( قال ) وإذا ضمنه في ماله وعزر وعزل عن القضاء ; لأنه فيما جار فيه ليس بقضاء بل هو إتلاف بغير حق إنما قضاؤه على موافقة أمر الشرع ، والشرع لا يأمر بالجور وهو فيما يتلف بغير حق كغيره في إيجاب الضمان عليه في ماله ويعزر لارتكابه ما لا يحل له قصدا ويعزل عن القضاء لظهور خيانته فيما جعل أمينا فيه ، وفي هذا اللفظ دليل أن الصحيح من مذهب علمائنا أن القاضي لا ينعزل بالجور ، ولكن يستحق عزله ; لأن الفسق عندنا لا يمنع صحة تقليده ابتداء فلا يمنع البقاء بطريق الأولى بخلاف ما تقوله قضى القاضي بحد أو قصاص أو مال وأمضاه ثم قال : قضيت بالجور وأنا أعلم ذلك المعتزلة إنه ينعزل بالجور ، وإن تقليد الفاسق ابتداء لا يصح بناء على أصلهم أن بالفسق يخرج من الإيمان ; لأن اسم الفسق اسم ذم واسم الإيمان اسم مدح فلا يجتمعان وهي معروفة من مذهبهم في القول بالمنزلة بين المنزلتين رحمه الله يوافقهم في أنه ينعزل بناء على أصله أن بالفسق ينتقض إيمانه وأن التقليد ممن قلده كان على ظن أداء الأمانة فلا يبقى حكمه بعد الخيانة كما في الوديعة يقول بالخلاف من طريق الفعل يبطل العقد . والشافعي
وهذا كله عندنا باطل فإن الولاة من الخلفاء والسلاطين والقضاة بعد الخلفاء الراشدين قل ما يخلو واحد منهم عن فسق وجور ، ففي القول بما قالوا يؤدي إلى أن يكون الناس سدى لا والي لهم ، وأي قول أفحش من هذا ، وإن ظهر أنه قضى بالجور وقد فعله خطأ لم يكن عليه غرمه ; لأنه غير معصوم عن الخطأ ، والخطأ موضوع شرعا قال الله تعالى { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } فكان هو قاضيا على موافقة أمر الشرع ظاهرا غير جان فيما فعل ، ولكن إذا تبين الخطأ أخذ المقضي له بغرم ذلك إن كان قضاؤه بحق العباد ، وإن كان بحق الله تعالى فضمانه في بيت المال ، وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى : القاضي إذا أخبر عن قضائه بشيء وأمر الناس برجم أو قتل بناء على قضائه فإن كان عالما ورعا وسعهم أن يأخذوا بقوله من غير أن يستفسروه ، وإن كان عالما غير ورع لم يسعهم ذلك ما لم يستفسروا ، وكذلك لو كان ورعا غير عالم ; لأن الورع الذي هو غير عالم قد يخطئ لجهله ، والعالم الذي ليس بورع قد يعتمد الجور ويميل إلى الرشوة ، وأما إذا كان عالما ورعا فإنهم يأمنون الخطأ لعلمه والجور لورعه فيسعهم الأخذ بقوله