الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وللعشاء من غروب حمرة الشفق للثلث الأول )

                                                                                                                            ش : لما فرغ من بيان وقت صلاة المغرب شرع يبين وقت صلاة العشاء ورد تسميتها بذلك في القرآن قال في التنبيهات : سميت بذلك من الظلام والعشاء بكسر العين ممدودا أول الظلام وقال ابن العربي في العارضة العشاء بكسر العين هو أول الظلام وذلك من المغرب إلى العتمة والعشاء بفتحها طعام ذلك الوقت والعشاءان المغرب والعتمة انتهى .

                                                                                                                            وقال الجزولي كان يمر بنا في المجالس أنها مشتقة من العشى وهو ضعف البصر ; لأن البصر يضعف حينئذ قال في التنبيهات وجاء اسمها في الحديث العتمة بقوله : { لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ، ولو حبوا } وجاء النهي عن تسميتها عتمة وسميت بذلك من عتمة الليل وهي ثلثه ، وأصله تأخيرها يقال : أعتم القوم إذا ساروا حينئذ ، والعتمة الإبطاء انتهى . قال في الصحاح العتمة وقت صلاة العشاء قال الخليل : العتمة هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق ، وقد عتم الليل يعتم كضرب يضرب وعتمته ظلامه انتهى . وقال ابن حجر : العتمة ظلمة الليل وتنتهي إلى الثلث الأول وأطلقت على صلاة العشاء لأنها توقع فيها انتهى . والنهي عن تسميتها عتمة هو ما رواه مسلم : { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم إلا أنها في كتاب الله العشاء وهم يعتمون بالإبل } بفتح أوله وضمه وفي رواية بحلاب الإبل ومعناه أنهم يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن ناجي في شرح المدونة واختلف في تسميتها بالعتمة على ثلاثة أقوال فقيل : إن ذلك جائز والعشاء أحسن وهو قول الرسالة ، وقيل : يكره تسميتها بالعتمة قاله في سماع ابن القاسم قال أكره تسميتها بالعتمة واستحب تعليم [ ص: 397 ] الأهل والولد تسميتها العشاء وأرجو سعة تكليم من لا يفهمها العشاء بالعتمة ، وقيل : يحرم تسميتها بها وهو نقل ابن رشد عن كتاب ابن مزين من قال فيها عتمة كتبت عليه سيئة انتهى . وهذه الأقوال أخذها من كلام ابن عرفة فإنه قال وسمع ابن القاسم أكره تسميتها العتمة وأستحب تعليم الأهل والولد تسميتها العشاء وأرجو سعة تكليم من لا يفهمها العشاء بالعتمة ابن رشد من قال فيهما عتمة كتبت عليه سيئة .

                                                                                                                            قال ابن عرفة قلت فتكون حراما وقول الشيخ وتسميتها العشاء أولى خلافهما انتهى . ( قلت : ) وهذه المسألة في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة لكن لم يصرح فيها بلفظ الكراهة كما ذكر ابن عرفة لفظه سئل مالك عن قول الرجل في صلاة العشاء العتمة قال مالك الصواب ما قال الله : { من بعد صلاة العشاء } ثم ذكر بقية الرواية لكن عبر ابن رشد عن هذا بالكراهة وقال في شرح هذه المسألة وجه كراهية مالك أن تسمى العشاء عتمة إلا عند الضرورة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تغلبنكم الأعراب وذكر بقية الحديث والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) وأما وصفها بالآخرة في قولهم صلاة العشاء الآخرة فجائز وقع ذلك في كلام مالك في المدونة وغيرها وفي كلام غيره وورد ذلك في الصحيحين ففي البخاري في باب ذكر العشاء والعتمة عن أنس قال : { أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة } وفي صحيح مسلم في باب خروج النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة } وقال النووي فيه دليل على جواز قول الإنسان : العشاء الآخرة ، وأما ما نقل عن الأصمعي أنه قال : من المحال قول العامة العشاء الآخرة ; لأنه ليس لنا إلا عشاء واحدة فلا توصف بالآخرة فهذا القول غلط لهذا الحديث وقد ثبت في صحيح مسلم عن جماعات من الصحابة وصفها وألفاظهم بهذا مشهورة انتهى . وكرر ذلك في باب القراءة في العشاء وفي باب وقت العشاء وقال فيه دليل على وصفها بالآخرة وأنه لا كراهة فيه خلافا لما حكي عن الأصمعي من كراهته والله أعلم .

