وقالوا شروع في بيان كفرهم بمن أنزل عليه الكتاب [ ص: 12 ] المتضمن للكفر به وبيان ما يؤول إليه حالهم، والقائل أهل مكة قال : نزلت الآية في مقاتل عبد الله بن أمية ، والنضر بن الحرث ونوفل بن خويلد ، والوليد بن المغيرة وهم الذين قالوا له صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذي نزل عليه الذكر أي القرآن، وخاطبوه عليه الصلاة والسلام بذلك مع أنهم الكفرة الذين لا يعتقدون نزول شيء استهزاء وتهكما وإشعارا بعلة الباطل في قولهم: إنك لمجنون يعنون يا من يدعي مثل هذا الأمر العظيم الخارق للعادة إنك بسبب تلك الدعوى متحقق جنونك على أتم وجه، وهذا كما يقول الرجل لمن يسمع منه كلاما يستبعده: أنت مجنون، وقيل: حكمهم هذا لما يظهر عليه الصلاة والسلام من شبه الغشي حين ينزل عليه الوحي بالقرآن، والأول على ما قيل هو الأنسب بالمقام، وذهب بعضهم إلى أن المقول الجملة المؤكدة دون النداء أما هو فمن كلام الله تعالى تبرئة له عليه الصلاة والسلام عما نسبوه إليه من أول الأمر. وتعقب بأنه لا يناسب قوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر إلخ فإنه كما سيأتي إن شاء الله تعالى رد لإنكارهم واستهزائهم، وقد يجاب بأن ذلك على هذا رد لما عنوه في ضمن قولهم المذكور لكن الظاهر كون الكل كلامهم. وقد سبقهم إلى نظيره فرعون عليه اللعنة بقوله في حق موسى عليه السلام: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وتقديم الجار والمجرور على نائب الفاعل كما قيل لأن إنكارهم متوجه إلى كون النازل ذكرا من الله تعالى لا إلى كون المنزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تسليم كون النازل منه تعالى كما في قوله سبحانه: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فإن الإنكار هناك متوجه إلى كون المنزل عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وإيراد الفعل على صيغة المجهول لإيهام أن ذلك ليس بفعل له فاعل أو لتوجيه الإنكار إلى كون التنزيل عليه لا إلى إسناده إلى الفاعل. وقرأ رضي الله تعالى عنهما نزل عليه الذكر بتخفيف ( نزل ) مبنيا للفاعل ورفع ( الذكر ) على الفاعلية، وقرئ «يا أيها الذي ألقي عليه الذكر». قال زيد بن علي : وينبغي أن تجعل هذه القراءة تفسيرا لمخالفتها سواد المصحف
أبو حيان