الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وبلوغ )

                                                                                                                            ش : ظاهره أن أذان الصبي المميز لا يصح ولو لم يوجد غيره وهذا مذهب المدونة وقيل : يصح مطلقا رواه أبو الفرج في الحاوي وقيل : يصح إن كان مع النساء وفي موضع لا يوجد غيره ، وذكر هذه الأقوال الثلاثة صاحب الطراز وابن عرفة وغيرهم ، وزاد ابن عرفة رابعا وعزاه للخمي ، وهو أنه يصح أذانه إذا كان ضابطا وأذن تبعا لبالغ ، ونصه : " وفي صحته من الصبي المميز ثالثها إن لم يوجد غيره ، ورابعها إن كان ضابطا تابعا لبالغ لرواية أبي الفرج ولها ولرواية أشهب واللخمي انتهى " .

                                                                                                                            ( قلت ) ما عزاه اللخمي لا ينبغي أن يختلف فيه وقد نقل ابن ناجي في شرح المدونة عن ابن راشد في شرح قول ابن الحاجب : وفي الصبي قولان ما نصه : " إن كان محل الخلاف في كونه واحدا من المؤذنين فلا ينبغي أن يختلف في الجواز ; لأنه ممن يخاطب بالسنة ، وإن كان محل الخلاف كونه موقتا يعتمد على إخباره بدخول الوقت فلا ينبغي أن يختلف في المنع ; لأن الخبر ، وإن صح من واحد فلا بد من عدالته ، والصبي غير محكوم له بالعدالة انتهى . فأما ما ذكره ابن راشد فيما إذا كان تبعا فلا ينبغي أن يختلف فيه كما ، قال وقد صرح صاحب الطراز : بأنه يجوز للصبي أن يؤذن لنفسه ذكره في التفريق بين المرأة والصبي على القول بأن المرأة لا تقيم وذكر في أثناء احتجاجه أن ما يخاطب به بعد البلوغ يؤمر به قبله تمرينا له فيفهم من هذا أن الصبي المميز إذا سافر يؤمر بالأذان وكذا لو كان جماعة من الصبيان ، والأذان يجمعهم لأمروا بالأذان ; لأن الجماعة مشروعة في حقهم ، وجعل ابن بشير الخلاف في أذان الصبي إنما هو بالجواز والكراهة ، فقال : وهل يجوز الأذان للجنب والصبي في المذهب قولان : الكراهة والجواز ، فأما الكراهة فلأن المؤذن داع إلى الصلاة ، وهذان ليسا ممن يستحق الدعاء إليها ، والجواز لأنه ذكر ، وهذان من أهله انتهى .

                                                                                                                            فلم يحك فيه إلا الكراهة ، وبذلك صرح في مختصر الوقار ، فقال : ويكره أذان من لم يبلغ الحلم انتهى .

                                                                                                                            وأما ما ذكره ابن راشد في القسم الثاني أعني أنه لا يختلف في المنع من كونه موقتا يعتمد على أذانه فهو ظاهر أيضا ولا إشكال في المنع منه ابتداء وإنما ينبغي أن يكون محل الخلاف إذا وقع ذلك ، وأذن أو كان هناك من يضبط الأوقات ويأمر [ ص: 436 ] الصبي بالأذان فهل يصح أذانه ، وتحصل به السنة ويسقط به الوجوب على القول بأن الأذان واجب أم لا هذا محل الخلاف المتقدم ; وبهذا يتحرر الكلام في هذه المسألة وعد الفاكهاني في شرح الرسالة البلوغ من صفات الكمال ولم يحك في ذلك خلافا .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) وبهذا يجمع بين ما وقع في كلام أهل المذهب في اشتراط العدالة ، فقال ابن عرفة : ويجب كونه عدلا عالما بالوقت إن اقتدي به ، ونقله ابن ناجي في شرح المدونة ، وقال الفاكهاني في شرح الرسالة : وأما صفات الكمال فهي أن يكون عدلا عارفا بالأوقات إلى آخرها فيحمل كلام ابن عرفة على أن المراد أن ذلك واجب ابتداء ، وكلام الفاكهاني على أنه لو أذن غير العدل وغير العارف بالأوقات صح أذانه ; لأن ابن عرفة لما عد شروط المؤذن لم يذكر ذلك فيها ، وأما ما ذكره في الذخيرة عن الجواهر من عده ذلك في شروط المؤذن ، وكذلك صاحب العمدة يشترط في المؤذن معرفة الأوقات وكذلك ذكر صاحب المدخل أنه يشترط أن يكون عدلا عارفا بالأوقات سالما من اللحن فيه فيحمل ذلك على أنه يجب فيه ابتداء ، قال في الذخيرة قال في الجواهر : يشترط أن يكون مسلما عاقلا مميزا ذكرا بالغا عدلا عارفا بالأوقات صيتا حسن الصوت انتهى .