                                                                                                                            ( فصل ) واختلف في أول وقتها فالمعروف من المذهب أن أول وقتها مغيب الشفق الأحمر كما قال المصنف من غروب حمرة الشفق وعليه أكثر العلماء وأخذ اللخمي وابن العربي قولا لمالك أنه البياض من قول ابن شعبان : أكثر أجوبته في الشفق أنه الحمرة ورد المازري الأخذ باحتمال أن ابن شعبان أراد ما وقع في سماع ابن القاسم عن مالك أرجو أن تكون الحمرة والبياض أبين فيمكن أن يكون ابن شعبان لما رأى هذا فيه تردد وما سواه لا تردد فيه إشارة إلى أن أكثر أقواله أنه الحمرة دون تردد فلا يقطع بصحة ما فهمه اللخمي وابن العربي وما قاله المازري ظاهر ، قال ابن ناجي ونقل ابن هارون في شرحه على التهذيب عن ابن القاسم اعتبار البياض كأبي حنيفة ، ولا أعرفه قال عياض والقول بالبياض عندي أبين للخروج من خلاف أهل اللسان والفقه واحتج بعض الشيوخ للمشهور بوجهين : الأول أن الغوارب ثلاثة : الشمس والشفقان ، والطوالع ثلاثة : الفجران والشمس ، والحكم يتعلق بالوسط من الطوالع فكذلك يتعلق بالوسط من الغوارب . الثاني روي عن الخليل بن أحمد أنه قال رقبت البياض فوجدته يبقى إلى ثلث الليل وفي مختصر ما ليس في المختصر إلى نصف الليل فلو رتب الحكم لزم تأخير العشاء إلى نصف الليل أو آخره انتهى .

                                                                                                                            وقال سند : وجه المذهب ما في حديث جبريل وغيره : { أنه صلى العشاء حين غاب الشفق } ، وهذا الاسم مختص في الاستعمال بالحمرة قال صاحب العين الشفق الحمرة قال الفراء نظر أعرابي إلى ثوب أحمر فقال : كأنه شفق ، ومنه صبغت ثوبي شفقا ، وكذلك قال المفسرون في قوله تعالى : { فلا أقسم بالشفق } : إنه الحمرة وفي [ ص: 398 ] الموطإ عن ابن عمر الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق فقد وجبت الصلاة انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال في الطراز لا يختلف أن مبتدأ وقت العشاء الاختياري لا يكون قبل مغيب الشفق الذي هو الحمرة انتهى . فاعترضه بعض الناس بأنه قد نقل عن أشهب أن من صلى العشاء قبل مغيب الشفق أنها تجزئه .

                                                                                                                            ( قلت : ) ليس في هذا ما يخالف كلامه ; لأن أشهب لا يقول ذلك وقت مختار يجوز إيقاعها فيه ابتداء ، وإنما قال أرجو أنه يجزئه فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            ( فصل ) وقال في الطراز ، ولا تختلف الأمة أن وقتها الاختياري ممتد واختلف في منتهاه فمشهور المذهب أنه إلى ثلث الليل كما جاء في حديث عمر ، وهذا قول مالك وابن القاسم وأشهب ، وقال : ابن حبيب وابن المواز إلى نصف الليل وقد وردت الأحاديث بما يدل لكل واحد من القولين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية