( ومن باب الإشارة في هذه السورة ) قال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نحن نقص عليك أحسن القصص وهو اقتصاص ما جرى
ليوسف عليه السلام وأبيه وإخوته عليهم السلام وإنما كان ذلك أحسن القصص لتضمنه ذكر العاشق والمعشوق وذلك مما ترتاح له النفوس أو لما فيه من بيان حقائق محبة المحبين وصفاء سر العارفين والتنبيه على حسن عواقب الصادقين والحث على سلوك سبيل المتوكلين والاقتداء بزهد الزاهدين والدلالة على الانقطاع إلى الله تعالى والاعتماد عليه عند نزول الشدائد والكشف عن أحوال الخائنين وقبح طرائق الكاذبين وابتلاء الخواص بأنواع المحن وتبديلها بأنواع الألطاف والمنن مع ذكر ما يدل على سياسة الملوك وحالهم مع رعيتهم إلى غير ذلك وقيل : لخلو ذلك من الأوامر والنواهي التي يشغل سماعها القلب
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين هذه أول مبادي الكشوف فقد ذكروا أن أحوال المكاشفين أوائلها المنامات فإذا قوي الحال تصير الرؤيا كشفا قيل : إنه عليه السلام قد سلك به نحوا مما سلك برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه بدئ بالرؤيا الصادقة كما بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بها فكان لا يرى رؤيا إلا كانت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء على ما يشير إليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33رب السجن أحب إلي كما حبب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان يتحنث في
غار حراء الليالي ذوات العدد وفيه أن حديث السجن بعد إيتاء النبوة فتدبر .
وذكر بعض الكبار أن
يوسف عليه السلام كان آدم الثاني لما كان عليه من كسوة الربوبية ما كان
[ ص: 75 ] على
آدم عليه السلام وهو مجلى الحق للخلق لو يعلمون فلما رأت الملائكة ما رأت من
آدم سجدوا له وها هنا سجد
ليوسف من سجد وهم الشمس والقمر والكواكب المعدودة المشار بهم إلى أبويه وإخوته الذين هم على القول بنبوتهم خير من الملائكة عليهم السلام ولا بدع إذ سجدوا لمن يتلألأ من وجهه الأنوار القدسية والأشعة السبوحية .
لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لعزة ركعا وسجودا
وقد يقال : إن
إبراهيم عليه السلام لما رأى في وجنة الكوكب ونقطة حال القمر وأسرة جبين الشمس أمارات الحدثان وصرف وجهه عنها متوجها إلى ساحة القدم المنزهة عن التغير المصونة عما يوجب النقص قائلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78إني بريء مما تشركون أسجد الله تعالى الشمس والقمر وأسجد بدل الكواكب كواكب لبعض بنيه إعظاما لأمره ومبالغة في تنزيه جلال الكبرياء وحيث تأخرت البراءة إلى الثالث تأخر أمر الإسجاد إلى ثالث البنين وليس المقصود من هذا إلا بيان بعض من أسرار تخصيص المذكور بالإراءة مع احتمال أن يكون هناك ما يصلح أن يكون رؤياه ساجدا معبرا بسجود أبويه وإخوته له عليهم السلام في عالم الحسن فتدبر .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيه إشارة إلى بعض آداب المريدين فقد قالوا : إنه لا ينبغي لهم أن يفشوا سر المكاشفة إلا لشيوخهم وألا يقعوا في ورطة ويكونوا مرتهنين بعيون الغيرة .
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم وكذا دماء البائحين تباح
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5فيكيدوا لك كيدا هذا من الإلهامات المجملة وهي إنذارات وبشارات ويجوز أن يكون علم عليه السلام ذلك من الرؤيا قال بعضهم : إن
يعقوب دبر
ليوسف عليهما السلام في ذلك الوقت خوفا عليه فوكل إلى تدبيره فوقع به ما وقع ولو ترك التدبير ورجع إلى التسليم لحفظ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=7لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين وذلك كسواطع نور الحق من وجهه وظهور علم الغيب من قبله ومزيد الكرم من أفعاله وحسن عقبى الصبر من عاقبته وكسوء حال الحاسد وعدم نقض ما أبرمه الله تعالى وغير ذلك وقال بعضهم : إن من الآيات في
يوسف عليه السلام أنه حجة على كل من حسن الله تعالى خلقه أن لا يشوهه بمعصيته ومن لم يراع نعمة الله تعالى فعصى كان أشبه شيء بالكنيف المبيض والروث المفضض .
وقال
ابن عطاء : من الآيات أن لا يسمع هذه القصة محزون مؤمن بها إلا استروح وتسرى به ما فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16وجاءوا أباهم عشاء يبكون قيل : إن ذلك كان بكاء فرح بظفرهم بمقصودهم لكنهم أظهروا أنه بكاء حزن على فقد
يوسف عليه السلام ، وقيل : لم يكن بكاء حقيقة وإنما هو تباك من غير عبرة ، وجاءوا عشاء ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار أو ليدلسوا على أبيهم ويوهموه أن ذلك بكاء حقيقة لا تباك فإنهم لو جاءوا ضحى لافتضحوا .
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18فصبر جميل وهو السكون إلى موارد القضاء سرا وعلنا وقال
يحيى بن معاذ : الصبر الجميل أن يتلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : هو أن يلقي العبد عنانه إلى مولاه ويسلم إليه نفسه مع حقيقة المعرفة فإذا جاء حكم من أحكامه ثبت له مسلما ولا يظهر لوروده جزعا ولا يرى لذلك مغتما وأنشد
الشبلي في حقيقة الصبر :
[ ص: 76 ] عبرات خططن في الخد سطرا فقراه من لم يكن قط يقرا
صابر الصبر فاستغاث به الصبر فصاح المحب بالصبر صبرا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19قال يا بشرى هذا غلام قال
جعفر : كان لله تعالى في
يوسف عليه السلام سر فغطى عليهم موضع سره ولو كشف للسيارة عن حقيقة ما أودع في ذلك البدر الطالع من برج دلوهم لما اكتفى قائلهم بذلك ولما اتخذوه بضاعة ولهذا لما كشف للنسوة بعض الأمر قلن :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ولجهلهم أيضا بما أودع فيه من خزائن الغيب باعوه بثمن بخس وهو معنى قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=20وشروه بثمن بخس قال
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد قدس سره : كل ما وقع تحت العد والإحصاء فهو بخس ولو كان جميع ما في الكونين فلا يكن حظك البخس من ربك فتميل إليه وترضى به دون ربك جل جلاله وقال
ابن عطاء : ليس ما باع إخوة
يوسف من نفس لا يقع عليها البيع بأعجب من بيع نفسك بأدنى شهوة بعد أن بعتها من ربك بأوفر الثمن قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين الآية فبيع ما تقدم بيعه باطل وإنما باع
يوسف أعداؤه وأنت تبيع نفسك من أعدائك
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه قيل : أي لا تنظري إليه نظر الشهوة فإن وجهه مرآة تجلي الحق في العالم أو لا تنظري إليه بنظر العبودية ولكن انظري إليه بنظر المعرفة لتري فيه أنوار الربوبية أو اجعلي محبته في قلبك لا في نفسك فإن القلب موضع المعرفة والطاعة والنفس موضع الفتنة والشهوة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21عسى أن ينفعنا قيل : أي بأن يعرفنا منازل الصديقين ومراتب الروحانيين ويبلغنا ببركة صحبته إلى مشاهدة رب العالمين وقيل : أراد حسنى صحبته في الدنيا لعله أن يشفع لنا في العقبى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23وراودته التي هو في بيتها حيث غلب عليها العشق
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23وغلقت الأبواب قطعت الأسباب وجمعت الهمة إليه أو غلقت أبواب الدار غيرة أن يرى أحد أسرارهما
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24ولقد همت به قال
ابن عطاء : هم شهوة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24وهم بها هم زجر عما همت به بضرب أو نحوه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24لولا أن رأى برهان ربه وهو الواعظ الإلهي في قلبه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24كذلك لنصرف عنه السوء والخواطر الرديئة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24والفحشاء الأفعال القبيحة وقيل : البرهان هو أنه لم يشاهد في ذلك الوقت إلا الحق سبحانه وتعالى وقيل : هو مشاهدة أبيه
يعقوب عليه السلام عاضا على سبابته وجعل ذلك بعض أجلة مشايخنا أحد الأدلة على أن للرابطة المشهورة عند ساداتنا النقشبندية أصلا أصيلا وهو على فرض صحته بمراحل عن ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25واستبقا الباب فرارا من محل الخطر : قيل : لو فر إلى الله تعالى لكفاه ولما ناله بعد ما عناه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا نفت عن نفسها الذنب لأنها علمت إذ ذاك أنها لو بينت الحق لقتلت وحرمت من حلاوة محبة
يوسف والنظر إلى وجهه .
لحبك أحببت البقاء لمهجتي فلا طال إن أعرضت عني بقائيا
وإنما عرضت بنسبة الذنب إليه لعلمها بأنه عليه السلام لم يبق في البؤس ولا يقدر أحد على أن يؤذيه لما أن وجهه سالب القلوب وجالب الأرواح .
له في طرفه لحظات سحر يميت بها ويحيي من يريد
ويسبي العالمين بمقلتيه كأن العالمين له عبيد
وقال
ابن عطاء : إنها إذ ذاك لم تستغرق في محبته بعد فلذا لم تخبر بالصدق وآثرت نفسها عليه ولهذا لما استغرقت في المحبة آثرت نفسه على نفسها فقالت :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51الآن حصحص الحق الآية ثم إنه عليه السلام لم يسعه بعد تهمتها
[ ص: 77 ] له إلا الذب عن ساحة النبوة التي هي أمانة الله تعالى العظمى فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26هي راودتني عن نفسي وإلا فاللائق بمقام الكرم السكوت عن جوابها لئلا يفضحها وقيل : إنها ادعت محبة
يوسف وتبرأت منها عند نزول البلاء أراد
يوسف عليه السلام أن يلزمها ملامة المحبة فإن الملامة شعار المحبين ومن لم يكن ملوما في العشق لم يكن متحققا فيه أن كيدكن عظيم عظم كيدهن لأنهن إذا ابتلين بالحب أظهرن مما يجلب القلب ما يعجز عنه إبليس مع مساعدة الطبيعة إلى الميل إليهن وقوة المناسبة بين الرجال وبينهن كما يشير إليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها فما في العالم فتنة أضر على الرجال من النساء
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=30قد شغفها حبا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد قدس سره : الشغف أن لا يرى المحب جفاء له جفاء بل يراه عدلا منه ووفاء .
وتعذيبكم عذب لدي وجوركم علي بما يقضي الهوى لكم عدل
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=30إنا لنراها في ضلال مبين قال
ابن عطاء : في عشق مزعج
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31فلما رأينه أكبرنه عظمنه لما رأين في وجهه نور الهيبة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31وقطعن أيديهن لاستغراقهن في عظمته وجلاله ولعله كشف لهن ما لم يكشف
لزليخا قال
ابن عطاء : دهشن في
يوسف وتحيرن حتى قطعن أيديهن ولم يشعرن بالألم وهذه غلبة مشاهدة مخلوق لمخلوق فكيف بمن يحظى بمشاهدة من الحق فينبغي أن لا ينكر عليه إن تغير وصدر عنه ما صدر وأعظم من
يوسف عليه السلام في هذا الباب عند ذوي الأبصار السليمة النور المحمدي المنقدح من النور الإلهي والمتشعشع في مشكاة خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام فإنه لعمري أبو الأنوار وما نور
يوسف بالنسبة إلى نوره عليه الصلاة والسلام إلا النجم وشمس النهار .
لواحي زليخا لو رأين جبينه لآثرن بالقطع القلوب على الأيدي
وقلن :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قلن ذلك إعظاما له عليه السلام من أن يكون من النوع الإنساني قال
محمد بن علي رضي الله تعالى عنهما : أردن ما هذا بأهل أن يدعى إلى المباشرة بل مثله من يكرم وينزه عن مواضع الشبه والأول أوفق بقولها :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32فذلكن الذي لمتنني فيه أرادت أن لو مكن لم يقع في محزه وكيف يلام من هذا محبوبه وكأنها أشارت إلى أنها مجبورة في ذلك الوله معذورة في مزيد حبها له :
خليلي إني قلت بالعدل مرة ومنذ علاني الحب مذهبي الجبر
وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن اللوم لا يصدر إلا عن خلي ولذا لم تعاتبهن حتى رأت ما صنع الهوى بهن وما أحسن ما قيل :
وكنت إذا ما حدث الناس بالهوى ضحكت وهم يبكون في حسرات
فصرت إذا ما قيل هذا متيم تلقيتهم بالنوح والعبرات
وقال
سلطان العاشقين :
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى فإذا عشقت فبعد ذلك عنف
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه قيل : لأن السجن مقام الأنس والخلوة والمناجاة والمشاهدات والمواصلات وفيما يدعونه إليه ما يوجب البعد عن الحضرة والحجاب عن مشاهدة القربة وقيل : طلب السجن ليحتجب عن
زليخا فيكون ذلك سببا لازدياد عشقها وانقلابه روحانيا قدسيا كعشق أبيه له وقال
ابن عطاء : ما أراد عليه السلام بطلب ذلك إلا الخلاص من الزنا ولعله لو ترك الاختيار لعصم من غير امتحان كما عصم في
[ ص: 78 ] وقت المراودة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=38ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس قال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي : أحسن الناس حالا من رأى نفسه تحت ظل الفضل والمنة لا تحت ظل العمل والسعي
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=39يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار دعاء إلى التوحيد على أتم وجه وحكي أن رجلا قال
للفضيل : عظني فقرأ له هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك كان ذلك على ما قيل غفلة منه عليه السلام عما يقتضيه مقامه ويشير إليه كلامه ولهذا أدبه ربه باللبث في السجن ليبلغ أقصى درجات الكمال والأنبياء مؤاخذون بمثاقيل الذر لمكانتهم عند ربهم وقد يحمل كلامه هذا على ما لا يوجب العتاب كما ذهب إليه بعض ذوي الألباب
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يوسف أيها الصديق قال
أبو حفص : الصديق من لا يتغير عليه باطن أمره من ظاهره وقيل : الذي لا يخالف قاله حاله وقيل : الذي يبذل الكونين في رضا محبوبه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إشارة إلى أن النفس بطبعها كثيرة الميل إلى الشهوات قال
أبو حفص : النفس ظلمة كلها وسراجها التوفيق فمن لم يصحبه التوفيق كان في ظلمة وقد تخفى دسائس النفس إلى حيث تتأمر بخير وتضمر فيه شرا ولا يفطن لدسائسها إلا لوذعي :
فخالف النفس والشيطان واعصمها وإن هما محضاك النصح فاتهم
وذكر بعض السادة أن النفس تترقى بواسطة المجاهدة والرياضة من مرتبة كونها أمارة إلى مرتبة أخرى من كونها لوامة وراضية مرضية ومطمئنة وغير ذلك وجعلوا لها في كل مرتبة ذكرا مخصوصا وأطنبوا في ذلك فليرجع إليه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم قيل : خزائن الأرض رجالها أي اجعلني عليهم أمينا فإني حفيظ لما يظهرونه عليم بما يضمرونه وقيل : أراد الظاهر إلا أنه أشار أنه متمكن من التصرف مع عدم الغفلة أي حفيظ للأنفاس بالذكر وللخواطر بالفكر عليم بسواكن الغيوب وخفايا الأسرار
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=58وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون قال بعضهم : لما جفوه صار جفاؤهم حجابا بينهم وبين معرفتهم إياه وكذلك المعاصي تكون حجابا على وجه معرفة الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=59قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم كأنه عليه السلام أمر بذلك ليكمل لأبيه عليه السلام مقام الحزن الذي هو كما قال الشيخ الأكبر قدس سره : من أعلى المقامات وقال بعضهم : إن علاقة المحبة كانت بين
يوسف ويعقوب عليهما السلام من الجانبين فتعلق أحدهما بالآخر كتعلق الآخر به كما يرى ذلك في بعض العشاق مع من يعشقونه وأنشدوا :
لم يكن المجنون في حالة إلا وقد كنت كما كانا
لكنه باح بسر الهوى وإنني قد ذبت كتمانا
فغار عليه السلام أن ينظر أبوه إلى أخيه نظره إليه فيكونا شركين في ذلك والمحب غيور فطلب أن يأتوه به لذلك والحق أن الأمر كان عن وحي لحكمة غير هذه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=68وإنه لذو علم لما علمناه إشارة إلى العلم اللدني وهو على نوعين ظاهر الغيب وهو علم دقائق المعاملات والمقامات والحالات والكرامات والفراسات وباطن الغيب وهو علم بطون الأفعال ويسمى حكمة المعرفة وعلم الصفات ويسمى المعرفة الخاصة وعلم الذات ويسمى التوحيد والتفريد والتجريد وعلم أسرار القدم ويسمى علم الفناء والبقاء وفي الأولين للروح مجال وفي الثالث للسر والرابع لسر السر وفي المقام تفصيل وبسط يطلب من محله
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=69ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه كأنه عليه السلام إنما فعل ذلك ليعرفه الحال بالتدريج حتى يتحمل أثقال السرور إذ المفاجأة في مثل ذلك ربما
[ ص: 79 ] تكون سبب الهلاك ومن هنا كان كشف سجف الجمال للسالكين على سبيل التدريج
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=70فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه قيل : إن الله تعالى أمره بذلك ليكون شريكا لإخوته في الإيذاء بحسب الظاهر فلا يخجلوا بين يديه إذا كشف الأمر وحيث طلب قلب
بنيامين لعين برؤية
يوسف احتمل الملامة وكيف لا يحتمل ذلك وبلاء العالم محمول بلمحة رؤية المعشوق والعاشق الصادق يؤثر الملامة ممن كانت في هوى محبوبه .
أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم
وفي الآية على ما قيل إشارة لطيفة إلى أن من اصطفاه الله تعالى في الأزل لمحبته ومشاهدته وضع في رحله صاع ملامة الثقلين ألا ترى إلى ما فعل
بآدم عليه السلام صفيه كيف اصطفاه ثم عرض عليه الأمانة التي لم يحملها السماوات والأرض والجبال وأشفقن منها فحملها ثم هيج شهوته إلى حبة حنطة ثم نادى عليه بلسان الأزل
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وعصى آدم ربه فغوى وذلك لغاية حبه له حتى صرفه عن الكون وما فيه ومن فيه إليه ولولا أن كشف جماله له لم يتحمل بلاء الملامة وهذا كما فعل
يوسف عليه السلام بأخيه آواه إليه وكشف جماله له وخاطبه بما خاطبه ثم جعل السقاية في رحله ثم نادى عليه بالسرقة ليبقيه معه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=76نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم أي نرفع درجاتهم في العلم فلا يزال السالكون يترقون في العلم وتشرب أطيار أرواحهم القدسية من بحار علومه تعالى على مقادير حواصلها وتنتهي الدرجات بعلم الله تعالى فإن علوم الخلق محدودة وعلمه تعالى غير محدود وإلى الله تعالى تصير الأمور
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=77قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل قال بعض السادات : لما كان
بنيامين بريئا مما رمي به من السرقة أنطقهم الله تعالى حتى رموا
يوسف عليه السلام بالسرقة وهو بريء منها فكان ذلك من قبيل واحدة بواحدة ليعلم العالمون أن الجزاء واجب .
وقال بعض العارفين : إنهم صدقوا بنسبة السرقة إلى
يوسف عليه السلام ولكنها سرقة ألباب العاشقين وأفئدة المحبين بما أودع فيه من محاسن الأزل
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=79قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده الإشارة في ذلك من الحق عز وجل أن لا نفشي أسرارنا وندني إلى حضرتنا إلا من كان في قلبه استعداد قبول معرفتنا أو لا نختار لكشف جمالنا إلا من كان في قلبه شوق إلى وصالنا وقال بعض الخراسانيين : الإشارة فيه أنا لا نأخذ من عبادنا أشد أخذ إلا من ادعى فينا أو أخبر عنا ما لم يكن له الإخبار عنه والادعاء فيه وقال بعضهم : إلا من مد يده إلى مالنا وادعاه لنفسه وقال أبو عثمان : الإشارة أنا لا نتخذ من عبادنا وليا إلا من ائتمناه على ودائعنا فحفظها ولم يخن فيها ولطيفة الواقعة أنه عليه السلام لم يرض أن يأخذ بدل حبيبه أذ ليس للحبيب بديل في شرع المحبة .
أبى القلب إلا أحب ليلى فبغضت إلي نساء ما لهن ذنوب
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=81إن ابنك سرق قال بعضهم : إنهم صدقوا بذلك لكنه سرق أسرار
يوسف عليه السلام حين سمع منه في الخلوة ما سمع ولم يبده لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=83عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم كأنه عليه السلام لما رأى اشتداد البلاء قوي رجاؤه بالفرج فقال ما قال .
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج
وكأن لسان حاله يقول :
[ ص: 80 ] دنا وصال الحبيب واقتربا وأطربا للوصال وأطربا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وقال يا أسفى على يوسف قال بعض العارفين : إن تأسفه على رؤية جمال الله تعالى من مرآة وجه
يوسف عليه السلام وقد تمتع بذلك برهة من الزمان حتى حالت بينه وبينه طوارق الحدثان فتأسف عليه السلام لذلك واشتاقت نفسه لما هنالك .
سقى الله أياما لنا ولياليا مضت فجرت من ذكرهن دموع
فيا هل لها يوما من الدهر أوبة وهل لي إلى أرض الحبيب رجوع
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وابيضت عيناه من الحزن حيث بكى حتى أضر بعينيه وكان ذلك حتى لا يرى غير حبيبه .
لما تيقنت أني لست أبصركم غمضت عيني فلم أنظر إلى أحد
قال بعض العارفين : الحكمة في ذهاب بصر
يعقوب وبقاء بصر
آدم وداود عليهما السلام مع أنهما بكيا دهرا طويلا إن بكاء
يعقوب كان بكاء حزن معجون بألم الفراق حيث فقد تجلى جمال الحق من مرآة وجه
يوسف ولا كذلك بكاء
آدم وداود فإنه كان بكاء الندم والتوبة وأين ذلك المقام من مقام العشق وقال
أبو سعيد القرشي : إنما لم يذهب بصرهما لأن بكاءهما كان من خوف الله تعالى فحفظا وبكاء
يعقوب كان لفقد لذة فعوتب وقيل : يمكن أن يكون ذهاب بصره عليه السلام من غيرة الله تعالى عليه حين بكى لغيره وإن كان واسطة بينه وبينه ولهذا جاء أن الله تعالى أوحى إليه يا
يعقوب أتتأسف على غيري وعزتي لآخذن عينيك ولا أردهما عليك حتى تنساه واختار بعض العارفين أن ذلك الأسف والبكاء ليسا إلا لفوات ما انكشف له عليه السلام من تجلي الله تعالى في مرآة وجه
يوسف عليه السلام ولعمري إنه لو كان شاهد تجليه تعالى في أول التعينات وعين أعيان الموجودات صلى الله تعالى عليه وسلم لنسي ما رأى ولما عراه ما عرا ولله تعالى در سيدي
ابن الفارض حيث يقول :
لو أسمعوا يعقوب بعض ملاحة في وجهه نسي الجمال اليوسفي
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=85قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين هذا من الجهل بأحوال العشق وما عليه العاشقون فإن العاشق يتغذى بذكر معشوقه .
فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها فلن تمنعوا مني البكا والقوافيا
وإذا لم يستطع ذكره بلسانه كان مستغرقا بذكره إياه بجنانه .
غاب وفي قلبي له شاهد يولع إضماري بذكراه
مثلت الفكرة لي شخصه حتى كأني أتراءاه
وكيف يخوف العاشق بالهلاك في عشق محبوبه وهلاكه عين حياته كما قيل :
ولكن لدى الموت فيه صبابة حياة لمن أهوى علي بها الفضل
ومن لم يمت في حبه لم يعش به ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=86قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون أي أنا لا أشكو إلى غيره فإني أعلم غيرته سبحانه وتعالى على أحبابه وأنتم تعلمون ذلك وأيضا من انقطع إليه تعالى كفاه ومن أناخ ببابه أعطاه وأنشد
ذو النون :
[ ص: 81 ] إذا ارتحل الكرام إليك يوما ليلتمسوك حالا بعد حال
فإن رحالنا حطت رضاء بحكمك عن حلول وارتحال
فسسنا كيف شئت ولا تكلنا إلى تدبيرنا يا ذا المعالي
وعلى هذا درج العاشقون إذا اشتد بهم الحال فزعوا إلى الملك المتعال ومن ذلك :
إلى الله أشكو ما لقيت من الهجر ومن كثرة البلوى ومن ألم الصبر
ومن حرق بين الجوانح والحشا كجمر الغضا بل أحر من الجمر
وقد يقال : إنه عليه السلام إنما رفع قصة شكواه إلى عالم سره ونجواه استرواحا مما يجده بتلك المناجاة كما قيل :
إذا ما تمنى الناس روحا وراحة تمنيت أن أشكو إليه فيسمع
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه كأنه عليه السلام تنسم نسائم الفرج بعد أن رفع الأمر إلى مولاه عز وجل فقال ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87ولا تيأسوا من روح الله من رحمته بإرجاعهما إلي أو من رحمته تعالى بتوفيق
يوسف عليه السلام برفع خجالتكم إذا وجدتموه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=88قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر أرادوا ضر المجاعة ولو أنهم علموا وأنصفوا لقصدوا ضر فراقك فإنه قد أضر بأبيهم وبهم وبأهلهم لو يعلمون .
كفى حزنا بالواله الصب أن يرى منازل من يهوى معطلة قفرا
واعلم أن فيما قاله إخوة
يوسف له عليه السلام من هنا إلى المتصدقين تعليم آداب الدعاء والرجوع إلى الأكابر ومخاطبة السادات فمن لم يرجع إلى باب سيده بالذلة والافتقار وتذليل النفس وتصغير ما يبدو منها وير أن ما من سيده إليه على طريق الصدفة والفضل لا على طريق الاستحقاق كان مبعدا مطرودا وينبغي لعشاق جمال القدم إذا دخلوا الحضرة أن يقولوا : يا أيها العزيز مسنا وأهلنا من ضر فراقك والبعد عن ساحة وصالك ما لا يحتمله الصم الصلاب .
خليلي ما ألقاه في الحب إن يدم على صخرة صماء ينفلق الصخر
ويقولوا : ( جئنا ببضاعة مزجاة ) من أعمال معلولة وأفعال مغشوشة ومعرفة قليلة لم تحط بذرة من أنوار عظمتك وكل ذلك لا يليق بكمال عزتك وجلال صمديتك
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=88فأوف لنا كيل قربك من بيادر جودك وفضلك وتصدق علينا بنعم مشاهدتك فإنه إذا عومل المخلوق بما عومل فمعاملة الخالق بذلك أولى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90قالوا أإنك لأنت يوسف خاطبوه بعد المعرفة بخطاب المودة لا بخطاب التكلف وفيه من حسن الظن فيه عليه السلام ما فيه .
إذا صفت المودة بين قوم ودام ولاؤهم سمج الثناء
ويمكن أن يقال : إنهم لما عرفوه سقطت عنهم الهيبة وهاجت الحمية فلم يكلموه على النمط الأول وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90قال أنا يوسف وهذا أخي جواب لهم لكن زيادة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90وهذا أخي قيل : لتهوين حال بديهة الخجل وقيل : للإشارة إلى أن أخوتهم لا تعد أخوة لأن الأخوة الصحيحة ما لم يكن فيها جفاء ثم إنه عليه السلام لما رأى
[ ص: 82 ] اعترافهم واعتذارهم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=92لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وهذا من شرائط الكرم فالكريم إذا قدر عفا .
والعذر عند كرام الناس مقبول
وقال
شاه الكرماني : من نظر إلى الخلق بعين الحق لم يعبأ بمخالفتهم ومن نظر إليهم بعينه أفنى أيامه بمخاصمتهم ألا ترى
يوسف عليه السلام لما علم مجاري القضاء كيف عذر إخوته
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=93اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا لما علم عليه السلام أن أباه عليه السلام لا يحتمل الوصال الكلي بالبديهة جعل وصاله بالتدريج فأرسل إليه بقميصه ولما كان مبدأ الهم الذي أصابه من القميص الذي جاءوا عليه بدم كذب عين هذا القميص مبدأ للسرور دون غيره من آثاره عليه السلام ليدخل عليه السرور من الجهة التي دخل عليه الهم منها
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=93وأتوني بأهلكم أجمعين كان كرم
يوسف عليه السلام يقتضي أن يسير بنفسه إلى أبيه ولعله إنما لم يفعل لعلمه أن ذلك يشق على أبيه لكثرة من يسير معه ولا يمكن أن يسير إليه بدون ذلك أو لأن في ذلك تعطل أمر العامة وليس هناك من يقوم به غيره ويحتمل أن يكون أوحي إليه بذلك لحكمة أخرى وقيل : إن المعشوقية اقتضت ذلك ومن رأى معشوقا رحيما بعاشقه وفيه ما لا يخفى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=94ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف يقال : إن ريح الصبا سألت الله تعالى فقالت : يا رب خصني أن أبشر
يعقوب عليه السلام بابنه فأذن لها بذلك فحملت نشره إلى مشامه عليه السلام وكان ساجدا فرفع رأسه وقال ذلك وكأن لسان حاله يقول :
أيا جبلي نعمان بالله خليا نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها
أجد بردها أو تشف مني حرارة على كبد لم يبق إلا صميمها
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت على نفس مهموم تجلت همومها
وهكذا عشاق الحضرة لا يزالون يتعرضون لنفحات ريح وصال الأزل وقد قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=909456إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لنفحات الرحمن ويقال : المؤمن المتحقق يجد نسيم الإيمان في قلبه وروح المعرفة السابقة له من الله تعالى في سره وإنما وجد عليه السلام هذا الريح حيث بلغ الكتاب أجله ودنت أيام الوصال وحان تصرم أيام الهجر والبلبال وإلا فلم لم يجده عليه السلام لما كان
يوسف في الجب ليس بينه وبينه إلا سويعة من نهار وما ذلك إلا لأن الأمور مرهونة بأوقاتها وعلى هذا كشوفات الأولياء فإنهم آونة يكشف لهم على ما قيل اللوح المحفوظ وأخرى لا يعرفون ما تحت أقدامهم
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=96فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا فيه إشارة إلى أن العاشق الهائم المنتظر لقاء الحق سبحانه إذا ذهبت عيناه من طول البكاء يجيء إليه بشير تجليه فيلقي عليه قميص أنسه في حضرات قدسه فيرتد بصيرا بشم ذلك فهنالك يرى الحق بالحق وينجلي الغين عن العين ويقال : إنه عليه السلام إنما ارتد بصيرا حين وضع القميص على وجهه لأنه وجد لذة نفحة الحق تعالى منه حيث كان
يوسف عليه السلام محل تجليه جل جلاله وكان القميص معبقا بريح جنان قدسه فعاد لذلك نور بصره عليه السلام إلى مجاريه فأبصر
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=98قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم وعدهم إلى أن يتعرف منهم صدق التوبة أو حتى يستأذن ربه تعالى في الاستغفار لهم فيأذن سبحانه لئلا يكون مردودا فيه كما رد
نوح عليه السلام في ولده بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إنه ليس من أهلك وقال بعضهم : وعدهم الاستغفار لأنه لم يفرغ بعد من استبشاره إلى استغفاره وقيل : إنما أسرع
يوسف بالاستغفار لهم ووعد
[ ص: 83 ] يعقوب عليهما السلام لأن
يعقوب كان أشد حبا لهم فعاتبهم بالتأخير
ويوسف لم يرهم أهلا للعتاب فتجاوز عنهم من أول وهلة أو اكتفى بما أصابهم من الخجل وكان خجلهم منه أقوى من خجلهم من أبيهم وفي المثل كفى للمقصر حياء يوم اللقاء
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=99فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه لأنهما ذاقا طعم مرارة الفراق فخصهما من بينهم بمزيد الدنو يوم التلاقي ومن هنا يتبين أين منازل العاشقين يوم الوصال
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100وخروا له سجدا حيث بان لهم أنواع جلال الله تعالى في مرآة وجهه عليه السلام وعاينوا ما عاينت الملائكة عليهم السلام من
آدم عليه السلام حين وقعوا له ساجدين وما هو إذ ذاك إلا كعبة الله تعالى التي فيها آيات بينات مقام
إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما مفوضا إليك شأني كله بحيث لا يكون لي رجوع إلى نفسي ولا إلى سبب من الأسباب بحال من الأحوال
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101وألحقني بالصالحين بمن أصلحتهم لحضرتك وأسقطت عنهم سمات الخلق وأزلت عنهم رعونات الطبع ولا يخفى ما في تقديمه عليه السلام الثناء على الدعاء من الأدب وهو الذي يقتضيه المقام
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=106وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال غير واحد من الصوفية : من التفت إلى غير الله تعالى فهو مشرك وقال قائلهم :
ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة بيان من الله تعالى وعلم لا معارضة للنفس والشيطان فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108أنا ومن اتبعني وذكر بعض العارفين أن البصيرة أعلى من النور لأنها لا تصح لأحد وهو رقيق الميل إلى السوى وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي للداعي إلى الله تعالى أن يكون عارفا بطريق الإيصال إليه سبحانه عالما بما يجب له تعالى وما يجوز وما يمتنع عليه جل شأنه والدعاة إلى الله تعالى اليوم من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم إلى الإرشاد بزعمهم أجهل من حمار الحكيم توما وهم لعمري في ضلالة مدلهمة ومهامه يحار فيها الخريت وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولبئس ما كانوا يصنعون
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب وهم ذوو الأحوال من العارفين والعاشقين والصابرين والصادقين وغيرهم وفيها أيضا عبرة للملوك في بسط العدل كما فعل
يوسف عليه السلام ولأهل التقوى في ترك ما تراودهم النفس الشهوانية عليه وللمماليك في حفظ حرم السادة ولا أحد أغير من الله تعالى ولذلك حرم الفواحش وللقادرين في العفو عمن أساء إليهم ولغيرهم في غير ذلك ولكن أين المعتبرون أشباح ولا أرواح وديار ولا ديار فإنا لله وإنا إليه راجعون هذا .
وقد أول بعض الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم
يوسف بالقلب المستعد الذي هو في غاية الحسن
ويعقوب بالعقل والإخوة بني العلات بالحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والقوة الشهوانية
وبنيامين بالقوة العاقلة العملية
وراحيل أم يوسف اللوامة
وليا بالنفس الأمارة والجب بعقر الطبيعة البدنية والقميص الذي ألبسه
يوسف في الجب بصفة الاستعداد الأصلي والنور الفطري والذئب بالقوة الغضبية والدم الكذب بأثرها وابيضاض عين
يعقوب بكلال البصيرة وفقدان نور العقل وشراؤه من
عزيز مصر بثمن بخس بتسليم الطبيعة له إلى عزيز الروح الذي في
مصر مدينة القدس بما يحصل للقوة الفكرية من المعاني الفائضة عليها من الروح
وامرأة العزيز بالنفس اللوامة وقد القميص من دبر بخرقها لباس الصفة النورية التي هي من قبل الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة ووجد أن السيد بالباب بظهور نور الروح عند إقبال
[ ص: 84 ] القلب إليه بواسطة تذكر البرهان العقلي وورد الوارد القدسي عليه والشاهد بالفكر الذي هو
ابن عم امرأة العزيز أو بالطبيعة الجسمانية الذي هو ابن خالتها والصاحبين بقوة المحبة الروحية وبهوى النفس والخمر بخمر العشق والخبز . باللذات والطير بطير القوى الجسمانية والملك بالعقل الفعال والبقرات بمراتب النفس والسقاية بقوة الإدراك والمؤذن بالوهم إلى غير ذلك وطبق القصة على ما ذكر وتكلف له أشد تكلف وما أغناه عن ذلك والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره .
( وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ) قَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ وَهُوَ اقْتِصَاصُ مَا جَرَى
لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ لِتَضَمُّنِهِ ذِكْرَ الْعَاشِقِ وَالْمَعْشُوقِ وَذَلِكَ مِمَّا تَرْتَاحُ لَهُ النُّفُوسُ أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حَقَائِقِ مَحَبَّةِ الْمُحِبِّينَ وَصَفَاءِ سِرِّ الْعَارِفِينَ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى حُسْنِ عَوَاقِبِ الصَّادِقِينَ وَالْحَثُّ عَلَى سُلُوكِ سَبِيلِ الْمُتَوَكِّلِينَ وَالِاقْتِدَاءُ بِزُهْدِ الزَّاهِدِينَ وَالدَّلَالَةُ عَلَى الِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ نُزُولِ الشَّدَائِدِ وَالْكَشْفُ عَنْ أَحْوَالِ الْخَائِنِينَ وَقُبْحُ طَرَائِقِ الْكَاذِبِينَ وَابْتِلَاءُ الْخَوَاصِّ بِأَنْوَاعِ الْمِحَنِ وَتَبْدِيلُهَا بِأَنْوَاعِ الْأَلْطَافِ وَالْمِنَنِ مَعَ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ وَحَالِهِمْ مَعَ رَعِيَّتِهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ : لِخُلُوِّ ذَلِكَ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الَّتِي يَشْغَلُ سَمَاعُهَا الْقَلْبَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ هَذِهِ أَوَّلُ مَبَادِي الْكُشُوفِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ أَحْوَالَ الْمُكَاشِفِينَ أَوَائِلُهَا الْمَنَامَاتُ فَإِذَا قَوِيَ الْحَالُ تَصِيرُ الرُّؤْيَا كَشْفًا قِيلَ : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ سَلَكَ بِهِ نَحْوًا مِمَّا سَلَكَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ بُدِئَ بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ كَمَا بُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا كَانَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ عَلَى مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ كَمَا حُبِّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَكَانَ يَتَحَنَّثُ فِي
غَارِ حِرَاءَ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَفِيهِ أَنَّ حَدِيثَ السِّجْنِ بَعْدَ إِيتَاءِ النُّبُوَّةِ فَتَدَبَّرْ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْكِبَارِ أَنَّ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ آدَمَ الثَّانِيَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كُسْوَةِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا كَانَ
[ ص: 75 ] عَلَى
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مَجْلَى الْحَقِّ لِلْخَلْقِ لَوْ يَعْلَمُونَ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا رَأَتْ مِنْ
آدَمَ سَجَدُوا لَهُ وَهَا هُنَا سَجَدَ
لِيُوسُفَ مَنْ سَجَدَ وَهُمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ الْمَعْدُودَةُ الْمُشَارُ بِهِمْ إِلَى أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ الَّذِينَ هُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِنُبُوَّتِهِمْ خَيْرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَلَا بِدْعَ إِذْ سَجَدُوا لِمَنْ يَتَلَأْلَأُ مِنْ وَجْهِهِ الْأَنْوَارُ الْقُدُسِيَّةُ وَالْأَشِعَّةُ السُّبُوحِيَّةُ .
لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعْتُ حَدِيثَهَا خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وَسُجُودَا
وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا رَأَى فِي وَجْنَةِ الْكَوْكَبِ وَنُقْطَةِ حَالِ الْقَمَرِ وَأُسْرَةِ جَبِينِ الشَّمْسِ أَمَارَاتِ الْحَدَثَانِ وَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهَا مُتَوَجِّهًا إِلَى سَاحَةِ الْقِدَمِ الْمُنَزَّهَةِ عَنِ التَّغَيُّرِ الْمَصُونَةِ عَمَّا يُوجِبُ النَّقْصَ قَائِلًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أَسْجَدَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَأَسْجَدَ بَدَلَ الْكَوَاكِبِ كَوَاكِبَ لِبَعْضِ بَنِيهِ إِعْظَامًا لِأَمْرِهِ وَمُبَالَغَةً فِي تَنْزِيهِ جَلَالِ الْكِبْرِيَاءِ وَحَيْثُ تَأَخَّرَتِ الْبَرَاءَةُ إِلَى الثَّالِثِ تَأَخَّرَ أَمْرُ الْإِسْجَادِ إِلَى ثَالِثِ الْبَنِينَ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا إِلَّا بَيَانَ بَعْضٍ مِنْ أَسْرَارِ تَخْصِيصِ الْمَذْكُورِ بِالْإِرَاءَةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رُؤْيَاهُ سَاجِدًا مُعَبِّرًا بِسُجُودِ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ لَهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي عَالَمِ الْحُسْنِ فَتَدَبَّرْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَعْضِ آدَابِ الْمُرِيدِينَ فَقَدْ قَالُوا : إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفْشُوا سِرَّ الْمُكَاشَفَةِ إِلَّا لِشُيُوخِهِمْ وَأَلَّا يَقَعُوا فِي وَرْطَةٍ وَيَكُونُوا مُرْتَهِنِينَ بِعُيُونِ الْغَيْرَةِ .
بِالسِّرِّ إِنْ بَاحُوا تُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ وَكَذَا دِمَاءُ الْبَائِحِينَ تُبَاحُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=5فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا هَذَا مِنَ الْإِلْهَامَاتِ الْمُجْمَلَةِ وَهِيَ إِنْذَارَاتٌ وَبِشَارَاتٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ مِنَ الرُّؤْيَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ
يَعْقُوبَ دَبَّرَ
لِيُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَوْفًا عَلَيْهِ فَوُكِلَ إِلَى تَدْبِيرِهِ فَوَقَعَ بِهِ مَا وَقَعَ وَلَوْ تَرَكَ التَّدْبِيرَ وَرَجَعَ إِلَى التَّسْلِيمِ لَحُفِظَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=7لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ وَذَلِكَ كَسَوَاطِعِ نُورِ الْحَقِّ مِنْ وَجْهِهِ وَظُهُورِ عِلْمِ الْغَيْبِ مِنْ قِبَلِهِ وَمَزِيدِ الْكَرَمِ مِنْ أَفْعَالِهِ وَحُسْنِ عُقْبَى الصَّبْرِ مِنْ عَاقِبَتِهِ وَكَسُوءِ حَالِ الْحَاسِدِ وَعَدَمِ نَقْضِ مَا أَبْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ مِنَ الْآيَاتِ فِي
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَسَّنَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ أَنْ لَا يُشَوِّهَهُ بِمَعْصِيَتِهِ وَمَنْ لَمْ يُرَاعِ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَعَصَى كَانَ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالْكَنِيفِ الْمُبَيَّضِ وَالرَّوْثِ الْمُفَضَّضِ .
وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : مِنَ الْآيَاتِ أَنْ لَا يَسْمَعَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَحْزُونٌ مُؤْمِنٌ بِهَا إِلَّا اسْتَرْوَحَ وَتَسَرَّى بِهِ مَا فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ بُكَاءَ فَرَحٍ بِظَفَرِهِمْ بِمَقْصُودِهِمْ لَكِنَّهُمْ أَظْهَرُوا أَنَّهُ بُكَاءُ حُزْنٍ عَلَى فَقْدِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقِيلَ : لَمْ يَكُنْ بُكَاءً حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ تَبَاكٍ مِنْ غَيْرِ عَبْرَةٍ ، وَجَاءَوُا عِشَاءً لِيَكُونُوا أَجْرَأَ فِي الظُّلْمَةِ عَلَى الِاعْتِذَارِ أَوْ لِيُدَلِّسُوا عَلَى أَبِيهِمْ وَيُوهِمُوهُ أَنَّ ذَلِكَ بُكَاءٌ حَقِيقَةً لَا تَبَاكٍ فَإِنَّهُمْ لَوْ جَاءُوا ضُحًى لَافْتُضِحُوا .
إِذَا اشْتَبَكَتْ دُمُوعٌ فِي خُدُودٍ تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَهُوَ السُّكُونُ إِلَى مَوَارِدِ الْقَضَاءِ سِرًّا وَعَلَنًا وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ : الصَّبْرُ الْجَمِيلُ أَنْ يَتَلَقَّى الْبَلَاءَ بِقَلْبٍ رَحِيبٍ وَوَجْهٍ مُسْتَبْشِرٍ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ : هُوَ أَنْ يُلْقِيَ الْعَبْدُ عِنَانَهُ إِلَى مَوْلَاهُ وَيُسَلِّمَ إِلَيْهِ نَفْسَهُ مَعَ حَقِيقَةِ الْمَعْرِفَةِ فَإِذَا جَاءَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ ثَبَتَ لَهُ مُسَلِّمًا وَلَا يُظْهِرُ لِوُرُودِهِ جَزَعًا وَلَا يُرَى لِذَلِكَ مُغْتَمًّا وَأَنْشَدَ
الشِّبْلِيُّ فِي حَقِيقَةِ الصَّبْرِ :
[ ص: 76 ] عَبَرَاتٌ خَطَطْنَ فِي الْخَدِّ سَطْرًا فَقَرَاهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَطُّ يَقْرَا
صَابِرُ الصَّبْرِ فَاسْتَغَاثَ بِهِ الصَّبْرُ فَصَاحَ الْمُحِبُّ بِالصَّبْرِ صَبْرَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ قَالَ
جَعْفَرٌ : كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سِرٌّ فَغَطَّى عَلَيْهِمْ مَوْضِعَ سِرِّهِ وَلَوْ كَشَفَ لِلسَّيَّارَةِ عَنْ حَقِيقَةِ مَا أَوْدَعَ فِي ذَلِكَ الْبَدْرِ الطَّالِعِ مِنْ بُرْجِ دَلْوِهِمْ لَمَا اكْتَفَى قَائِلُهُمْ بِذَلِكَ وَلَمَا اتَّخَذُوهُ بِضَاعَةً وَلِهَذَا لَمَّا كُشِفَ لِلنِّسْوَةِ بَعْضُ الْأَمْرِ قُلْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ وَلِجَهْلِهِمْ أَيْضًا بِمَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنْ خَزَائِنِ الْغَيْبِ بَاعُوهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=20وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14021الْجُنَيْدُ قُدِّسَ سِرُّهُ : كُلُّ مَا وَقَعَ تَحْتَ الْعَدِّ وَالْإِحْصَاءِ فَهُوَ بَخْسٌ وَلَوْ كَانَ جَمِيعَ مَا فِي الْكَوْنَيْنِ فَلَا يَكُنْ حَظُّكَ الْبَخْسَ مِنْ رَبِّكَ فَتَمِيلَ إِلَيْهِ وَتَرْضَى بِهِ دُونَ رَبِّكَ جَلَّ جَلَالُهُ وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : لَيْسَ مَا بَاعَ إِخْوَةُ
يُوسُفَ مِنْ نَفْسٍ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الْبَيْعُ بِأَعْجَبَ مِنْ بَيْعِ نَفْسِكَ بِأَدْنَى شَهْوَةٍ بَعْدَ أَنْ بِعْتَهَا مِنْ رَبِّكَ بِأَوْفَرِ الثَّمَنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْآيَةَ فَبَيْعُ مَا تَقَدَّمَ بَيْعُهُ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا بَاعَ
يُوسُفَ أَعْدَاؤُهُ وَأَنْتَ تَبِيعُ نَفْسَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ قِيلَ : أَيْ لَا تَنْظُرِي إِلَيْهِ نَظَرَ الشَّهْوَةِ فَإِنَّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ تُجْلِي الْحَقَّ فِي الْعَالَمِ أَوْ لَا تَنْظُرِي إِلَيْهِ بِنَظَرِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَكِنِ انْظُرِي إِلَيْهِ بِنَظَرِ الْمَعْرِفَةِ لِتَرَيْ فِيهِ أَنْوَارَ الرُّبُوبِيَّةِ أَوِ اجْعَلِي مَحَبَّتَهُ فِي قَلْبِكِ لَا فِي نَفْسِكِ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَوْضِعُ الْمَعْرِفَةِ وَالطَّاعَةَ وَالنَّفْسَ مَوْضِعُ الْفِتْنَةِ وَالشَّهْوَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا قِيلَ : أَيْ بِأَنْ يُعَرِّفَنَا مَنَازِلَ الصِّدِّيقِينَ وَمَرَاتِبَ الرَّوْحَانِيِّينَ وَيُبَلِّغَنَا بِبَرَكَةِ صُحْبَتِهِ إِلَى مُشَاهَدَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقِيلَ : أَرَادَ حُسْنَى صُحْبَتِهِ فِي الدُّنْيَا لَعَلَّهُ أَنْ يَشْفَعَ لَنَا فِي الْعُقْبَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا حَيْثُ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعِشْقُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ قَطَّعَتِ الْأَسْبَابَ وَجَمَعَتِ الْهِمَّةَ إِلَيْهِ أَوْ غَلَّقَتْ أَبْوَابَ الدَّارِ غَيْرَةَ أَنْ يَرَى أَحَدٌ أَسْرَارَهُمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ قَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : هَمَّ شَهْوَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24وَهَمَّ بِهَا هَمَّ زَجْرٍ عَمَّا هَمَّتْ بِهِ بِضَرْبٍ أَوْ نَحْوِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ وَهُوَ الْوَاعِظُ الْإِلَهِيُّ فِي قَلْبِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْخَوَاطِرَ الرَّدِيئَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24وَالْفَحْشَاءَ الْأَفْعَالَ الْقَبِيحَةَ وَقِيلَ : الْبُرْهَانُ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَّا الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقِيلَ : هُوَ مُشَاهَدَةُ أَبِيهِ
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاضًّا عَلَى سَبَّابَتِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَجِلَّةِ مَشَايِخِنَا أَحَدَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ لِلرَّابِطَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ سَادَاتِنَا النَّقْشَبَنْدِيَّةِ أَصْلًا أَصِيلًا وَهُوَ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ بِمَرَاحِلَ عَنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25وَاسْتَبَقَا الْبَابَ فِرَارًا مِنْ مَحَلِّ الْخَطَرِ : قِيلَ : لَوْ فَرَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكَفَاهُ وَلَمَا نَالَهُ بَعْدُ مَا عَنَاهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا نَفَتْ عَنْ نَفْسِهَا الذَّنْبَ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ إِذْ ذَاكَ أَنَّهَا لَوْ بَيَّنَتِ الْحَقَّ لَقُتِلَتْ وَحُرِمَتْ مِنْ حَلَاوَةِ مَحَبَّةِ
يُوسُفَ وَالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ .
لِحُبِّكَ أَحْبَبْتُ الْبَقَاءَ لِمُهْجَتِي فَلَا طَالَ إِنْ أَعْرَضْتَ عَنِّي بَقَائِيَا
وَإِنَّمَا عَرَّضَتْ بِنِسْبَةِ الذَّنْبِ إِلَيْهِ لِعِلْمِهَا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَبْقَ فِي الْبُؤْسِ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يُؤْذِيَهُ لِمَا أَنَّ وَجْهَهُ سَالِبٌ الْقُلُوبَ وَجَالِبٌ الْأَرْوَاحَ .
لَهُ فِي طَرْفِهِ لَحَظَاتُ سِحْرٍ يُمِيتُ بِهَا وَيُحْيِي مَنْ يُرِيدُ
وَيَسْبِي الْعَالِمِينَ بِمُقْلَتَيْهِ كَأَنَّ الْعَالَمِينَ لَهُ عَبِيدُ
وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : إِنَّهَا إِذْ ذَاكَ لَمْ تَسْتَغْرِقْ فِي مَحَبَّتِهِ بَعْدُ فَلِذَا لَمْ تُخْبِرْ بِالصِّدْقِ وَآثَرَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمَّا اسْتَغْرَقَتْ فِي الْمَحَبَّةِ آثَرَتْ نَفْسَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَقَالَتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ الْآيَةَ ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَسَعْهُ بَعْدَ تُهْمَتِهَا
[ ص: 77 ] لَهُ إِلَّا الذَّبُّ عَنْ سَاحَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْعُظْمَى فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَإِلَّا فَاللَّائِقُ بِمَقَامِ الْكَرَمِ السُّكُوتُ عَنْ جَوَابِهَا لِئَلَّا يَفْضَحَهَا وَقِيلَ : إِنَّهَا ادَّعَتْ مَحَبَّةَ
يُوسُفَ وَتَبَرَّأَتْ مِنْهَا عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ أَرَادَ
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُلْزِمَهَا مَلَامَةَ الْمَحَبَّةِ فَإِنَّ الْمَلَامَةَ شِعَارُ الْمُحِبِّينَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَلُومًا فِي الْعِشْقِ لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا فِيهِ أَنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ عِظَمَ كَيْدِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ إِذَا ابْتُلِينَ بِالْحُبِّ أَظْهَرْنَ مِمَّا يَجْلِبُ الْقَلْبَ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ إِبْلِيسُ مَعَ مُسَاعَدَةِ الطَّبِيعَةِ إِلَى الْمَيْلِ إِلَيْهِنَّ وَقُوَّةِ الْمُنَاسِبَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَبَيْنَهُنَّ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا فَمَا فِي الْعَالَمِ فِتْنَةٌ أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=30قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14021الْجُنَيْدُ قُدِّسَ سِرُّهُ : الشَّغَفُ أَنْ لَا يَرَى الْمُحِبُّ جَفَاءً لَهُ جَفَاءً بَلْ يَرَاهُ عَدْلًا مِنْهُ وَوَفَاءً .
وَتَعْذِيبُكُمْ عَذْبٌ لَدَيَّ وَجَوْرُكُمْ عَلَيَّ بِمَا يَقْضِي الْهَوَى لَكُمْ عَدْلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=30إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : فِي عِشْقٍ مُزْعِجٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ عَظَّمْنَهُ لَمَّا رَأَيْنَ فِي وَجْهِهِ نُورَ الْهَيْبَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ لِاسْتِغْرَاقِهِنَّ فِي عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَلَعَلَّهُ كَشَفَ لَهُنَّ مَا لَمْ يَكْشِفْ
لِزُلَيْخَا قَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : دَهِشْنَ فِي
يُوسُفَ وَتَحَيَّرْنَ حَتَّى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَلَمْ يَشْعُرْنَ بِالْأَلَمِ وَهَذِهِ غَلَبَةُ مُشَاهَدَةِ مَخْلُوقٍ لِمَخْلُوقٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَحْظَى بِمُشَاهَدَةٍ مِنَ الْحَقِّ فَيَنْبَغِي أَنَّ لَا يُنْكَرَ عَلَيْهِ إِنْ تَغَيَّرَ وَصَدَرَ عَنْهُ مَا صَدَرَ وَأَعْظَمُ مِنْ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ ذَوِي الْأَبْصَارِ السَّلِيمَةِ النُّورُ الْمُحَمَّدِيُّ الْمُنْقَدِحُ مِنَ النُّورِ الْإِلَهِيِّ وَالْمُتَشَعْشِعُ فِي مِشْكَاةِ خَاتَمِ الرُّسُلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنَّهُ لَعَمْرِي أَبُو الْأَنْوَارِ وَمَا نُورُ
يُوسُفَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نُورِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَّا النَّجْمُ وَشَمْسُ النَّهَارِ .
لِوَاحِي زُلَيْخَا لَوْ رَأَيْنَ جَبِينَهُ لَآثَرْنَ بِالْقَطْعِ الْقُلُوبَ عَلَى الْأَيْدِي
وَقُلْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ قُلْنَ ذَلِكَ إِعْظَامًا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا : أَرَدْنَ مَا هَذَا بِأَهْلٍ أَنْ يُدْعَى إِلَى الْمُبَاشَرَةِ بَلْ مِثْلُهُ مَنْ يُكَرَّمُ وَيُنَزَّهُ عَنْ مَوَاضِعِ الشُّبَهِ وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ بِقَوْلِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ أَرَادَتْ أَنْ لَوْ مُكِّنَ لَمْ يَقَعْ فِي مَحَزِّهِ وَكَيْفَ يُلَامُ مَنْ هَذَا مَحْبُوبُهُ وَكَأَنَّهَا أَشَارَتْ إِلَى أَنَّهَا مَجْبُورَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَلَهِ مَعْذُورَةٌ فِي مَزِيدِ حُبِّهَا لَهُ :
خَلِيلَيَّ إِنِّي قُلْتُ بِالْعَدْلِ مَرَّةً وَمُنْذُ عَلَانِي الْحُبُّ مَذْهَبِي الْجَبْرُ
وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ أَيْضًا إِلَى أَنَّ اللَّوْمَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ خَلِيٍّ وَلِذَا لَمْ تُعَاتِبْهُنَّ حَتَّى رَأَتْ مَا صَنَعَ الْهَوَى بِهِنَّ وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ :
وَكُنْتُ إِذَا مَا حَدَّثَ النَّاسُ بِالْهَوَى ضَحِكْتُ وَهُمْ يَبْكُونَ فِي حَسَرَاتِ
فَصِرْتُ إِذَا مَا قِيلَ هَذَا مُتَيَّمٌ تَلَقَّيْتُهُمْ بِالنَّوْحِ وَالْعَبَرَاتِ
وَقَالَ
سُلْطَانُ الْعَاشِقِينَ :
دَعْ عَنْكَ تَعْنِيفِي وَذُقْ طَعْمَ الْهَوَى فَإِذَا عَشِقْتَ فَبَعْدَ ذَلِكَ عَنِّفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ قِيلَ : لِأَنَّ السِّجْنَ مَقَامُ الْأُنْسِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمُنَاجَاةِ وَالْمُشَاهَدَاتِ وَالْمُوَاصَلَاتِ وَفِيمَا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْبُعْدَ عَنِ الْحَضْرَةِ وَالْحِجَابَ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْقُرْبَةِ وَقِيلَ : طَلَبَ السَّجْنَ لِيَحْتَجِبَ عَنْ
زُلَيْخَا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِازْدِيَادِ عِشْقِهَا وَانْقِلَابِهِ رُوحَانِيًّا قُدُسِيًّا كَعِشْقِ أَبِيهِ لَهُ وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ : مَا أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِطَلَبِ ذَلِكَ إِلَّا الْخَلَاصُ مِنَ الزِّنَا وَلَعَلَّهُ لَوْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ لَعُصِمَ مِنْ غَيْرِ امْتِحَانٍ كَمَا عُصِمَ فِي
[ ص: 78 ] وَقْتِ الْمُرَاوَدَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=38ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبُو عَلِيٍّ : أَحْسَنُ النَّاسِ حَالًا مَنْ رَأَى نَفْسَهُ تَحْتَ ظِلِّ الْفَضْلِ وَالْمِنَّةِ لَا تَحْتَ ظِلِّ الْعَمَلِ وَالسَّعْيِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=39يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ دُعَاءٌ إِلَى التَّوْحِيدِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ وَحُكِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ
لِلْفُضَيْلِ : عِظْنِي فَقَرَأَ لَهُ هَذِهِ الْآيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا قِيلَ غَفْلَةً مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَمَّا يَقْتَضِيهِ مَقَامُهُ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ كَلَامُهُ وَلِهَذَا أَدَّبَهُ رَبُّهُ بِاللُّبْثِ فِي السِّجْنِ لِيَبْلُغَ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْكَمَالِ وَالْأَنْبِيَاءِ مُؤَاخَذُونَ بِمَثَاقِيلِ الذَّرِّ لِمَكَانَتِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ هَذَا عَلَى مَا لَا يُوجِبُ الْعِتَابَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ ذَوِي الْأَلْبَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ قَالَ
أَبُو حَفْصٍ : الصِّدِّيقُ مَنْ لَا يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ بَاطِنُ أَمْرِهِ مِنْ ظَاهِرِهِ وَقِيلَ : الَّذِي لَا يُخَالِفُ قَالَهُ حَالَهُ وَقِيلَ : الَّذِي يَبْذُلُ الْكَوْنَيْنِ فِي رِضَا مَحْبُوبِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّفْسَ بِطَبْعِهَا كَثِيرَةُ الْمَيْلِ إِلَى الشَّهَوَاتِ قَالَ
أَبُو حَفْصٍ : النَّفْسُ ظُلْمَةٌ كُلُّهَا وَسِرَاجُهَا التَّوْفِيقُ فَمَنْ لَمْ يَصْحَبْهُ التَّوْفِيقُ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ وَقَدْ تَخْفَى دَسَائِسُ النَّفْسِ إِلَى حَيْثُ تَتَأَمَّرُ بِخَيْرٍ وَتُضْمِرُ فِيهِ شَرًّا وَلَا يَفْطَنُ لِدَسَائِسِهَا إِلَّا لَوْذَعِيٌّ :
فَخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِمْهَا وَإِنْ هُمَا مَحَضَاكَ النُّصْحَ فَاتَّهِمِ
وَذَكَرَ بَعْضُ السَّادَةِ أَنَّ النَّفْسَ تَتَرَقَّى بِوَاسِطَةِ الْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَةِ مِنْ مَرْتَبَةِ كَوْنِهَا أَمَّارَةً إِلَى مَرْتَبَةٍ أُخْرَى مِنْ كَوْنِهَا لَوَّامَةً وَرَاضِيَةً مَرْضِيَّةً وَمُطَمْئِنَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَجَعَلُوا لَهَا فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ ذِكْرًا مَخْصُوصًا وَأَطْنَبُوا فِي ذَلِكَ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ قِيلَ : خَزَائِنُ الْأَرْضِ رِجَالُهَا أَيِ اجْعَلْنِي عَلَيْهِمْ أَمِينًا فَإِنِّيَ حَفِيظٌ لِمَا يُظْهِرُونَهُ عَلِيمٌ بِمَا يُضْمِرُونَهُ وَقِيلَ : أَرَادَ الظَّاهِرَ إِلَّا أَنَّهُ أَشَارَ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ التَّصَرُّفِ مَعَ عَدَمِ الْغَفْلَةِ أَيْ حَفِيظٌ لِلْأَنْفَاسِ بِالذِّكْرِ وَلِلْخَوَاطِرِ بِالْفِكْرِ عَلِيمٌ بِسِوَاكِنِ الْغُيُوبِ وَخَفَايَا الْأَسْرَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=58وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَمَّا جَفَوْهُ صَارَ جَفَاؤُهُمْ حِجَابًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِمُ إِيَّاهُ وَكَذَلِكَ الْمَعَاصِي تَكُونُ حِجَابًا عَلَى وَجْهِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=59قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِذَلِكَ لِيُكْمِلَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَقَامَ الْحُزْنِ الَّذِي هُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ : مِنْ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ عَلَاقَةَ الْمَحَبَّةِ كَانَتْ بَيْنَ
يُوسُفَ وَيَعْقُوبَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَتَعَلُّقِ الْآخَرِ بِهِ كَمَا يُرَى ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعُشَّاقِ مَعَ مَنْ يَعْشَقُونَهُ وَأَنْشَدُوا :
لَمْ يَكُنِ الْمَجْنُونُ فِي حَالَةٍ إِلَّا وَقَدْ كُنْتَ كَمَا كَانَا
لَكِنَّهُ بَاحَ بِسِرِّ الْهَوَى وَإِنَّنِي قَدْ ذُبْتُ كِتْمَانَا
فَغَارَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَنْظُرَ أَبُوهُ إِلَى أَخِيهِ نَظَرَهُ إِلَيْهِ فَيَكُونَا شِرْكَيْنِ فِي ذَلِكَ وَالْمُحِبُّ غَيُورٌ فَطَلَبَ أَنْ يَأْتُوهُ بِهِ لِذَلِكَ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ عَنْ وَحْيٍ لِحِكْمَةٍ غَيْرِ هَذِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=68وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْعِلْمِ اللَّدُنِّي وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ ظَاهِرُ الْغَيْبِ وَهُوَ عِلْمُ دَقَائِقِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَقَامَاتِ وَالْحَالَاتِ وَالْكَرَامَاتِ وَالْفِرَاسَاتِ وَبَاطِنُ الْغَيْبِ وَهُوَ عِلْمُ بُطُونِ الْأَفْعَالِ وَيُسَمَّى حِكْمَةَ الْمَعْرِفَةِ وَعَلَمُ الصِّفَاتِ وَيُسَمَّى الْمَعْرِفَةَ الْخَاصَّةَ وَعِلْمُ الذَّاتِ وَيُسَمَّى التَّوْحِيدَ وَالتَّفْرِيدَ وَالتَّجْرِيدَ وَعِلْمُ أَسْرَارِ الْقِدَمِ وَيُسَمَّى عِلْمَ الْفَنَاءِ وَالْبَقَاءِ وَفِي الْأَوَّلَيْنِ لِلرُّوحِ مَجَالٌ وَفِي الثَّالِثِ لِلسِّرِّ وَالرَّابِعِ لِسِرِّ السِّرِّ وَفِي الْمَقَامِ تَفْصِيلٌ وَبَسْطٌ يُطْلَبُ مِنْ مَحَلِّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=69وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُعَرِّفَهُ الْحَالَ بِالتَّدْرِيجِ حَتَّى يَتَحَمَّلَ أَثْقَالَ السُّرُورِ إِذِ الْمُفَاجَأَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ رُبَّمَا
[ ص: 79 ] تَكُونُ سَبَبَ الْهَلَاكِ وَمِنْ هُنَا كَانَ كَشْفَ سُجُفِ الْجَمَالِ لِلسَّالِكِينَ عَلَى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=70فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ قِيلَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ شَرِيكًا لِإِخْوَتِهِ فِي الْإِيذَاءِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَلَا يَخْجَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ إِذَا كُشِفَ الْأَمْرُ وَحَيْثُ طُلِبَ قَلْبُ
بِنْيَامِينَ لِعَيْنٍ بِرُؤْيَةِ
يُوسُفَ احْتَمَلَ الْمَلَامَةَ وَكَيْفَ لَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ وَبَلَاءُ الْعَالِمِ مَحْمُولٌ بِلَمْحَةِ رُؤْيَةِ الْمَعْشُوقِ وَالْعَاشِقِ الصَّادِقِ يُؤْثِرُ الْمَلَامَةَ مِمَّنْ كَانَتْ فِي هَوَى مَحْبُوبِهِ .
أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاكَ لَذِيذَةً حُبًّا لِذِكْرِكَ فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ
وَفِي الْآيَةِ عَلَى مَا قِيلَ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى أَنَّ مَنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ لِمَحَبَّتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ وَضَعَ فِي رَحْلِهِ صَاعَ مَلَامَةِ الثَّقَلَيْنِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا فَعَلَ
بِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَفِيِّهِ كَيْفَ اصْطَفَاهُ ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الْأَمَانَةَ الَّتِي لَمْ يَحْمِلْهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا فَحَمَلَهَا ثُمَّ هَيَّجَ شَهْوَتَهُ إِلَى حَبَّةِ حِنْطَةٍ ثُمَّ نَادَى عَلَيْهِ بِلِسَانِ الْأَزَلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى وَذَلِكَ لِغَايَةِ حُبِّهِ لَهُ حَتَّى صَرَفَهُ عَنِ الْكَوْنِ وَمَا فِيهِ وَمِنْ فِيهِ إِلَيْهِ وَلَوْلَا أَنْ كَشَفَ جَمَالَهُ لَهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ بَلَاءَ الْمَلَامَةِ وَهَذَا كَمَا فَعَلَ
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَخِيهِ آوَاهُ إِلَيْهِ وَكَشَفَ جَمَالَهُ لَهُ وَخَاطَبَهُ بِمَا خَاطَبَهُ ثُمَّ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ نَادَى عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ لِيُبْقِيَهُ مَعَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=76نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ أَيْ نَرْفَعُ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْعِلْمِ فَلَا يَزَالُ السَّالِكُونَ يَتَرَقَّوْنَ فِي الْعِلْمِ وَتَشْرَبُ أَطْيَارُ أَرْوَاحِهِمُ الْقُدُسِيَّةِ مِنْ بِحَارِ عُلُومِهِ تَعَالَى عَلَى مَقَادِيرِ حَوَاصِلِهَا وَتَنْتَهِي الدَّرَجَاتُ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ عُلُومَ الْخَلْقِ مَحْدُودَةٌ وَعِلْمَهُ تَعَالَى غَيْرُ مَحْدُودٍ وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَصِيرُ الْأُمُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=77قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ بَعْضُ السَّادَاتِ : لَمَّا كَانَ
بِنْيَامِينُ بَرِيئًا مِمَّا رُمِيَ بِهِ مِنَ السَّرِقَةِ أَنْطَقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى رَمَوْا
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهَا فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ وَاحِدَةٍ بِوَاحِدَةٍ لِيَعْلَمَ الْعَالِمُونَ أَنَّ الْجَزَاءَ وَاجِبٌ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : إِنَّهُمْ صَدَقُوا بِنِسْبَةِ السَّرِقَةِ إِلَى
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَكِنَّهَا سَرِقَةُ أَلْبَابِ الْعَاشِقِينَ وَأَفْئِدَةِ الْمُحِبِّينَ بِمَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَزَلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=79قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ الْإِشَارَةُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَقِّ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا نُفْشِيَ أَسْرَارَنَا وَنُدْنِيَ إِلَى حَضْرَتِنَا إِلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ اسْتِعْدَادُ قَبُولِ مَعْرِفَتِنَا أَوْ لَا نَخْتَارُ لِكَشْفِ جَمَالِنَا إِلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ شَوْقٌ إِلَى وِصَالِنَا وَقَالَ بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ : الْإِشَارَةُ فِيهِ أَنَّا لَا نَأْخُذُ مِنْ عِبَادِنَا أَشَدَّ أَخْذٍ إِلَّا مَنِ ادَّعَى فِينَا أَوْ أَخْبَرَ عَنَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ وَالِادِّعَاءُ فِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِلَّا مَنْ مَدَّ يَدَهُ إِلَى مَالِنَا وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ : الْإِشَارَةُ أَنَّا لَا نَتَّخِذُ مِنْ عِبَادِنَا وَلِيًّا إِلَّا مَنِ ائْتَمَنَّاهُ عَلَى وَدَائِعِنَا فَحَفِظَهَا وَلَمْ يَخُنْ فِيهَا وَلَطِيفَةُ الْوَاقِعَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلَ حَبِيبِهِ أَذْ لَيْسَ لِلْحَبِيبِ بَدِيلٌ فِي شَرْعِ الْمَحَبَّةِ .
أَبَى الْقَلْبُ إِلَّا أُحِبُّ لَيْلَى فَبُغِّضَتْ إِلَيَّ نِسَاءٌ مَا لَهُنَّ ذُنُوبُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=81إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُمْ صَدَقُوا بِذَلِكَ لَكِنَّهُ سَرَقَ أَسْرَارَ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ سَمِعَ مِنْهُ فِي الْخَلْوَةِ مَا سَمِعَ وَلَمْ يُبْدِهِ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=83عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا رَأَى اشْتِدَادَ الْبَلَاءِ قَوِيَ رَجَاؤُهُ بِالْفَرَجِ فَقَالَ مَا قَالَ .
اشْتَدِّي أَزْمَةُ تَنْفَرِجِي قَدْ آذَنَ لَيْلُكِ بِالْبَلَجِ
وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِهِ يَقُولُ :
[ ص: 80 ] دَنَا وِصَالُ الْحَبِيبِ وَاقْتَرَبَا وَأَطْرَبَا لِلْوِصَالِ وَأَطْرَبَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : إِنَّ تَأَسُّفَهُ عَلَى رُؤْيَةِ جَمَالِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِرْآةِ وَجْهِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ تَمَتَّعَ بِذَلِكَ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ حَتَّى حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ طَوَارِقُ الْحَدَثَانِ فَتَأَسَّفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِذَلِكَ وَاشْتَاقَتْ نَفْسُهُ لِمَا هُنَالِكَ .
سَقَى اللَّهُ أَيَّامًا لَنَا وَلَيَالِيَا مَضَتْ فَجَرَتْ مِنْ ذِكْرِهِنَّ دُمُوعُ
فَيَا هَلْ لَهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ أَوْبَةٌ وَهَلْ لِي إِلَى أَرْضِ الْحَبِيبِ رُجُوعُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ حَيْثُ بَكَى حَتَّى أَضَرَّ بِعَيْنَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَرَى غَيْرَ حَبِيبِهِ .
