فباءوا بغضب على غضب تفريع على ما تقدم، أي فرجعوا متلبسين بغضب كائن على غضب مستحقين له، حسبما اقترفوا من الكفر والحسد، وروي عن رضي الله تعالى عنهما أن الغضب الأول لعبادة العجل، والثاني لكفرهم به صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس : الأول: كفرهم بالإنجيل، والثاني كفرهم بالقرآن، وقيل : هما الكفر قتادة بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو قولهم : عزير ابن الله و يد الله مغلولة وغير ذلك من أنواع كفرهم، وكفرهم الأخير بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا يخفى أن فاء العطف يقتضي صيرورتهم أحقاء بترادف الغضب، لأجل ما تقدم، وقولهم : عزير ابن الله مثلا غير مذكور فيما سبق، ويحتمل أن يراد بقوله سبحانه : بغضب على غضب الترادف والتكاثر لا غضبان فقط، وفيه إيذان بتشديد الحال عليهم جدا كما في قوله :
ولو كان رمحا واحدا لاتقيته ولكنه رمح وثان وثالث
ومن الناس من زعم أن الفاء فصيحة، والمعنى: فإذا كفروا وحسدوا على ما ذكر باؤوا إلخ، وليس بشيء.وللكافرين عذاب مهين اللام في الكافرين للعهد، والإظهار في موضع الإضمار للإيذان بعلية كفرهم لما حاق بهم : ويحتمل أن تكون للعموم، فيدخل المعهودون فيه على طراز ما مر، والمهين المذل، وأصله مهون فأعل، وإسناده إلى العذاب مجاز، من الإسناد إلى السبب، والوصف به للتقييد والاختصاص الذي يفهمه تقديم الخبر بالنسبة إليه، فغير الكافرين إذا عذب فإنما يعذب للتطهير لا للإهانة والإذلال، ولذا لم يوصف عذاب غيرهم به في القرآن، فلا تمسك للخوارج بأنه خص العذاب بالكافرين، فيكون الفاسق كافرا، لأنه معذب، ولا للمرجئة أيضا،