nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أعمالكم سواء كانت لازمة لأنفسكم أو متعدية للغير أي: عملتموها على الوجه المستحسن اللائق
[ ص: 19 ] أو فعلتم الإحسان
nindex.php?page=treesubj&link=19797_30530_30531_32416_34370_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7أحسنتم لأنفسكم أي: لنفعها بما يترتب على ذلك من الثواب
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وإن أسأتم أعمالكم لازمة كانت أو متعدية بأن عملتموها على غير الوجه اللائق أو فعلتم الإساءة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فلها أي: فالإساءة عليها لما يترتب على ذلك من العقاب، فاللام بمعنى (على) كما في قوله: فخر صريعا لليدين وللفم، وعبر بها لمشاكلة ما قبلها.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: هي بمعنى (إلى) على معنى: فإساءتها راجعة إليها، وقيل: إنها للاستحقاق كما في قوله تعالى ( لهم عذاب أليم ) .
وفي الكشاف أنها للاختصاص. وتعقب بأنه مخالف لما في الآثار من تعدي ضرر الإساءة إلى غير المذنب، اللهم إلا أن يقال: إن ضرر هؤلاء القوم من بني إسرائيل لم يتعدهم، وفيه أنه تكلف لا يحتاج إليه؛ لأن الثواب والعقاب الأخرويين لا يتعديان وهما المراد هنا، وقيل: اللام للنفع كالأولى لكن على سبيل التهكم، وتعميم الإحسان ومقابله بحيث يشملان المتعدي واللازم هو الذي استظهره بعض المحققين وفسر الإحسان بفعل ما يستحسن له ولغيره والإساءة بضد ذلك، وقال: إنه أنسب وأتم؛ ولذا قيل: إن تكرير الإحسان في النظم الكريم دون الإساءة إشارة إلى أن جانب الإحسان أغلب، وأنه إذا فعل ينبغي تكراره بخلاف ضده.
وجاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه وتلا الآية.
ووجه مناسبتها لما قبلها على ما قال
القطب أنه لما عصوا سلط الله تعالى عليهم من قصدهم بالنهب والأسر، ثم لما تابوا وأطاعوا حسنت حالهم فظهر أن إحسان الأعمال وإساءتها مختص بهم، والآية تضمنت ذلك، وفيها من الترغيب بالإحسان والترهيب من الإساءة ما لا يخفى فتأمل.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فإذا جاء وعد المرة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7الآخرة من (مرتي) إفسادكم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7ليسوءوا متعلق بفعل حذف لدلالة ما سبق عليه، وهو جواب إذا؛ أي: بعثناهم ليسوءوا
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وجوهكم أي: ليجعل العباد المبعوثون آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم، فإن الأعراض النفسانية تظهر فيها فيظهر بالفرح النضارة والإشراق، وبالحزن والخوف الكلوح والسواد، فالوجوه على حقيقتها، قيل: ويحتمل أن يعبر بالوجه عن الجملة فإنهم ساءوهم بالقتل والنهب والسبي فحصلت الإساءة للذوات كلها، ويؤيده قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وإن أسأتم فلها ويحتمل أن يراد بالوجوه ساداتهم وكبراؤهم أهو هو كما ترى.
واختير هذا على ليسوؤكم مع أنه أحضر وأظهر إشارة إلى أنه جمع عليه ألم النفس والبدن المدلول عليه بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وليتبروا إلخ، وقيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فإذا جاء هنا مع كونه من تفصيل المجمل في قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4لتفسدن في الأرض مرتين فالظاهر: فإذا جاء، وإذا جاء للدلالة على أن مجيء وعد عقاب المرة الآخرة لم يتراخ عن كثرتهم واجتماعهم دلالة على شدة شكيمتهم في كفران النعم، وإنهم كلما ازدادوا عدة وعدة زادوا عدوانا وعزة إلى أن تكاملت أسباب الثروة والكثرة، فاجأهم الله عز وجل على الغرة نعوذ بالله سبحانه من مباغتة عذابه.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة: (ليسؤ) على التوحيد والضمير لله تعالى، أو للوعد أو للبعث المدلول عليه بالجزاء المحذوف، والإسناد مجازي على الأخيرين وحقيقي على الأول، ويؤيده قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه.
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي (لنسوء) بنون العظمة؛ فإن الضمير لله تعالى لا يحتمل غير ذلك، وقرأ أبي: (لنسؤن) بلام الأمر ونون العظمة أوله، ونون التوكيد الخفيفة آخره، ودخلت لام الأمر على فعل المتكلم كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=12ولنحمل خطاياكم وجواب إذا على هذه القراءة هو الجملة الإنشائية على تقدير الفاء؛ لأنها لا تقع جوابا بدونها.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه أيضا: (لنسوءن) و (ليسوءن) بالنون والياء أولا ونون التوكيد الشديدة آخرا.
واللام في ذلك
[ ص: 20 ] لام القسم، والجملة جواب القسم سادة مسد جواب إذا، واللام في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وليدخلوا المسجد لام كي، والجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله، وهو متعلق ببعثنا المحذوف أيضا، وجوز أن يتعلق بمحذوف غيره، فيكون العطف من عطف جملة على أخرى، وعلى القراءة بلام الأمر أو لام القسم فيما تقدم يجوز أن تكون اللام لام الأمر، وأن تكون لام كي، والمراد بالمسجد
بيت المقدس وهو مفعول يدخلوا، وفي الصحاح أن الصحيح في نحو دخلت البيت إنك تريد دخلت إلى البيت، فحذف حرف الجر فانتصب البيت انتصاب المفعول به، وتحقيقه في محله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7كما دخلوه أي: دخولا كائنا كدخولهم إياه
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7أول مرة فهو في موضع النعت لمصدر محذوف، وجوز أن يكون حالا أي: كائنين كما دخلوه، و ( أول ) منصوب على الظرفية الزمانية، والمراد من التشبيه على ما في البحر أنهم يدخلونه بالسيف والقهر والغلبة والإذلال، وفيه أيضا أن هذا يبعد قول من ذهب إلى أن أولى المرتين لم يكن فيها قتال ولا قتل ولا نهب
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وليتبروا أي: يهلكوا، وقال قطرب: يهدموا، وأنشد قول الشاعر:
وما الناس إلا عاملان فعامل يتبر ما يبني وآخر رافع
وقال بعضهم: الهدم إهلاك أيضا، وأخرج ابن المنذر وغيره عن سعيد بن جبير أن التتبير كلمة نبطية.
ما
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7علوا أي الذي غلبوه واستولوا عليه، فما اسم موصول، والعائد محذوف وهو إما مفعول أو مجرور على ما قيل، وجوز أن تكون ما مصدرية ظرفية، أي: ليتبروا مدة دوامهم غالبين قاهرين
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7تتبيرا فظيعا لا يوصف.
واختلف في تعيين هؤلاء العباد المبعوثين بعد أن ذكروا قتل
يحيى عليه السلام في الإفساد الأخير، فقال غير واحد: إنهم
بختنصر وجنوده، وتعقبه
السهيلي بأنه لا يصح؛ لأن قتل
يحيى بعد رفع
عيسى عليهما السلام
وبختنصر كان قبل
عيسى عليه السلام بزمن طويل، وقيل:
الإسكندر وجنوده، وتعقبه أيضا بأن بين
الإسكندر وعيسى عليه السلام نحوا من ثلاثمائة سنة ثم قال: لكنه إذا قيل: إن إفسادهم في المرة الأخيرة بقتل شعيا جاز أن يكون المبعوث عليهم
بختنصر ومن معه؛ لأنه كان حينئذ حيا، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أن الذي غزاهم ملك
خردوش وتولى قتلهم على دم
يحيى عليه السلام قائد له فسكن. وفي بعض الآثار أن صاحب الجيش دخل مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم عنه فقالوا: دم قربان لم يقبل منا. فقال: ما صدقتموني فقتل عليه ألوفا منهم فلم يهدأ الدم. ثم قال: إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحدا. فقالوا: إنه دم
يحيى عليه السلام فقال: بمثل هذا ينتقم ربكم منكم. ثم قال: يا
يحيى، قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا أبقي أحدا منهم فهدأ، واختار في الكشف - وقال: هو الحق - إن المبعوث عليهم في المرة الثانية
بيردوس من ملوك الطوائف، وكأنه هو
خردوش الذي مر آنفا، فقد ذكر أنه ملك
بابل من ملوك الطوائف.