لَمَّا تَيَقَّنْتُ أَنِّي لَسْتُ أُبْصِرُكُمْ غَمَّضْتُ عَيْنَيَّ فَلَمْ أَنْظُرْ إِلَى أَحَدِ
قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : الْحِكْمَةُ فِي ذَهَابِ بَصَرِ
يَعْقُوبَ وَبَقَاءِ بَصَرِ
آدَمَ وَدَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مَعَ أَنَّهُمَا بَكَيَا دَهْرًا طَوِيلًا إِنَّ بُكَاءَ
يَعْقُوبَ كَانَ بُكَاءَ حُزْنٍ مَعْجُونٍ بِأَلَمِ الْفِرَاقِ حَيْثُ فَقَدْ تَجَلَّى جَمَالُ الْحَقِّ مِنْ مِرْآةِ وَجْهِ
يُوسُفَ وَلَا كَذَلِكَ بُكَاءُ
آدَمَ وَدَاوُدَ فَإِنَّهُ كَانَ بُكَاءَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَأَيْنَ ذَلِكَ الْمَقَامُ مِنْ مَقَامِ الْعِشْقِ وَقَالَ
أَبُو سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ : إِنَّمَا لَمْ يَذْهَبْ بَصَرُهُمَا لِأَنَّ بُكَاءَهُمَا كَانَ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى فَحُفِظَا وَبُكَاءُ
يَعْقُوبَ كَانَ لِفَقْدِ لَذَّةٍ فَعُوتِبَ وَقِيلَ : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ بَصَرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ حِينَ بَكَى لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلِهَذَا جَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ يَا
يَعْقُوبُ أَتَتَأَسَّفُ عَلَى غَيْرِي وَعِزَّتِي لَآخُذَنَّ عَيْنَيْكَ وَلَا أَرُدُّهُمَا عَلَيْكَ حَتَّى تَنْسَاهُ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَسَفَ وَالْبُكَاءَ لَيْسَا إِلَّا لِفَوَاتِ مَا انْكَشَفَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ تَجَلِّي اللَّهِ تَعَالَى فِي مِرْآةِ وَجْهِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَعَمْرِي إِنَّهُ لَوْ كَانَ شَاهِدُ تَجَلِّيهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ التَّعَيُّنَاتِ وَعَيْنِ أَعْيَانِ الْمَوْجُودَاتِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَسِيَ مَا رَأَى وَلَمَا عَرَاهُ مَا عَرَا وَلِلَّهِ تَعَالَى دَرُّ سَيِّدِي
ابْنِ الْفَارِضِ حَيْثُ يَقُولُ :
لَوْ أَسْمَعُوا يَعْقُوبَ بَعْضَ مَلَاحَةٍ فِي وَجْهِهِ نَسِيَ الْجَمَالَ الْيُوسُفِيَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=85قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ هَذَا مِنَ الْجَهْلِ بِأَحْوَالِ الْعِشْقِ وَمَا عَلَيْهِ الْعَاشِقُونَ فَإِنَّ الْعَاشِقَ يَتَغَذَّى بِذِكْرِ مَعْشُوقِهِ .
فَإِنْ تَمْنَعُوا لَيْلَى وَحُسْنَ حَدِيثِهَا فَلَنْ تَمْنَعُوا مِنِّي الْبُكَا وَالْقَوَافِيَا
وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ ذِكْرَهُ بِلِسَانِهِ كَانَ مُسْتَغْرِقًا بِذِكْرِهِ إِيَّاهُ بِجَنَانِهِ .
غَابَ وَفِي قَلْبِي لَهُ شَاهِدٌ يَوْلَعُ إِضْمَارِي بِذِكْرَاهُ
مَثَّلَتِ الْفِكْرَةُ لِي شَخْصَهُ حَتَّى كَأَنِّي أَتَرَاءَاهُ
وَكَيْفَ يُخَوَّفُ الْعَاشِقُ بِالْهَلَاكِ فِي عِشْقِ مَحْبُوبِهِ وَهَلَاكِهِ عَيْنَ حَيَاتِهِ كَمَا قِيلَ :
وَلَكِنْ لَدَى الْمَوْتِ فِيهِ صَبَابَةً حَيَاةٌ لِمَنْ أَهْوَى عَلَيَّ بِهَا الْفَضْلُ
وَمَنْ لَمْ يَمُتْ فِي حُبِّهِ لَمْ يَعِشْ بِهِ وَدُونَ اجْتِنَاءِ النَّحْلِ مَا جَنَتِ النَّحْلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=86قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ أَيْ أَنَا لَا أَشْكُو إِلَى غَيْرِهِ فَإِنِّي أَعْلَمُ غَيْرَتَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَحْبَابِهِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَأَيْضًا مَنِ انْقَطَعَ إِلَيْهِ تَعَالَى كَفَاهُ وَمَنْ أَنَاخَ بِبَابِهِ أَعْطَاهُ وَأَنْشَدَ
ذُو النُّونِ :
[ ص: 81 ] إِذَا ارْتَحَلَ الْكِرَامُ إِلَيْكَ يَوْمًا لِيَلْتَمِسُوكَ حَالًا بَعْدَ حَالِ
فَإِنَّ رِحَالَنَا حَطَّتْ رِضَاءً بِحُكْمِكَ عَنْ حُلُولٍ وَارْتِحَالِ
فَسُسْنَا كَيْفَ شِئْتَ وَلَا تَكِلْنَا إِلَى تَدْبِيرِنَا يَا ذَا الْمَعَالِي
وَعَلَى هَذَا دَرَجَ الْعَاشِقُونَ إِذَا اشْتَدَّ بِهِمُ الْحَالُ فَزِعُوا إِلَى الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ وَمِنْ ذَلِكَ :
إِلَى اللَّهِ أَشْكُو مَا لَقِيتُ مِنَ الْهَجْرِ وَمِنْ كَثْرَةِ الْبَلْوَى وَمِنْ أَلَمِ الصَّبْرِ
وَمِنْ حَرْقٍ بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَا كَجَمْرِ الْغَضَا بَلْ أَحَرُّ مِنَ الْجَمْرِ
وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا رَفَعَ قِصَّةَ شَكْوَاهُ إِلَى عَالِمِ سِرِّهِ وَنَجْوَاهُ اسْتِرْوَاحًا مِمَّا يَجِدُهُ بِتِلْكَ الْمُنَاجَاةِ كَمَا قِيلَ :
إِذَا مَا تَمَنَّى النَّاسُ رَوْحًا وَرَاحَةً تَمَنَّيْتُ أَنْ أَشْكُوَ إِلَيْهِ فَيَسْمَعُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَنَسَّمَ نَسَائِمَ الْفَرَجِ بَعْدَ أَنْ رَفَعَ الْأَمْرُ إِلَى مَوْلَاهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ ذَلِكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِرْجَاعِهِمَا إِلَيَّ أَوْ مِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى بِتَوْفِيقِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرَفْعِ خَجَالَتِكُمْ إِذَا وَجَدْتُمُوهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=88قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ أَرَادُوا ضُرَّ الْمَجَاعَةِ وَلَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا وَأَنْصَفُوا لَقَصَدُوا ضُرَّ فِرَاقِكَ فَإِنَّهُ قَدْ أَضَرَّ بِأَبِيهِمْ وَبِهِمْ وَبِأَهْلِهِمْ لَوْ يَعْلَمُونَ .
كَفَى حُزْنًا بِالْوَالِهِ الصَّبِّ أَنْ يَرَى مَنَازِلَ مَنْ يَهْوَى مُعَطَّلَةً قَفْرَا
وَاعْلَمْ أَنَّ فِيمَا قَالَهُ إِخْوَةُ
يُوسُفَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ هُنَا إِلَى الْمُتَصَدِّقِينَ تَعْلِيمَ آدَابِ الدُّعَاءِ وَالرُّجُوعَ إِلَى الْأَكَابِرِ وَمُخَاطَبَةَ السَّادَاتِ فَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى بَابِ سَيِّدِهِ بِالذِّلَّةِ وَالِافْتِقَارِ وَتَذْلِيلِ النَّفْسِ وَتَصْغِيرِ مَا يَبْدُو مِنْهَا وَيَرَ أَنَّ مَا مِنْ سَيِّدِهِ إِلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الصُّدْفَةِ وَالْفَضْلِ لَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ مُبْعَدًا مَطْرُودًا وَيَنْبَغِي لِعُشَّاقِ جَمَالِ الْقِدَمِ إِذَا دَخَلُوا الْحَضْرَةَ أَنْ يَقُولُوا : يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا مِنْ ضُرِّ فِرَاقِكَ وَالْبُعْدِ عَنْ سَاحَةِ وِصَالِكَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ الصُّمُّ الصِّلَابُ .
خَلِيلَيَّ مَا أَلْقَاهُ فِي الْحُبِّ إِنْ يَدُمْ عَلَى صَخْرَةٍ صَمَّاءَ يَنْفَلِقِ الصَّخْرُ
وَيَقُولُوا : ( جِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ) مِنْ أَعْمَالٍ مَعْلُولَةٍ وَأَفْعَالٍ مَغْشُوشَةٍ وَمَعْرِفَةٍ قَلِيلَةٍ لَمْ تُحِطْ بِذَرَّةٍ مِنْ أَنْوَارِ عَظَمَتِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِكَمَالِ عِزَّتِكَ وَجَلَالِ صَمَدِيَّتِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=88فَأَوْفِ لَنَا كَيْلَ قُرْبِكَ مِنْ بَيَادِرِ جُودِكَ وَفَضْلِكَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا بِنِعَمِ مُشَاهَدَتِكَ فَإِنَّهُ إِذَا عُومِلَ الْمَخْلُوقُ بِمَا عُومِلَ فَمُعَامَلَةُ الْخَالِقِ بِذَلِكَ أَوْلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90قَالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ خَاطَبُوهُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِخِطَابِ الْمَوَدَّةِ لَا بِخِطَابِ التَّكَلُّفِ وَفِيهِ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا فِيهِ .
إِذَا صَفَتِ الْمَوَدَّةُ بَيْنَ قَوْمٍ وَدَامَ وَلَاؤُهُمْ سَمِجَ الثَّنَاءُ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوهُ سَقَطَتْ عَنْهُمُ الْهَيْبَةُ وَهَاجَتِ الْحَمِيَّةُ فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ عَلَى النَّمَطِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي جَوَابٌ لَهُمْ لَكِنَّ زِيَادَةً
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90وَهَذَا أَخِي قِيلَ : لِتَهْوِينِ حَالِ بَدِيهَةِ الْخَجَلِ وَقِيلَ : لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ أُخُوَّتَهُمْ لَا تُعَدُّ أُخُوَّةً لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ الصَّحِيحَةَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَفَاءٌ ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا رَأَى
[ ص: 82 ] اعْتِرَافَهُمْ وَاعْتِذَارَهُمْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=92لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَهَذَا مِنْ شَرَائِطِ الْكَرَمِ فَالْكَرِيمُ إِذَا قَدَرَ عَفَا .
