الحوار
تتنوع أساليب التفاهم ووسائل الاتصال بين البشر منذ القدم، وتعتبر اللغة من أهم وأرقى تلك الأساليب والوسائل، فمن خلالها كان التواصل وتبادل الأفكار وحل المشكلات.. وشهد العصر الحديث تطورا هائلا في التكنولوجيا والتقنية، وازدادت وسائل الاتصال والتواصل تنوعا وتطورا، فتيسرت أساليب التفاهم بين بني البشر، حتى صار العالم كقرية صغيرة يشاهد المرء فيها ما يقع بين جهاتها، ويتواصل ويتفاهم مع الآخرين في مشارق الأرض ومغاربها.
ومن أهم أساليب التواصل والتفاهم، التي عرفت في المدنيات القديمة: "أسلوب الحوار، الذي يعد من أرقى أساليب التواصل والتفاهم من أجل التعايش الإنساني، التي عرفها الناس، وفي العصر الحاضر زاد الاهتمام بالحوار، وأصبحت له مراكز ومنتديات في الدول المتقدمة؛ إدراكا منها لأهمية الحوار في تحقيق التفاهم والتواصل بين الناس، والتعايش الإنساني بين البشر، واعتمدوه وسيلة لحل المشاكل، وتقريب وجهات النظر المتباينة، وتوثيق الصلات بين مختلف الأطراف" [1] . [ ص: 99 ]
وقد بذلت جهود كثيرة، عالميا وإقليميا، تنادي بتغليب لغة الحوار والتعايش بين الحضارات والثقافات، سواء على مستوى الأمم المتحدة أو على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي، أو غيرهما، وصدرت قرارات في ذلك [2] .
وبهذه القرارات العالمية وغيرها، ترددت كلمة الحوار في الصحف، وسائر وسائل الإعلام، وعلى ألسنة الناس.. وعند النظر والتأمل نجد أن هذه الكلمة تدور في السياقات التالية [3] :
1- حوار الحضارات في مقابل صراع الحضارات، الذي قال به "صامويل هنتجتون"، ومن هنا كانت الدعوة (للحوار) بدلا من (الصراع).
2-الحوار بين المذاهب والأديان.
3-الحوار بين الحكام والمحكومين بغية تحقيق المصالح العامة، ومشاركة الرعية في اتخاذ القرارات، التي تمس حياتها، سواء كان هذا الحوار من خلال إبداء الرأي في وسائل الإعلام، أو من خلال مؤسسات المجتمع المدني، أو المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية، كمجالس الشورى والبرلمانات وما إلى ذلك، كبديل للتمرد أو الشغب أو الثورة.
وبالنظر في كثير من أدبيات الحوار، يمكن القول: إن إطلاقات الناس لكلمة (الحوار) يقصد بها إحدى معان ثلاثة وهي: [ ص: 100 ]
الأول: الجدال بالتي هي أحسن، أو الحوار الدعوي، وهذا المعنى صحيح إذ هو وسيلة من وسائل الدعوة، جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهرة.
الثاني: ما يجري بين الناس من حوارات، يكون القصد منها تبادل المصالح والتفاهم بين البشر، وهذا المعنى صحيح، إذ هو داخل في باب السياسة الشرعية، أو على أقل درجاته يكون من باب المباحات.
الثالث: وحدة الأديان وتقاربها.
والخلاصة، أن الحوار الشرعي نوعان: حوار الدعوة، وحوار السياسة الشرعية [4] .