وقيل: اسمه جوزور وهؤلاء الملوك ظهروا بعد قتل
الإسكندر دارا واستيلائه على ملك
الفرس، وكان ذلك بصنع
الإسكندر متبعا فيه رأي معلمه
أرسطو، وعدتهم تزيد على سبعين ملكا، ومدة ملكهم على ما في بعض التواريخ خمسمائة واثنتا عشرة سنة، وحصل اجتماع
الفرس بعد هذه المدة على
أردشير بن بابك طوعا وكرها، وكان أحد ملوك الطوائف على إصطخر، وعلى هذا يكون الملك المبعوث لفساد بني إسرائيل بقتل
يحيى عليه
[ ص: 21 ] السلام من أواخر ملوك الطوائف كما لا يخفى، ويكون بين هذا البعث والبعث الأول على القول بأن المبعوث
بختنصر وأتباعه مدة متطاولة، ففي بعض التواريخ أن قتل
الإسكندر دارا بعد
بختنصر بأربعمائة وخمس وثلاثين سنة وبعد مضي نحو ثلاثمائة سنة من غلبة
الإسكندر ولد
المسيح عليه السلام، ولا شك أن قتل يحيى عليه الصلاة والسلام بعد الولادة بزمان، والبعث بعد القتل كذلك، فيكون بين البعثين ما يزيد على سبعمائة وخمس وثلاثين سنة، والذي ذهب إليه اليهود أن المبعوث أولا
بختنصر، وكان في زمن
أرميا عليه السلام، وقد أنذرهم مجيئه صريحا بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الأصنام كما نطق به كتابه فحبسوه في بئر وجرحوه، وكان تخريبه
لبيت المقدس في السنة التاسعة عشر من حكمه وبين ذلك وهبوط آدم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثمان وثلاثين سنة، وبقي خرابا سبعين سنة، ثم إن
أسبيانوس قيصر
الروم وجه وزيره
طوطوز إلى خرابه فخربه سنة ثلاثة آلاف وثمانمائة وثمانية وعشرين فيكون بين البعثين عندهم أربعمائة وتسعون سنة، وتفصيل الكلام في ذلك في كتبهم والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. ونعم ما قيل: إن معرفة الأقوام المبعوثين بأعيانهم وتاريخ البعث ونحوه مما لا يتعلق به كبير غرض؛ إذ المقصود أنه لما كثرت معاصيهم سلط الله تعالى عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى.
وظاهر الآية يقتضي اتحاد المبعوثين أولا وثانيا، ومن لا يقول بذلك يجعل رجوع الضمائر للعباد على حد رجوع الضمير للدرهم في قولك: عندي درهم ونصفه. فافهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَعْمَالَكُمْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَازِمَةً لِأَنْفُسِكُمْ أَوْ مُتَعَدِّيَةً لِلْغَيْرِ أَيْ: عَمِلْتُمُوهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُسْتَحْسَنِ اللَّائِقِ
[ ص: 19 ] أَوْ فَعَلْتُمُ الْإِحْسَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=19797_30530_30531_32416_34370_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ أَيْ: لِنَفْعِهَا بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَإِنْ أَسَأْتُمْ أَعْمَالَكُمْ لَازِمَةً كَانَتْ أَوْ مُتَعَدِّيَةً بِأَنْ عَمِلْتُمُوهَا عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ اللَّائِقِ أَوْ فَعَلْتُمُ الْإِسَاءَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فَلَهَا أَيْ: فَالْإِسَاءَةُ عَلَيْهَا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْعِقَابِ، فَاللَّامُ بِمَعْنَى (عَلَى) كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ، وَعَبَّرَ بِهَا لِمُشَاكَلَةِ مَا قَبْلَهَا.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ: هِيَ بِمَعْنَى (إِلَى) عَلَى مَعْنَى: فَإِسَاءَتُهَا رَاجِعَةٌ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
وَفِي الْكَشَّافِ أَنَّهَا لِلِاخْتِصَاصِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْآثَارِ مِنْ تَعَدِّي ضَرَرِ الْإِسَاءَةِ إِلَى غَيْرِ الْمُذْنِبِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ضَرَرَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَتَعَدَّهُمْ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَكَلُّفٌ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ الْأُخْرَوِيَّيْنِ لَا يَتَعَدَّيَانِ وَهُمَا الْمُرَادُ هُنَا، وَقِيلَ: اللَّامُ لِلنَّفْعِ كَالْأُولَى لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ، وَتَعْمِيمُ الْإِحْسَانِ وَمُقَابِلِهِ بِحَيْثُ يَشْمَلَانِ الْمُتَعَدِّيَ وَاللَّازِمَ هُوَ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَفُسِّرَ الْإِحْسَانُ بِفِعْلِ مَا يُسْتَحْسَنُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَالْإِسَاءَةُ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَنْسَبُ وَأَتَمُّ؛ وَلِذَا قِيلَ: إِنَّ تَكْرِيرَ الْإِحْسَانِ فِي النَّظْمِ الْكَرِيمِ دُونَ الْإِسَاءَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَانِبَ الْإِحْسَانِ أَغْلَبُ، وَأَنَّهُ إِذَا فُعِلَ يَنْبَغِي تَكْرَارُهُ بِخِلَافِ ضِدِّهِ.
وَجَاءَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَحْسَنْتُ إِلَى أَحَدٍ وَلَا أَسَأْتُ إِلَيْهِ وَتَلَا الْآيَةَ.
وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا عَلَى مَا قَالَ
الْقُطْبُ أَنَّهُ لَمَّا عَصَوْا سَلَّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَنْ قَصَدَهُمْ بِالنَّهْبِ وَالْأَسْرِ، ثُمَّ لَمَّا تَابُوا وَأَطَاعُوا حَسُنَتْ حَالُهُمْ فَظَهَرَ أَنَّ إِحْسَانَ الْأَعْمَالِ وَإِسَاءَتَهَا مُخْتَصٌّ بِهِمْ، وَالْآيَةُ تَضَمَّنَتْ ذَلِكَ، وَفِيهَا مِنَ التَّرْغِيبِ بِالْإِحْسَانِ وَالتَّرْهِيبِ مِنَ الْإِسَاءَةِ مَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْمَرَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7الآخِرَةِ مِنْ (مَرَّتَيْ) إِفْسَادِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7لِيَسُوءُوا مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ حُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا سَبَقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَوَابُ إِذَا؛ أَيْ: بَعَثْنَاهُمْ لِيَسُوءُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وُجُوهَكُمْ أَيْ: لِيَجْعَلَ الْعِبَادُ الْمَبْعُوثُونَ آثَارَ الْمَسَاءَةِ وَالْكَآبَةِ بَادِيَةً فِي وُجُوهِكُمْ، فَإِنَّ الْأَعْرَاضَ النَّفْسَانِيَّةَ تَظْهَرُ فِيهَا فَيَظْهَرُ بِالْفَرَحِ النَّضَارَةُ وَالْإِشْرَاقُ، وَبِالْحُزْنِ وَالْخَوْفِ الْكُلُوحُ وَالسَّوَادُ، فَالْوُجُوهُ عَلَى حَقِيقَتِهَا، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعَبَّرَ بِالْوَجْهِ عَنِ الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُمْ سَاءُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالسَّبْيِ فَحَصَلَتِ الْإِسَاءَةُ لِلذَّوَاتِ كُلِّهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْوُجُوهِ سَادَاتُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ أَهُوَ هُوَ كَمَا تَرَى.
وَاخْتِيرَ هَذَا عَلَى لِيَسُوؤُكُمْ مَعَ أَنَّهُ أَحْضَرُ وَأَظْهَرُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ جُمِعَ عَلَيْهِ أَلَمُ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَلِيُتَبِّرُوا إِلَخْ، وَقِيلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فَإِذَا جَاءَ هُنَا مَعَ كَوْنِهِ مِنْ تَفْصِيلِ الْمُجْمَلِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فَالظَّاهِرُ: فَإِذَا جَاءَ، وَإِذَا جَاءَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَجِيءَ وَعْدِ عِقَابِ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ لَمْ يَتَرَاخَ عَنْ كَثْرَتِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ دَلَالَةً عَلَى شِدَّةِ شَكِيمَتِهِمْ فِي كُفْرَانِ النِّعَمِ، وَإِنَّهُمْ كُلَّمَا ازْدَادُوا عِدَّةً وَعِدَّةً زَادُوا عُدْوَانًا وَعِزَّةً إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ أَسْبَابُ الثَّرْوَةِ وَالْكَثْرَةِ، فَاجَأَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْغِرَّةِ نَعُوذُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ مُبَاغَتَةِ عَذَابِهِ.
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16447وَابْنُ عَامِرٍ nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةُ: (لِيَسُؤَ) عَلَى التَّوْحِيدِ وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِلْوَعْدِ أَوْ لِلْبَعْثِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ الْمَحْذُوفِ، وَالْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ وَحَقِيقِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ.
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ (لِنَسُوءَ) بِنُونِ الْعَظَمَةِ؛ فَإِنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ: (لِنَسُؤْنَ) بِلَامِ الْأَمْرِ وَنُونِ الْعَظَمَةِ أَوَّلَهُ، وَنُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ آخِرَهُ، وَدَخَلَتْ لَامُ الْأَمْرِ عَلَى فِعْلِ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=12وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَجَوَابُ إِذَا عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ هُوَ الْجُمْلَةُ الْإِنْشَائِيَّةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ جَوَابًا بِدُونِهَا.