وَالْعُذْرُ عِنْدَ كِرَامِ النَّاسِ مَقْبُولُ
وَقَالَ
شَاهٌ الْكَرْمَانِيُّ : مَنْ نَظَرَ إِلَى الْخَلْقِ بِعَيْنِ الْحَقِّ لَمْ يَعْبَأْ بِمُخَالَفَتِهِمْ وَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ أَفْنَى أَيَّامَهُ بِمُخَاصَمَتِهِمْ أَلَا تَرَى
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا عَلِمَ مَجَارِيَ الْقَضَاءِ كَيْفَ عَذَرَ إِخْوَتَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=93اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا لَمَّا عَلِمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أَبَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَحْتَمِلُ الْوِصَالَ الْكُلِّيَّ بِالْبَدِيهَةِ جَعَلَ وِصَالَهُ بِالتَّدْرِيجِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِقَمِيصِهِ وَلَمَّا كَانَ مَبْدَأُ الْهَمِّ الَّذِي أَصَابَهُ مِنَ الْقَمِيصِ الَّذِي جَاءُوا عَلَيْهِ بِدَمٍ كَذِبٍ عَيَّنَ هَذَا الْقَمِيصُ مَبْدَأً لِلسُّرُورِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ آثَارِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيُدْخِلَ عَلَيْهِ السُّرُورَ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْهَمُّ مِنْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=93وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ كَانَ كَرَمُ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْتَضِي أَنْ يَسِيرَ بِنَفْسِهِ إِلَى أَبِيهِ وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا لَمْ يَفْعَلْ لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلَى أَبِيهِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَسِيرُ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِ بِدُونِ ذَلِكَ أَوْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعَطُّلَ أَمْرِ الْعَامَّةِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ أُخْرَى وَقِيلَ : إِنَّ الْمَعْشُوقِيَّةَ اقْتَضَتْ ذَلِكَ وَمَنْ رَأَى مَعْشُوقًا رَحِيمًا بِعَاشِقِهِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=94وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ يُقَالُ : إِنَّ رِيحَ الصَّبَا سَأَلَتِ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَتْ : يَا رَبِّ خُصَّنِي أَنْ أُبَشِّرَ
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِابْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا بِذَلِكَ فَحَمَلَتْ نَشْرَهُ إِلَى مَشَامِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ سَاجِدًا فَرَفَعَ رَأَسَهُ وَقَالَ ذَلِكَ وَكَأَنَّ لِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ :
أَيَا جَبَلَيْ نُعْمَانَ بِاللَّهِ خَلِّيَا نَسِيمَ الصَّبَا يَخْلُصْ إِلَى نَسِيمِهَا
أَجِدْ بَرْدَهَا أَوْ تَشِفَّ مِنِّي حَرَارَةٌ عَلَى كَبِدٍ لَمْ يَبْقَ إِلَّا صَمِيمُهَا
فَإِنَّ الصَّبَا رِيحٌ إِذَا مَا تَنَسَّمَتْ عَلَى نَفْسِ مَهْمُومٍ تَجَلَّتْ هُمُومُهَا
وَهَكَذَا عُشَّاقُ الْحَضْرَةِ لَا يَزَالُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِنَفَحَاتِ رِيحِ وِصَالِ الْأَزَلِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=909456إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ أَلَا فَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ الرَّحْمَنِ وَيُقَالُ : الْمُؤْمِنُ الْمُتَحَقِّقُ يَجِدُ نَسِيمَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ وَرُوحَ الْمَعْرِفَةِ السَّابِقَةِ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي سِرِّهِ وَإِنَّمَا وَجَدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الرِّيحَ حَيْثُ بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَدَنَتْ أَيَّامُ الْوِصَالِ وَحَانَ تَصَرَّمُ أَيَّامِ الْهَجْرِ وَالْبِلْبَالِ وَإِلَّا فَلِمَ لَمْ يَجِدْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كَانَ
يُوسُفُ فِي الْجُبِّ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِلَّا سُوَيْعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ الْأُمُورَ مَرْهُونَةٌ بِأَوْقَاتِهَا وَعَلَى هَذَا كُشُوفَاتُ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُمْ آوِنَةٌ يُكْشَفُ لَهُمْ عَلَى مَا قِيلَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وَأُخْرَى لَا يَعْرِفُونَ مَا تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=96فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعَاشِقَ الْهَائِمَ الْمُنْتَظَرَ لِقَاءَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ إِذَا ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ طُولِ الْبُكَاءِ يَجِيءُ إِلَيْهِ بَشِيرُ تَجَلِّيهِ فَيُلْقِي عَلَيْهِ قَمِيصَ أُنْسِهِ فِي حَضَرَاتِ قَدُسِهِ فَيَرْتَدُّ بَصِيرًا بِشَمِّ ذَلِكَ فَهُنَالِكَ يَرَى الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَيَنْجَلِي الْغَيْنُ عَنِ الْعَيْنِ وَيُقَالُ : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا ارْتَدَّ بَصِيرًا حِينَ وَضَعَ الْقَمِيصَ عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهُ وَجَدَ لَذَّةَ نَفْحَةِ الْحَقِّ تَعَالَى مِنْهُ حَيْثُ كَانَ
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَحَلَّ تَجَلِّيهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَكَانَ الْقَمِيصُ مُعَبَّقًا بِرِيحِ جِنَانِ قُدُسِهِ فَعَادَ لِذَلِكَ نُورُ بَصَرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى مَجَارِيهِ فَأَبْصَرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=98قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَعَدَهُمْ إِلَى أَنْ يَتَعَرَّفَ مِنْهُمْ صِدْقَ التَّوْبَةِ أَوْ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ رَبَّهُ تَعَالَى فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَيَأْذَنَ سُبْحَانَهُ لِئَلَّا يَكُونَ مَرْدُودًا فِيهِ كَمَا رُدَّ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي وَلَدِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَعَدَهُمُ الِاسْتِغْفَارَ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْرَغْ بَعْدُ مِنَ اسْتِبْشَارِهِ إِلَى اسْتِغْفَارِهِ وَقِيلَ : إِنَّمَا أَسْرَعَ
يُوسُفُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَوَعَدَ
[ ص: 83 ] يَعْقُوبُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِأَنَّ
يَعْقُوبَ كَانَ أَشَدَّ حُبًّا لَهُمْ فَعَاتَبَهُمْ بِالتَّأْخِيرِ
وَيُوسُفَ لَمْ يَرَهُمْ أَهْلًا لِلْعِتَابِ فَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ أَوِ اكْتَفَى بِمَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْخَجَلِ وَكَانَ خَجَلُهُمْ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ خَجَلِهِمْ مِنْ أَبِيهِمْ وَفِي الْمَثَلِ كَفَى لِلْمُقَصِّرِ حَيَاءً يَوْمَ اللِّقَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=99فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ لِأَنَّهُمَا ذَاقَا طَعْمَ مَرَارَةِ الْفِرَاقِ فَخَصَّهُمَا مِنْ بَيْنِهِمْ بِمَزِيدِ الدُّنُوِّ يَوْمَ التَّلَاقِي وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَيْنَ مَنَازِلُ الْعَاشِقِينَ يَوْمَ الْوِصَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا حَيْثُ بَانَ لَهُمْ أَنْوَاعُ جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مِرْآةِ وَجْهِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَايَنُوا مَا عَايَنَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ وَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ وَمَا هُوَ إِذْ ذَاكَ إِلَّا كَعْبَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي فِيهَا آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ
إِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنَ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا مُفَوِّضًا إِلَيْكَ شَأْنِيَ كُلَّهُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لِي رُجُوعٌ إِلَى نَفْسِي وَلَا إِلَى سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ بِمَنْ أَصْلَحْتَهُمْ لِحَضْرَتِكَ وَأَسْقَطْتَ عَنْهُمْ سِمَاتِ الْخَلْقِ وَأَزَلْتَ عَنْهُمْ رَعُونَاتِ الطَّبْعِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الثَّنَاءَ عَلَى الدُّعَاءِ مِنَ الْأَدَبِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=106وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ : مَنِ الْتَفَتَ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْرِكٌ وَقَالَ قَائِلُهُمْ :
وَلَوْ خَطَرَتْ لِي فِي سِوَاكَ إِرَادَةٌ عَلَى خَاطِرِي سَهْوًا حَكَمْتُ بِرِدَّتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمٌ لَا مُعَارَضَةَ لِلنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَذَكَرَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّ الْبَصِيرَةَ أَعْلَى مِنَ النُّورِ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِأَحَدٍ وَهُوَ رَقِيقُ الْمَيْلِ إِلَى السُّوَى وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلدَّاعِي إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِطَرِيقِ الْإِيصَالِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ عَالِمًا بِمَا يَجِبُ لَهُ تَعَالَى وَمَا يَجُوزُ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ جَلَّ شَأْنُهُ وَالدُّعَاةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْيَوْمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْإِرْشَادِ بِزَعْمِهِمْ أَجْهَلَ مِنْ حِمَارِ الْحَكِيمِ تُومَا وَهُمْ لَعَمْرِي فِي ضَلَالَةٍ مُدْلَهِمَّةٍ وَمَهَامِهَ يَحَارُ فِيهَا الْخِرِّيتُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا وَلَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ وَهُمْ ذَوُو الْأَحْوَالِ مِنَ الْعَارِفِينَ وَالْعَاشِقِينَ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهَا أَيْضًا عِبْرَةٌ لِلْمُلُوكِ فِي بَسْطِ الْعَدْلِ كَمَا فَعَلَ
يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِأَهْلِ التَّقْوَى فِي تَرْكِ مَا تُرَاوِدُهُمُ النَّفْسُ الشَّهْوَانِيَّةُ عَلَيْهِ وَلِلْمَمَالِيكِ فِي حِفْظِ حَرَمِ السَّادَةِ وَلَا أَحَدَ أَغَيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَلِلْقَادِرِينَ فِي الْعَفْوِ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَيْنَ الْمُعْتَبِرُونَ أَشْبَاحٌ وَلَا أَرْوَاحَ وَدِيَارٌ وَلَا دِيَارَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ هَذَا .
وَقَدْ أَوَّلَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى أَسْرَارَهُمْ
يُوسُفَ بِالْقَلْبِ الْمُسْتَعِدِّ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ
وَيَعْقُوبَ بِالْعَقْلِ وَالْإِخْوَةَ بَنِيَ الْعِلَّاتِ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ الظَّاهِرَةِ وَالْخَمْسِ الْبَاطِنَةِ وَالْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ
وَبِنْيَامِينَ بِالْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ الْعَمَلِيَّةِ
وَرَاحِيلَ أُمَّ يُوسُفَ اللَّوَّامَةَ
وَلِيَا بِالنَّفْسِ الْأَمَّارَةِ وَالْجُبَّ بِعَقْرِ الطَّبِيعَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْقَمِيصَ الَّذِي أَلْبَسَهُ
يُوسُفَ فِي الْجُبِّ بِصِفَةِ الِاسْتِعْدَادِ الْأَصْلِيِّ وَالنُّورَ الْفِطْرِيَّ وَالذِّئْبَ بِالْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَالدَّمَ الْكَذِبَ بِأَثَرِهَا وَابْيِضَاضَ عَيْنِ
يَعْقُوبَ بِكَلَالِ الْبَصِيرَةِ وَفِقْدَانَ نُورِ الْعَقْلِ وَشِرَاؤُهُ مِنْ
عَزِيزِ مِصْرَ بِثَمَنِ بَخْسٍ بِتَسْلِيمِ الطَّبِيعَةِ لَهُ إِلَى عَزِيزِ الرُّوحِ الَّذِي فِي
مِصْرَ مَدِينَةِ الْقُدُسِ بِمَا يَحْصُلُ لِلْقُوَّةِ الْفِكْرِيَّةِ مِنَ الْمَعَانِي الْفَائِضَةِ عَلَيْهَا مِنَ الرُّوحِ
وَامْرَأَةَ الْعَزِيزِ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ وَقَدَّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ بِخَرْقِهَا لِبَاسَ الصِّفَةِ النُّورِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ قِبَلِ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَوَجَدَ أَنَّ السَّيِّدَ بِالْبَابِ بِظُهُورِ نُورِ الرُّوحِ عِنْدَ إِقْبَالِ
[ ص: 84 ] الْقَلْبِ إِلَيْهِ بِوَاسِطَةِ تَذَكُّرِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ وَوِرْدِ الْوَارِدِ الْقُدُسِيِّ عَلَيْهِ وَالشَّاهِدِ بِالْفِكْرِ الَّذِي هُوَ
ابْنُ عَمِّ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ أَوْ بِالطَّبِيعَةِ الْجُسْمَانِيَّةِ الَّذِي هُوَ ابْنُ خَالَتِهَا وَالصَّاحِبَيْنِ بِقُوَّةِ الْمَحَبَّةِ الرُّوحِيَّةِ وَبِهَوَى النَّفْسِ وَالْخَمْرِ بِخَمْرِ الْعِشْقِ وَالْخَبْزِ . بِاللَّذَّاتِ وَالطَّيْرَ بِطَيْرِ الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةِ وَالْمُلْكَ بِالْعَقْلِ الْفَعَّالِ وَالْبَقَرَاتِ بِمَرَاتِبِ النَّفْسِ وَالسِّقَايَةَ بِقُوَّةِ الْإِدْرَاكِ وَالْمُؤَذِّنَ بِالْوَهْمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَطَبَّقَ الْقِصَّةَ عَلَى مَا ذَكَرَ وَتَكَلَّفَ لَهُ أَشَدَّ تَكَلُّفٍ وَمَا أَغْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا يُرْجَى إِلَّا خَيْرُهُ .