2229 - مسألة : ؟ النفي عن النسب
قال رحمه الله : اختلف الناس فيمن نفى آخر عن نسبه : فقالت طائفة : فيه الحد - وقالت طائفة : لا حد فيه ، فأما من أوجب فيه الحد - فهو كما قال أبو محمد : لا حد إلا في اثنين : أن يقذف محصنة ، أو ينفي رجلا عن أبيه ، وإن كانت أمه أمة . ابن مسعود
وعن الشعبي في الرجل ينفي الرجل من فخذه ، قال : ليس عليه حد إلا أن ينفيه [ ص: 221 ] من أبيه - وعن الشعبي ، والحسن قالا جميعا : يضرب الحد .
وعن قال : من نفى رجلا عن أبيه - كان أبوه ما كان - فعليه الحد - ومن قال لرجل من إبراهيم النخعي بني تميم لست منهم - وهو منهم - أو لرجل من بني بكر لست منهم - وهو منهم - فعليه الحد .
وعن في رجل نفى رجلا عن أبيه ، قال له : لست لأبيك وأمه نصرانية أو مملوكة - قال : لا يجلد . إبراهيم النخعي
ومن طريق أنا عبد الرزاق قال : سمعت ابن جريج حفص بن عمر بن ربيع يقول : كان بين أبي وبين يهودي مرافعة في القول في شفعة ، فقال أبي لليهودي : يهودي ابن يهودي ، فقال : أجل ، والله إني اليهودي ابن اليهودي ، إذ لا يعرف رجال كثير آباءهم ؟ فكتب عامل الأرض إلى - وهو عامل عمر بن عبد العزيز المدينة - بذلك ، فكتب ، فقال : إن كان الذي قال له ذلك يعرف أبوه ، فحد اليهودي ، فضربه ثمانين سوطا .
وعن أنه قال : سئل ابن جريج ابن شهاب عن رجل قيل له : يا ابن القين - ولم يكن أبوه قينا - قال : نرى أن يجلد الحد .
وأما من روي عنه : أنه لا حد في ذلك : كما روينا من طريق عن عبد الرزاق إبراهيم بن محمد عن عن إسحاق بن عبد الله مكحول أن ، معاذ بن جبل - رضي الله عنهما - قالا جميعا : ليس الحد إلا في الكلمة ليس لها مصرف ، وليس لها إلا وجه واحد : وعن وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال : إذا بلغ الحد - لعل وعسى - فالحد معطل . علي بن أبي طالب
وقد روي عن رضي الله عنه - فيمن قال لرجل : يا نبطي أنه لا حد عليه . ابن عباس
وعن أنه سئل عن رجل قال لرجل : يا نبطي ، ويا عبد بني فلان ، فلم ير عطاء بن أبي رباح فيه شيئا . عطاء
وعن الشعبي أنه سئل عن الرجل قال لعمري : يا نبطي ، فلم ير الشعبي في ذلك شيئا ، وقال : كلنا نبط - وبه يقول أصحابنا ؟
[ ص: 222 ] قال رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه ، فوجدنا أبو محمد الزهري يقول في - كما أوردنا عنه قبل ذلك أن السنة على النافي في كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه عليه السلام : أن يأتي بأربعة شهداء : فنظرنا هل نجد هذا الذي ذكر نفي المرء عن أبيه ، أو عن نسبه الزهري في كتاب الله تعالى ؟
فلم نجده أصلا ، وإنما وجدنا فيه الحد ، ووجوب أربعة شهداء على رمي المحصنات فوجدنا النافي إنسانا عن نسبه ، فلم يرم محصنة أصلا ، والزهري - وإن كان عندنا أحد الأئمة الفضلاء - فهو بشر يهم كما يهم غيره ، ويخطئ ويصيب ، بل وجدنا نص القرآن مخالفا لقول الزهري ، لأنه يسقط الحد عمن رمى المحصنات إذا قال لابن أمة ، أو ابن كافرة : يا ابن الزانية ، وأوجبه حيث ليس في القرآن إيجابه إذا قال له : لست لأبيك - فسقط تعلقهم بذلك جملة . فإن قالوا : النافي قاذف ولا بد ؟
قلنا : لا ، ما هو قاذف ، ولا قذف أحدا ، وقد ينفيه عن نسبه بأنه استلحق ، وأنه من غيرهم ابن نكاح صحيح ، فقد كانت العرب تفعل هذا ، فلا قذف هاهنا أصلا ، وقد يكون نفيه له بأن أراد الاستكراه لأمه ، وأنها حملت به في حالة لا يكون للزنى فيه دخول ، كالنائمة توطأ ، أو السكرى ، أو المغمى عليها ، أو الجاهلة ، فقد بطل أن يكون النافي قاذفا جملة واحدة .
ثم نظرنا - هل في السنة لهم متعلق ؟ فوجدنا : ما ناه أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح سحنون نا أخبرني ابن وهب عن حيوة بن شريح سالم بن غيلان عن عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد رجلا أن دعا آخر : يا ابن المجنون } ؟ قال : فنظرنا في هذا الخبر فوجدناه لا متعلق لهم به أصلا من وجوه : أولها : إنه مرسل ولا تقوم بمرسل حجة . أبو محمد
والثاني : من طريق سالم بن غيلان التجيبي وهو مجهول لم يعدل .
[ ص: 223 ] وثالثها : أنه لو صح لم يكن فيه حجة ، لأنه ليس فيه أنه عليه السلام جلده الحد ، إنما فيه : أنه جلده ، فلا يحل أن يراد فيه : أنه جلده الحد ، ونحن لا نأبى من ذلك من سب مسلما ، لأنه منكر يغير باليد ، فبطل أن تكون لهم فيه حجة ، بل هو عليهم .
وقد روى هذا الخبر يونس بن عبد الأعلى - وهو أحفظ من سحنون ، وأعرف بالحديث منه ، فلم يبلغه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا أخبرني ابن وهب ابن حيوة بن شريح عن سالم بن غيلان التجيبي عن يحيى بن سعيد عن قال : إن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلد رجلا أن دعا آخر : يا ابن المجنون ؟ قال سليمان بن يسار رحمه الله : وهذا أيضا كالذي ذكرنا قبل ; لأنه ليس فيه أنه جلده الحد ، والحدود لا تقام بالظنون الكاذبة ، والزيادة في الحديث كذب ، وتبليغ الحد المذكور إلى ثمانين كذب بلا شك ممن قطع بذلك . أبو محمد
فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة . ثم نظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى قد أوجب في القذف بالزنى الحد ، وجاءت به السنة الصحيحة ، وصح به الإجماع المتيقن ، فكان هذا هو الحق الذي لا شك فيه .
ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال { } وقد قال تعالى { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام تلك حدود الله فلا تعتدوها } وقال تعالى { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } فحرم الله تعالى العدوان ، وضرب الأبشار بغير برهان من العدوان ، وحرم تعالى أن تتعدى حدوده ، وإثبات حد بغير برهان تعد لحدود الله تعالى . وبالله تعالى التوفيق .