625 - مسألة : وليس الصوم من شروط الاعتكاف ، لكن . إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم
و ، وأيام التشريق : حسن . اعتكاف : يوم الفطر ويوم الأضحى
وكذلك اعتكاف : ليلة بلا يوم ، ويوم بلا ليلة .
وهو قول ، الشافعي ، وأحمد بن حنبل . [ ص: 414 ] وأبي سليمان
وهو قول طائفة من السلف - : روينا من طريق : نا سعيد بن منصور عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي - عن أبي سهيل بن مالك قال : كان على امرأة من أهلي اعتكاف ، فسألت ؟ فقال : ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها . فقال عمر بن عبد العزيز الزهري : لا اعتكاف إلا بصوم . فقال له : عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قال : فعن عمر أبي بكر ؟ قال : لا ، قال : فعن ؟ قال : لا ، قال : فأظنه قال : فعن عمر عثمان ؟ قال : لا . قال أبو سهيل : لقيت ، طاوسا ، فسألتهما ؟ فقال وعطاء : كان فلان لا يرى عليها صياما إلا أن تجعله على نفسها ، وقال طاوس : ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها عطاء
وبه إلى سعيد : نا حبان بن علي نا عن ليث الحكم عن مقسم : أن ، عليا قالا جميعا : المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه ؟ وابن مسعود
واختلف في ذلك عن ، كما حدثنا ابن عباس محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن عمر محمد القلعي نا محمد بن أحمد الصواف نا بشر بن موسى بن صالح بن عميرة نا نا أبو بكر الحميدي نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي أبو سهيل بن مالك قال : اجتمعت أنا وابن شهاب عند ، وكان على امرأتي اعتكاف ثلاث في عمر بن عبد العزيز المسجد الحرام . فقال ابن شهاب : لا يكون اعتكاف إلا بصوم . فقال له : أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قال : فمن عمر بن عبد العزيز أبي بكر ؟ قال : لا ، قال : فمن ؟ قال : لا ، قال : فمن عمر عثمان ؟ قال : لا . قال أبو سهيل : فانصرفت فلقيت ، طاوسا ، فسألتهما عن ذلك . فقال وعطاء : كان طاوس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه . قال ابن عباس : ذلك رأيي ؟ عطاء
[ ص: 415 ] ومن طريق عن وكيع عن شعبة الحكم بن عتيبة عن قال : المعتكف إن شاء لم يصم إبراهيم النخعي
ومن طريق : نا ابن أبي شيبة عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة الحسن قال : ليس على المعتكف صوم لا أن يوجب ذلك على نفسه ؟
وقال ، أبو حنيفة وسفيان ، ، والحسن بن حي ، ومالك : لا اعتكاف إلا بصوم . والليث
وصح عن ، عروة بن الزبير والزهري وقد اختلف فيه عن وعن طاوس ، وصح عنهما كلا الأمرين ؟ ابن عباس
كتب إلى داود بن بابشاذ بن داود المصري قال : نا عبد الغني بن سعيد الحافظ نا هشام بن محمد بن قرة الرعيني نا نا أبو جعفر الطحاوي الربيع بن سليمان المؤذن نا عن ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء ، ابن عباس قالا جميعا : لا اعتكاف إلا بصوم وابن عمر
وروي عن عائشة : لا اعتكاف إلا بصوم ؟
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عائشة أم المؤمنين قالت : من اعتكف فعليه الصوم .
قال : شغب من قلد القائلين بأنه لا اعتكاف إلا بصوم بأن قالوا : قال الله تعالى : { أبو محمد فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } .
قالوا : فذكر الله تعالى الاعتكاف إثر ذكره للصوم ، فوجب أن لا يكون الاعتكاف إلا بصوم ؟
قال : ما سمع بأقبح من هذا التحريف لكلام الله تعالى ، والإقحام فيه ما ليس فيه وما علم قط ذو تمييز : أن ذكر الله تعالى شريعة إثر ذكره أخرى موجبة عقد إحداهما بالأخرى . [ ص: 416 ] أبو محمد
ولا فرق بين هذا القول وبين من قال : بل لما ذكر الصوم ثم الاعتكاف : وجب أن لا يجزئ صوم إلا باعتكاف ؟
فإن قالوا : لم يقل هذا أحد قلنا : فقد أقررتم بصحة الإجماع على بطلان حجتكم ، وعلى أن ذكر شريعة مع ذكر أخرى لا يوجب أن لا تصح إحداهما إلا بالأخرى .
وأيضا : فإن خصومنا مجمعون على أن المعتكف : هو بالليل معتكف كما هو بالنهار ، وهو بالليل غير صائم .
