5 - مسألة : وأن . برهان هذا : أننا نجد الجسم في بعض أحواله لا يحس شيئا وأن المرء إذا فكر في شيء ما فإنه كلما تخلى عن الجسد كان أصح لفهمه وأقوى لإدراكه ، فعلمنا أن الحساس العالم الذاكر هو شيء غير الجسد ونجد الجسد إذا تخلى منه ذلك الشيء موجودا بكل أعضائه ولا حس له ولا فهم إما بموت وإما بإغماء وإما بنوم ، فصح أن الحساس الذاكر هو غير الجسد ، وهو المسمى في اللغة نفسا وروحا ، وقال الله تعالى ذكره : { النفس مخلوقة الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } فكانت النفوس كما نص تعالى كثيرة ، وكذلك وجدناها نفسا خبيثة وأخرى طيبة ، ونفسا ذات شجاعة وأخرى ذات جبن ، وأخرى عالمة وأخرى جاهلة ، فصح يقينا أن لكل حي نفسا غير نفس غيره ، فإذا تيقن ذلك وكانت النفوس كثيرة مركبة من جوهرها وصفاتها ، فهي من جملة العالم ، وهي ما لم ينفك قط من زمان وعدد فهي محدثة مركبة ، وكل محدث مركب مخلوق . فقد خالف الله تعالى في قوله : { ومن جعل شيئا مما دون الله تعالى غير مخلوق خلق كل شيء } وخالف ما جاءت به النبوة وما أجمع عليه المسلمون وما قام به البرهان العقلي .
6 - مسألة : ، برهان ذلك : أنه قد قام البرهان كما ذكرنا بأن ههنا شيئا مدبرا للجسد هي الحي الحساس المخاطب ، ولم يقم برهان قط بأنهما شيئان ، فكان من زعم بأن الروح غير النفس قد زعم بأنهما شيئان وقال ما لا برهان له [ ص: 25 ] بصحته ، وهذا باطل . قال تعالى : { وهي الروح نفسه قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } فمن لا برهان له فليس صادقا ، فصح أن . حدثنا النفس والروح اسمان لمسمى واحد عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا نا أبو داود السجستاني نا أحمد بن صالح أخبرني عبد الله بن وهب - عن يونس هو ابن زيد ابن شهاب عن عن ابن المسيب - في حديث ذكره { أبي هريرة : اكلأ لنا الليل فغلبت لبلال عيناه فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلالا ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا فقال : يا بلال فقال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله بلال } وذكر الحديث . وقال الله تعالى : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله يتوفى الأنفس حين موتها } إلى قوله { أجل مسمى } . وحدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا علي بن نصر هو الجهضمي ثنا نا وهب بن جرير الأسود بن شيبان نا خالد بن سمير نا عبد الله بن رباح حدثني في حديث ذكر فيه نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلعت الشمس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبو قتادة الأنصاري } فعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنفس وبالأرواح عن شيء واحد ، ولا يثبت عنه عليه السلام [ ص: 26 ] في هذا الباب خلاف لهذا أصلا . وبالله تعالى نتأيد . ألا إنا نحمد الله أنا لم نكن في شيء من أمر الدنيا يشغلنا عن صلاتنا ، ولكن أرواحنا كانت بيد الله عز وجل فأرسلها أنى شاء