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ أَيْضًا: (لِنَسُوءَنَّ) وَ (لَيَسُوءَنَّ) بِالنُّونِ وَالْيَاءِ أَوَّلًا وَنُونِ التَّوْكِيدِ الشَّدِيدَةِ آخِرًا.
وَاللَّامُ فِي ذَلِكَ
[ ص: 20 ] لَامُ الْقَسَمِ، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الْقَسَمِ سَادَّةٌ مَسَدَّ جَوَابِ إِذَا، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ لَامُ كَيْ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ قَبْلَهُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِبَعَثْنَا الْمَحْذُوفِ أَيْضًا، وَجُوِّزَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ جُمْلَةٍ عَلَى أُخْرَى، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ بِلَامِ الْأَمْرِ أَوْ لَامِ الْقَسَمِ فِيمَا تَقَدَّمَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لَامَ الْأَمْرِ، وَأَنْ تَكُونَ لَامَ كَيْ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَهُوَ مَفْعُولُ يَدْخُلُوا، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي نَحْوِ دَخَلْتُ الْبَيْتَ إِنَّكَ تُرِيدُ دَخَلْتُ إِلَى الْبَيْتِ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَانْتَصَبَ الْبَيْتُ انْتِصَابَ الْمَفْعُولِ بِهِ، وَتَحْقِيقُهُ فِي مَحَلِّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7كَمَا دَخَلُوهُ أَيْ: دُخُولًا كَائِنًا كَدُخُولِهِمْ إِيَّاهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7أَوَّلَ مَرَّةٍ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْ: كَائِنَيْنِ كَمَا دَخَلُوهُ، وَ ( أُولَ ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمَانِيَّةِ، وَالْمُرَادُ مِنَ التَّشْبِيهِ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهُ بِالسَّيْفِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْإِذْلَالِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ هَذَا يُبْعِدُ قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ وَلَا قَتْلٌ وَلَا نَهْبٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَلِيُتَبِّرُوا أَيْ: يُهْلِكُوا، وَقَالَ قُطْرُبٌ: يَهْدِمُوا، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَمَا النَّاسُ إِلَّا عَامِلَانِ فَعَامِلٌ يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْهَدْمُ إِهْلَاكٌ أَيْضًا، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ التَّتْبِيرَ كَلِمَةٌ نِبْطِيَّةٌ.
مَا
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7عَلَوْا أَيِ الَّذِي غَلَبُوهُ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ، فَمَا اسْمُ مَوْصُولٍ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ إِمَّا مَفْعُولٌ أَوْ مَجْرُورٌ عَلَى مَا قِيلَ، وَجُوِّزَ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً ظَرْفِيَّةً، أَيْ: لِيُتَبِّرُوا مُدَّةَ دَوَامِهِمْ غَالِبِينَ قَاهِرِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7تَتْبِيرًا فَظِيعًا لَا يُوصَفُ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ هَؤُلَاءِ الْعِبَادِ الْمَبْعُوثِينَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرُوا قَتْلَ
يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْإِفْسَادِ الْأَخِيرِ، فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهُمْ
بُخْتَنَصَّرُ وَجُنُودُهُ، وَتَعَقَّبَهُ
السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ قَتْلَ
يَحْيَى بَعْدَ رَفْعِ
عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ
وَبُخْتَنَصَّرُ كَانَ قَبْلَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ، وَقِيلَ:
الْإِسْكَنْدَرُ وَجُنُودُهُ، وَتَعَقَّبَهُ أَيْضًا بِأَنَّ بَيْنَ
الْإِسْكَنْدَرِ وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ إِفْسَادَهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ بِقَتْلِ شَعْيَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَبْعُوثُ عَلَيْهِمْ
بُخْتَنَصَّرَ وَمَنْ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ حَيًّا، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16414عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ الَّذِي غَزَاهُمْ مَلِكُ
خَرْدُوشَ وَتَوَلَّى قَتْلَهُمْ عَلَى دَمِ
يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِدٌ لَهُ فَسَكَنَ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ صَاحِبَ الْجَيْشِ دَخَلَ مَذْبَحَ قَرَابِينِهِمْ فَوَجَدَ فِيهِ دَمًا يَغْلِي فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: دَمُ قُرْبَانٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنَّا. فَقَالَ: مَا صَدَقْتُمُونِي فَقَتَلَ عَلَيْهِ أُلُوفًا مِنْهُمْ فَلَمْ يَهْدَأِ الدَّمُ. ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ تَصْدُقُونِي مَا تَرَكْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا. فَقَالُوا: إِنَّهُ دَمُ
يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: بِمِثْلِ هَذَا يَنْتَقِمُ رَبُّكُمْ مِنْكُمْ. ثُمَّ قَالَ: يَا
يَحْيَى، قَدْ عَلِمَ رَبِّي وَرَبُّكَ مَا أَصَابَ قَوْمَكَ مِنْ أَجْلِكَ فَاهْدَأْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ لَا أُبْقِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ فَهَدَأَ، وَاخْتَارَ فِي الْكَشْفِ - وَقَالَ: هُوَ الْحَقُّ - إِنَّ الْمَبْعُوثَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ
بِيرْدُوسُ مِنْ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ، وَكَأَنَّهُ هُوَ
خِرْدُوشُ الَّذِي مَرَّ آنِفًا، فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ مَلِكُ
بَابِلَ مِنْ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ.
وَقِيلَ: اسْمُهُ جُوزُورُ وَهَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ ظَهَرُوا بَعْدَ قَتْلِ
الْإِسْكَنْدَرِ دَارَا وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى مُلْكِ
الْفُرْسِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِصُنْعِ
الْإِسْكَنْدَرِ مُتَّبِعًا فِيهِ رَأَيَ مُعَلِّمِهِ
أَرِسْطُو، وَعُدَّتُهُمْ تَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ مَلِكًا، وَمُدَّةُ مُلْكِهِمْ عَلَى مَا فِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ خَمْسُمِائَةٍ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَحَصَلَ اجْتِمَاعُ
الْفُرْسِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى
أَرْدِشِيرَ بْنِ بَابِكَ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَكَانَ أَحَدُ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ عَلَى إِصْطَخْرَ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَلِكُ الْمَبْعُوثُ لِفَسَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِقَتْلِ
يَحْيَى عَلَيْهِ
[ ص: 21 ] السَّلَامُ مِنْ أَوَاخِرِ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَكُونُ بَيْنَ هَذَا الْبَعْثِ وَالْبَعْثِ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَبْعُوثَ
بُخْتَنَصَّرُ وَأَتْبَاعُهُ مُدَّةً مُتَطَاوِلَةً، فَفِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ قَتْلَ
الْإِسْكَنْدَرِ دَارَا بَعْدَ
بُخْتَنَصَّرَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَبَعْدَ مُضِيِّ نَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ غَلَبَةِ
الْإِسْكَنْدَرِ وُلِدَ
الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ يَحْيَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِزَمَانٍ، وَالْبَعْثَ بَعْدَ الْقَتْلِ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ بَيْنَ الْبَعْثَيْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْيَهُودُ أَنَّ الْمَبْعُوثَ أَوَّلًا
بُخْتَنَصَّرُ، وَكَانَ فِي زَمَنِ
أَرْمِيَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ أَنْذَرَهُمْ مَجِيئَهُ صَرِيحًا بَعْدَ أَنْ نَهَاهُمْ عَنِ الْفَسَادِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُهُ فَحَبَسُوهُ فِي بِئْرٍ وَجَرَحُوهُ، وَكَانَ تَخْرِيبُهُ
لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةَ عَشَرَ مِنْ حُكْمِهِ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَهُبُوطِ آدَمَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَبَقِيَ خَرَابًا سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ إِنَّ
أَسْبِيَانُوسَ قَيْصَرَ
الرُّومِ وَجَّهَ وَزِيرَهُ
طُوطُوزَ إِلَى خَرَابِهِ فَخَرَّبَهُ سَنَةَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَيَكُونُ بَيْنَ الْبَعْثَيْنِ عِنْدَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. وَنِعْمَ مَا قِيلَ: إِنَّ مَعْرِفَةَ الْأَقْوَامِ الْمَبْعُوثِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَتَارِيخِ الْبَعْثِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَبِيرُ غَرَضٍ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَتْ مَعَاصِيهِمْ سَلَّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَنْ يَنْتَقِمُ مِنْهُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي اتِّحَادَ الْمَبْعُوثِينَ أَوَّلًا وَثَانِيًا، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ يَجْعَلُ رُجُوعَ الضَّمَائِرِ لِلْعِبَادِ عَلَى حَدِّ رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلدِّرْهَمِ فِي قَوْلِكَ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ. فَافْهَمْ.