فلو صح لهم هذا الاستدلال لوجب أن لا يجزئ الاعتكاف إلا بالنهار الذي لا يكون الصوم إلا فيه - فبطل تمويههم بإيراد هذه الآية ، حيث ليس فيها شيء مما موهوا به ، لا بنص ولا بدليل وذكروا ما روينا من طريق أبي داود قال : نا نا أحمد بن إبراهيم نا أبو داود هو الطيالسي - عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن قال : { ابن عمر جعل عليه في الجاهلية أن يعتكف ليلة أو يوما عند عمر الكعبة ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اعتكف وصم } . إن
قال : هذا خبر لا يصح ، لأن أبو محمد عبد الله بن بديل مجهول ولا يعرف هذا الخبر من مسند عمرو بن دينار أصلا ، وما نعرف لعمرو بن دينار عن حديثا مسندا إلا ثلاثة ، ليس ، هذا منها - : أحدها : في العمرة { ابن عمر لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } . والثاني : في صفة الحج . والثالث : { } . [ ص: 417 ] فسقط عنا هذا الخبر ، لبطلان سنده ؟ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله
ثم الطامة الكبرى احتجاجهم به في إيجاب الصوم في الاعتكاف ومخالفتهم إياه في إيجاب الوفاء بما نذره المرء في الجاهلية ، فهذه عظيمة لا يرضى بها ذو دين
فإن قالوا : معنى قوله " في الجاهلية " أي أيام ظهور الجاهلية بعد إسلامه ؟ قلنا لمن قال هذا : إن كنت تقول هذا قاطعا به فأنت أحد الكذابين ، لقطعك بما لا دليل لك عليه ، ولا وجدت قط في شيء من الأخبار ، وإن كنت تقوله ظنا ، فإن الحقائق لا تترك بالظنون .
وقد قال الله تعالى : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } . فكيف وقد صح كذب هذا القول ، كما روينا من طريق إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث : نا ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال { عمر } . نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت ، فأمرني أن أوفي بنذري
وهذا في غاية الصحة ، لا كحديث عبد الله بن بديل الذاهب في الرياح ؟ فهل سمع بأعجب من هؤلاء القوم لا يزالون يأتون بالخبر يحتجون به على من لا يصححه فيما وافق تقليدهم ، وهم أول مخالفين لذلك الخبر نفسه فيما خالف تقليدهم - : فكيف يصعد مع هذا عمل ؟ ونعوذ بالله من الضلال ، فعاد خبرهم حجة عليهم لا علينا ، ولو صح ، ورأيناه حجة لقلنا : به
وموهوا بأن هذا روي عن أم المؤمنين ، وابن عباس . قالوا : ومثل هذا لا يقال بالرأي . وابن عمر
فقلنا : أما فقد اختلف عنه في ذلك ، فصح عنه مثل قولنا . ابن عباس
وقد روينا عنه من طريق : أنا عبد الرزاق عن ابن عيينة عبد الكريم بن أبي أمية سمعت يقول : إن أمنا ماتت وعليها اعتكاف ، فسألت [ ص: 418 ] عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ؟ فقال : اعتكف عنها وصم ابن عباس
فمن أين صار حجة في إيجاب الصوم على المعتكف - وقد صح عنه خلاف ذلك - . ولم يصر حجة في إيجابه على الولي قضاء الاعتكاف عن الميت ؟ ابن عباس
وهلا قلتم هاهنا : مثل هذا لا يقال : بالرأي وعهدناهم يقولون : لو كان هذا عند فلان صحيحا ما تركه . أو يقولون : لم يترك ما عنده من ذلك إلا لما هو أصح عنده ؟
وقد ذكرنا عن آنفا أنه لم ير الصوم على المعتكف ، وسمع عطاء يذكر ذلك عن طاوسا فلم ينكر ذلك عليه . ابن عباس
فهلا قالوا : لم يترك ما روي عن عطاء ، ابن عباس إلا لما هو عنده أقوى منه ، ولكن القوم متلاعبون وابن عمر
وأما أم المؤمنين فقد روينا عنها من طريق أبي داود - : نا أنا وهب بن بقية عن خالد عبد الرحمن يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين أنها " قالت : السنة على المعتكف لا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ؟
فمن أين صار قولها في إيجاب الاعتكاف حجة ، ولم يصر قولها " لا اعتكاف إلا في مسجد جامع " حجة وروينا عنها عن طريق عن عبد الرزاق ، ابن جريج - : قال ومعمر : أخبرني عطاء : أن ابن جريج عائشة نذرت جوارا في جود ثبير مما يلي منى . [ ص: 419 ] وقال عن معمر عن أيوب السختياني قال : اعتكفت ابن أبي مليكة عائشة أم المؤمنين بين حراء ، وثبير ، فكنا نأتيها هنالك .
فخالفوا عائشة في هذا أيضا ، وهذا عجب وأما فحدثنا ابن عمر يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا نا أحمد بن خالد نا محمد بن خالد محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا نا يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن أبي سليمان : أن عطاء بن أبي رباح كان إذا اعتكف ضرب فسطاطا ، أو خباء يقضي فيه حاجته ، ولا يظله سقف بيت ؟ ابن عمر
فكان حجة فيما روي عنه : أنه لا اعتكاف إلا بصوم ، ولم يكن حجة في أنه كان إذا اعتكف لا يظله سقف بيت ؟ ابن عمر
فصح أن القوم إنما يموهون بذكر من يحتج به من الصحابة إيهاما ; لأنهم لا مؤنة عليهم من خلافهم فيما لم يوافق من أقوالهم رأي ، أبي حنيفة وأنهم لا يرون أقوال الصحابة حجة إلا إذا وافقت رأي ومالك ، أبي حنيفة فقط ، وفي هذا ما فيه . ومالك
فبطل قولهم ، لتعريه من البرهان ومن عجائب الدنيا ، ومن الهوس قولهم : لما كان الاعتكاف لبثا في موضع : أشبه الوقوف بعرفة ، والوقوف بعرفة لا يصح إلا محرما ، فوجب أن لا يصح الاعتكاف إلا بمعنى آخر ، وهو الصوم .
فقيل لهم : لما كان اللبث بعرفة لا يقتضي وجوب الصوم وجب أن يكون الاعتكاف لا يقتضي وجوب الصوم ؟ قال : من البرهان على صحة قولنا اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ، فلا يخلو صومه من أن يكون لرمضان خالصا - وكذلك هو - فحصل الاعتكاف مجردا عن صوم يكون من شرطه ، وإذا لم يحتج الاعتكاف إلى صوم ينوي به الاعتكاف فقد بطل أن يكون الصوم من شروط الاعتكاف وصح أنه جائز بلا صوم ، وهذا برهان ما قدروا على [ ص: 420 ] اعتراضه إلا بوساوس لا تعقل . أبو محمد
ولو قالوا : إنه عليه السلام صام للاعتكاف لا لرمضان ، أو لرمضان ، والاعتكاف - لم يبعدوا عن الانسلاخ من الإسلام وأيضا : فإن الاعتكاف هو بالليل كهو بالنهار ، ولا صوم بالليل ، فصح أن الاعتكاف لا يحتاج إلى صوم .
فقال مهلكوهم ههنا : إنما كان الاعتكاف بالليل تبعا للنهار ؟ فقلنا : كذبتم ولا فرق بين هذا القول وبين من قال : بل إنما كان بالنهار تبعا لليل ، وكلا القولين فاسد .
فقالوا : إنما قلنا : إن الاعتكاف يقتضي أن يكون في حال صوم . فقلنا : كذبتم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { } فلما كان الاعتكاف عندنا وعندكم لا يقتضي أن يكون معه صوم ينوي به الاعتكاف صح ضرورة أن الاعتكاف ليس من شروطه ، ولا من صفاته ، ولا من حكمه أن يكون معه صوم ، وقد جاء نص صحيح بقولنا ؟ إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى
كأن روينا من طريق أبي داود : نا نا عثمان بن أبي شيبة أبو معاوية كلاهما عن ويعلى بن عبيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عمرة بنت عبد الرحمن عن قالت : { عائشة أم المؤمنين } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه ، قالت : وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، قالت : فأمر ببنائه فضرب فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب ، وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائهن فضرب ، فلما صلى الفجر نظر إلى الأبنية ، فقال : ما هذا ؟ آلبر تردن ؟ فأمر ببنائه فقوض ، وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضن ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول ، يعني من شوال
قال : فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتكف العشر الأول من شوال وفيها يوم [ ص: 421 ] الفطر ، ولا صوم فيه أبو محمد
يقول : لا يخرج المعتكف في العشر الأواخر من رمضان من اعتكافه إلا حتى ينهض إلى المصلى . ومالك
فنسألهم : أمعتكف هو ما لم ينهض إلى المصلى ، أم غير معتكف ؟ فإن قالوا : هو معتكف ، تناقضوا ، وأجازوا الاعتكاف بلا صوم برهة من يوم الفطر .
وإن قالوا : ليس معتكفا قلنا : فلم منعتموه الخروج إذن ؟