                                                                                                                            ولفظ الجواهر : { الفصل الثالث في صفة المؤذن } يشترط أن يكون مسلما عاقلا مميزا ذكرا ثم تكلم على هذه الشروط ، ثم قال : ويستحب الطهارة في الأذان ، ثم قال : وليكن المؤذن صيتا حسن الصوت ، ثم قال : وليكن عدلا عارفا بالأوقات لتقلده عهدتها انتهى . ولا إشكال في وجوب ذلك ابتداء ، قال البرزلي في مسائل الصلاة عن السيوري : يلزم كل من قدر على إقامة الحق إقامته ، ومن إقامة الحق أن يوكل بالأوقات من يفهم ويعرف الأوقات كلها ممن يوثق به وينهون عن سبقه فإن انتهوا وإلا توعدوا فإن عادوا سجنوا ، وقال أبو الطيب : ومن تعدى بعد النهي عوقب ثم ذكر عن التونسي : إن من لم يكن عارفا أو كان غير مأمون لا يقتدى به ، وينهى أن يبتدئ بالأذان أشد النهي فإن عاد أدب أدبا وجيعا ، وقال ابن محرز : لا يجوز تقليده ، ومن صلى بتقليده لم تجزه صلاته انتهى .

                                                                                                                            الثاني عد الشيخ يوسف بن عمر الحرية في شروط الصحة ، وكذلك العدالة ، ومعرفة الأوقات ، ولم يشترط أحد في المؤذن الحرية ، فيصح أذان العبد ، وصرح بذلك صاحب الطراز لما تكلم على أذان الصبي ، وذكره في النوادر وفضله على أذان الأعرابي ، وولد الزنا وسيأتي لفظه ، وذكره في الطراز أيضا والقرافي في الذخيرة والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب : وشرط المؤذن أن يكون مسلما عاقلا ذكرا ، وفي الصبي قولان فلا يعتد بأذان كافر ، ولا مجنون ، ولا سكران ، ولا امرأة ، هذه الشروط المذكورة في الأذان ما عدا الذكورية . شرط في الإقامة ، قال في المدونة : ولا يؤذن ولا يقيم إلا من احتلم انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) هذا الذي ذكره عن المدونة نقله ابن عرفة عن المدونة أيضا ولم أر ما ذكراه عن المدونة فيها ولفظ التهذيب : ولا يؤذن ولا يؤم إلا من احتلم ، وهكذا في الأم ولفظها : " ولا يؤذن إلا من احتلم ; لأن المؤذن إمام ولا يكون من لم يحتلم إماما " انتهى . وعلى ذلك اختصرها ابن يونس وصاحب الطراز وغيرهما نعم ، قال ابن يونس ، قال في العتبية : لا يؤذن الصبي ولا يقيم إلا أن يكون مع نساء أو بموضع لا يوجد غيره فليؤذن ويقيم . قال في المجموعة : فإن صلى لنفسه فليقم انتهى . فعلم من هذا أنه يشترط في المقيم للجماعة البالغين أن يكون ذكرا بالغا ، وأما إذا صلى الصبي لنفسه فإنه يقيم ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية