1693 - مسألة : ومن فهو على كتابته ما عاش السيد [ وهو ] وما لم يخرج عن ملك السيد فمتى أدى ما كاتب عليه عتق ; لأن هذه صفة كتابته وعقده فلا يجوز تعديه ، ومن كوتب إلى غير أجل مسمى ، فقد اختلف الناس في ذلك . فروينا من طريق كوتب إلى أجل مسمى نجم واحد أو نجمين فصاعدا ، فحل وقت النجم ولم يؤد نا عبد الرزاق أخبرني ابن جريج : أنه سمع أبو الزبير يقول في المكاتب يؤدي صدرا من كتابته ثم يعجز ؟ قال : يرد عبدا ، سيده أحق بشرطه الذي شرط . قال جابر بن عبد الله : وأخبرني ابن جريج إسماعيل بن أمية أن أخبره أن نافعا فعل ذلك . يعني أنه رد مكاتبا له في الرق ، إذ عجز بعد أن أدى نصف كتابته . ابن عمر
ومن طريق عن الحجاج بن أرطاة عن حصين بن عبد الرحمن الشعبي أن قال : إذا عجز المكاتب فأدخل نجما في نجم رد في الرق . [ ص: 246 ] وروينا عن عليا أنه كاتب أبي أيوب الأنصاري أفلح ثم بدا له فسأله إبطال الكتابة دون أن يعجز ؟ فأجابه إلى ذلك فرده عبدا ثم أعتقه بتلا . وقد ذكر ذلكمخرمة بن بكير عن أبيه : أنه لا بأس به . وبه يقول ، أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي . وقال هؤلاء : تعجيز المكاتب جائز بينه وبين سيده دون السلطان ، إلا أن وأبو سليمان قولا ، أنه لا يجوز التعجيز إلا بحكم السلطان . ثم اختلف القائلون بتعجيزه . روينا من طريق لمالك ، حماد بن سلمة كلاهما عن وابن أبي عروبة عن قتادة خلاص بن عمرو عن قال : إذا عجز المكاتب استسعى حولين - زاد علي بن أبي طالب فإن أدى ، وإلا رد في الرق - وبهذا يقول ابن أبي عروبة ، الحسن البصري - ولم يقل وعطاء بن أبي رباح ، ولا جابر بالتلوم ، بل أرقه ابن عمر ساعة ذكر أنه عجز - وبه يقول ابن عمر ، وأصحابنا . وروينا من طريق أبو سليمان عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي أن قال في المكاتب يعجز : إنه يعتق بالحساب - يعني بحساب ما أدى . وقال علي بن أبي طالب ، ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة ، ، والحسن بن حي ، وأبو يوسف : لا يرق حتى يتوالى عليه نجمان لا يؤديهما . وقال وأحمد بن حنبل الأوزاعي : إذا عجز استوفي به شهران . وقال ، أبو حنيفة : إذا عجز استوفى به ثلاثة أيام فقط ثم يرق - وقال والشافعي : يتلوم له السلطان بقدر ما يرى . مالك
وروينا من طريق عن حماد بن سلمة عمرو بن دينار قال : قال : إذا عجز المكاتب استسعى ، وقد ذكرنا قبل قول جابر بن زيد ، عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب إذا أدى النصف فلا رق عليه ، وهو غريم - وهو صحيح عنهم . وقول وشريح : إذا أدى ثلث كتابته فهو غريم . وقول ابن مسعود : إذا أدى ربع كتابته فهو غريم . وقول إبراهيم : إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته فهو غريم . [ ص: 247 ] وقول عطاء ابن مسعود : إذا أدى قيمته فهو غريم - وهو قول صحيح عنهما . قال وشريح : ما نعلم لشيء من هذه الأقوال حجة ، وأعجبها قول من حد التلوم ثلاثة أيام أو بشهرين ، ومن جعل ذلك إلى السلطان أفرأيت إن لم يتلوم له السلطان إلا ساعة ، إذ رأى أن يتلوم له خمسين عاما . ثم نقول لجميعهم : لا تخلو الكتابة من أن تكون دينا لازما ، أو تكون عتقا بصفة لا دينا ، ولا سبيل إلى ثالث أصلا ، لا في الديانة ولا في المعقول . فإن كانت عتقا بصفة فالواجب أنه ساعة يحل الأجل فلا يؤديه ، فلم يأت بالصفة التي لا عتق له إلا بها - فقد بطل عقده ولا عتق له ، ولا يجوز التلوم عليه طرفة عين ، كمن قال لغلامه : إن قدم أبي يومي هذا فأنت حر فقدم أبوه بعد غروب الشمس فلا عتق له . وهذا قول أصحابنا - وهو قول أبو محمد ، جابر . وابن عمر
وقد تناقضوا أقبح تناقض ، ومنعوا من بيعه - وإن لم يؤد شيئا - . فصح أنها ليست عندهم عتقا بصفة ، أو يكون دينا واجبا ، فلا سبيل إلى إبطاله . كما روينا عن فنظرنا في ذلك . فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حكم بشروع العتق فيه بقدر ما أدى . فصح يقينا أنها دين واجب يسقط منه بقدر ما أدى منه كسائر الديون وأنه ليس عتقا بصفة أصلا ; لأن أداء بعض الكتابة ليس هو الصفة التي تعاقدا العتق عليها ، فإذ هي كذلك فقد قال الله تعالى : { جابر بن زيد وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } وقال تعالى : { أوفوا بالعقود } فوجب الوفاء بعقد الكتابة ، وأنه لا يجوز الرجوع فيها بالقول أصلا - ووجبت النظرة إلى الميسرة ولا بد .
فإن قيل : فإذ هي دين كما تقول ، فهلا حكمتم به - وإن مات العبد أو السيد ، أو خرج عن ملكه - كما حكمتم في سائر الديون ؟ قلنا : لم نفعل ; لأن ذلك ليس دينا مطلقا ، وإنما هو دين يصح بثبات الملك ، ويبطل ببطلان الملك ، لأنه إنما وجب للسيد بشرط أن يعتقه بأدائه على العبد بشرط أن [ ص: 248 ] يكون بأدائه حرا فقط - بهذا جاء القرآن ، وفسرته السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فإذا مات السيد فقد بطل وجود المعتق ، فبطل الشرط الذي كان عليه ، وبطل الشرط عن العبد ، إذ لا سبيل إلى تمامه أبدا . وإذا مات العبد فقد بطل وجوده ، وبطل الشرط الذي كان له من العتق ، فبطل دين السيد ، إذ لا سبيل إلى ما كان يستحق ذلك الدين إلا به ، وإن خرج عن ملكه فكذلك أيضا قد بطل عتقه في عبد غيره ، فبطل ما كان له من الدين مما لا يجب له إلا بما قد بطل ، ولا سبيل إليه - . وبالله تعالى التوفيق .