2203 - مسألة : ؟ قال قوم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف المنافقين ، وعرف أنهم مرتدون كفروا بعد إسلامهم - وواجهه رجل بالتجوير ، وأنه يقسم قسمة لا يراد بها وجه الله - وهذه ردة صحيحة فلم يقتله . من المنافقين ، والمرتدين
قالوا : فصح أن لا قتل على مرتد ، ولو كان عليه قتل لأنفذ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنافقين المرتدين الذين قال الله تعالى فيهم { إذا جاءك المنافقون } إلى قوله تعالى { فهم لا يفقهون } .
قال رحمه الله : هذا كل ما احتجوا به ، ونحن - إن شاء الله تعالى - ذاكرون كل آية تعلق بها متعلق في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف المنافقين بأعيانهم ، ومبينون - بعون الله تعالى وتأييده - أنهم قسمان : قسم - لم يعرفهم قط عليه السلام . أبو محمد
وقسم آخر - افتضحوا ، فعرفهم فلاذوا بالتوبة ، ولم يعرفهم عليه السلام أنهم كاذبون أو صادقون في توبتهم فقط .
فإذا بينا هذا - بعون الله تعالى - بطل قول من احتج بأمر المنافقين في أنه لا قتل على مرتد ، وبقي قول : من رأى القتل بالتوبة .
وأما إنه لا يسقط بالتوبة ، والبرهان على الصحيح من ذلك ، فنقول - وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 128 ]
قال الله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر } إلى قوله تعالى { فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين } .
فهذه أول آية في القرآن فيها ذكر المنافقين ، وليس في شيء منها دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم ، ولا على أنه لم يعرفهم ، فلا متعلق فيها لأحد من أهل القولين المذكورين .
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } إلى قوله تعالى : { إن الله بما يعملون محيط } ففي هذه الآية دليل على أن هؤلاء القوم ممكن أن يكونوا معروفين ، لأن الله تعالى أخبرنا أنهم من غيرنا بقوله تعالى { من دونكم } فإذ هم من غيرنا فممكن أن يكونوا من اليهود مكشوفين .
وممكن أن يكون قوله تعالى عنهم أنهم { قالوا : آمنا } أي بما عندهم .
وقد يمكن أيضا : أن يكونوا من المنافقين المظهرين للإسلام .
وممكن أن الله تعالى أمرنا أن لا نتخذهم بطانة إذا أطلعنا منهم على هذا ، والوجه الأول أظهر وأقوى لظاهر الآية .
وإذ كلتاهما ممكن فلا متعلق في هذه الآية لمن ذهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين بأعيانهم ، ويدري أن باطنهم النفاق .
وقال تعالى { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم } إلى قوله تعالى : { حتى يحكموك فيما شجر بينهم } .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { } في كتاب ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا وغيره { مسلم } . إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
ومن طريق أيضا - نا مسلم ، أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا جميعا : نا عبد الله بن نمير نا عن الأعمش عبد الله بن مرة عن عن مسروق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عبد الله بن عمرو بن العاص } . أربع من كن فيه كان منافقا [ ص: 129 ] خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، إذا وعد أخلف ، إذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر
فقد صح أن هاهنا نفاقا لا يكون صاحبه كافرا ، ونفاقا يكون صاحبه كافرا ، فيمكن أن يكون هؤلاء الذين أرادوا التحاكم إلى الطاغوت لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مظهرين لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عصاة بطلب الرجوع في الحكم إلى غيره معتقدين لصحة ذلك ، لكن رغبة في اتباع الهوى ، فلم يكونوا بذلك كفارا بل عصاة ، فنحن نجد هذا عيانا عندنا ، فقد ندعو نحن عند الحاكم إلى القرآن وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنهم بإقرارهم فيأبون ذلك ويرضون برأي ، أبي حنيفة ، ومالك ، هذا أمر لا ينكره أحد ، فلا يكونون بذلك كفارا ، فقد يكون أولئك هكذا حتى إذا بين الله تعالى أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم ، وجب أن من وقف على هذا قديما وحديثا ، وإلى يوم القيامة فأبى وعند فهو كافر ؟ وليس في الآية : أن أولئك عندوا بعد نزول هذه الآية ، فإذ لا بيان فيها فلا حجة فيها لمن يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم أنهم منافقون وأقرهم . والشافعي
وقال تعالى { ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة } إلى قوله تعالى : { وكيلا } فهذا ليس فيه نص على أنهم كانوا يظهرون الإيمان ، بل لعلهم كانوا كفارا معلنين ، وكانوا يلتزمون الطاعة بالمسالمة ، فإذ لا نص فيها فلا حجة فيها لمن ادعى أنه - عليه السلام - كان يعرفهم ويدري أن عقدهم النفاق .
وقال تعالى { فما لكم في المنافقين فئتين } إلى قوله : { وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا } .