واعترض بأن المنقطع لا يكون مفرغا وفيه بحث لأنه مانع منه إذا دلت القرينة عليه كما إذا قيل : ما أنيسك في البادية؟ فقلت : ما لي بها إلا اليعافير، أي ما لي بها أنيس إلا ذلك ، وأنت تعلم أن في وجود القرينة ههنا مقالا .
وقال : إنه كان في تلك الغزوة منافقون لهم خبال فلو خرج هؤلاء أيضا واجتمعوا بهم زاد الخبال فلا فساد في ذلك الاستلزام لو ترتب ( أبو حيان ولأوضعوا خلالكم ) الإيضاع سير الإبل يقال : أوضعت الناقة تضع إذا أسرعت وأوضعتها أنا إذا حملتها على الإسراع ، والخلال جمع خلل وهو الفرجة استعمل ظرفا بمعنى بين ومفعول الإيضاع مقدر أي النمائم بقرينة السياق ، وفي الكلام استعارة مكنية حيث شبهت النمائم بالركائب في جريانها وانتقالها، وأثبت لها الإيضاع على سبيل التخييل ، والمعنى ولسعوا بينكم بالنميمة وإفساد ذات البين .
وقال العلامة الطيبي : فيه استعارة تبعية حيث شبه سرعة إفسادهم ذات البين بالنمائم بسرعة سير الراكب ثم استعير لها الإيضاع وهو للإبل والأصل ولأوضعوا ركائب نمائمهم خلالكم ثم حذف النمائم وأقيم المضاف إليه مقامه فقيل لأوضعوا ركائبهم ثم حذفت الركائب ، ومنع في كتاب الغايات أن يقال : أوضعت الركائب ووضع البعير بمعنى أسرع وإنما يستعمل ذلك بدون قيد ، وجوز ذلك غيره واستدل له بقوله : الأخفش
فلم أر سعدى بعد يوم لقيتها غداة بها أجمالها صاح توضع
وقرئ ( ولأرقصوا ) من رقصت الناقة إذا أسرعت وأرقصتها ومنه قوله :يا عام لو قدرت عليك رماحنا والراقصات إلى منى فالغبغب
واللام على التفسير الأول للتعليل وعلى الثاني للتقوية كما في قوله تعالى : فعال لما يريد ، والجملة حال من مفعول ( يبغونكم ) أو من فاعله لاشتمالها على ضميرهما أو مستأنفة .
قال بعض المحققين : ولعل هؤلاء لم يكونوا في كمية العدد وكيفية الفساد بحيث يخل مكانهم فيما بين المؤمنين بأمر الجهاد إخلالا عظيما ولم يكن فساد خروجهم معادلا لمنفعته، ولذلك لم تقتض الحكمة عدم خروجهم فخرجوا مع المؤمنين ، ولكن حيث كان انضمام المنافقين القاعدين إليهم مستتبعا لخلل كلي كره الله تعالى انبعاثهم فلم [ ص: 113 ] يتسن اجتماعهم فاندفع فسادهم . انتهى ، والاحتياج إليه على التفسير الأول أظهر منه على التفسير الثاني لأن الظاهر عليه أن القوم لم يكونوا منافقين ، ووجه العتاب على الإذن في قعودهم مع ما قص الله تعالى فيهم أنهم لو قعدوا بغير إذن منه عليه الصلاة والسلام لظهر نفاقهم فيما بين المسلمين من أول الأمر ولم يقدروا على مخالطتهم والسعي فيما بينهم بالأراجيف ولم يتسن لهم التمتع بالعيش إلى أن يظهر حالهم بقوارع الآيات النازلة والله عليم بالظالمين علما محيطا بظواهرهم وبواطنهم وأفعالهم الماضية والمستقبلة فيجازيهم على ذلك ، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والتشديد في الوعيد والإشعار بترتبه على الظلم ، ويجوز أن يراد بالظالمين الجنس ويدخل المذكورون دخولا أوليا ، والمراد منهم إما القاعدون أو هم والسماعون .