناء فقه السياسة الشرعية، وعمل على ترجيح ما هو أوفق لمقاصد الشرع، وما هو أصلح لشؤون الأمة عاجلًا وأجلًا. كما اعتمد منهج الموازنة بين ما هو مقطوع وما هو مظنون لتأصيل فقه السياسة الشرعية.
سادسًا: لم يكتفِ الجويني بالسعي لتأصيل فقه السياسة الشرعية لما هو واقع، بل سعى كذلك لتأصيل فقه السياسة الشرعية لما هو متوقع.
سابعًا: إن علاقة الجويني بالسلطة السياسية المتنفذة لم تمنعه من قول الحق، وتقرير ما يؤيده الدليل، وما هو الأوفق لمقاصد الشرع.
[ ص: 169 ] ثامنًا: كان الجويني من السبَّاقين إلى إفراد الحديث عن السياسة الشرعية في مؤلف خاص، وتناول في هذا الباب قضايا لم يُسبق إليها، كمسألة توظيف الأموال على الأغنياء.
هذا، ولا يزال المجال رحبًا لدراسة كتاب "الغياثي"، ومقارنته بكتاب "الأحكام السلطانية"، وغيره من الكتب المؤلفة في باب السياسة الشرعية.
ومما يُوصَى به في هذا الخصوص المتابعة بدارسة جهود الجويني في باب السياسة الشرعية، خاصة بعد ما ظهر كتابه "نهاية المطلب في دراية المذهب"، الذي يُعْتَبر بحق مصدرًا مهمًا لفقه السياسة الشرعيـة. كما أن مما هو جدير بالاهتمام والدراسة التوسع ببحث العلاقة بين ما أصَّله "الجويني" من فقه السياسة الشرعية، وبين واقعه المعيش، وبيان أثر كلٍّ بالآخر.
وبعد: فإن قصَّرتُ في عملي، فضَعْفٌ ساقه العجز إليَّ، فليغضَّ القارئ الطَّرْفَ عنه، وإن شارفتُ مواقع القبول، فذلك من فضل الله عليَّ.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=127 ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [ ص: 170 ] (البقرة:127)