ويوم يقول أي الله تعالى للكفار توبيخا وتعجيزا بواسطة أو بدونها. وقرأ الأعمش وطلحة ويحيى وابن أبي ليلى وحمزة «نقول» بنون العظمة، والكلام على معنى: اذكر أيضا؛ أي: واذكر يوم يقول وابن مقسم: نادوا للشفاعة لكم شركائي الذين زعمتم
أي: زعمتموهم شفعاء، والإضافة باعتبار ما كانوا يزعمون أيضا فإنهم كانوا يزعمون أنهم شركاء كما يزعمون أنهم شفعاء، وقد جوز غير واحد هنا أن يكون الكلام بتقدير زعمتموهم شركاء، والمراد بهم إبليس وذريته، وجعلهم بدلا فيما تقدم مبني على ما لزم من فعل عبدتهم المطيعين لهم فيما وسوسوا به أو كل ما عبد من دون الله تعالى.
وقرأ «شركاي» مقصورا مضافا إلى الياء ابن كثير: فدعوهم أي: نادوهم للإغاثة، وفيه بيان بكمال اعتنائهم بإغاثتهم على طريق الشفاعة؛ إذ معلوم أن لا طريق إلى المدافعة فلم يستجيبوا لهم فلم يغيثوهم؛ إذ لا إمكان لذلك، قيل: وفي إيراده مع ظهوره تهكم بهم وإيذان بأنهم في الحماقة بحيث لا يفهمونه إلا بالتصريح به.
وجعلنا بينهم أي: بين الداعين والمدعوين موبقا اسم مكان من وبق وبوقا كوثب وثوبا أو وبق وبقا كفرح فرحا إذا هلك؛ أي: مهلكا يشتركون فيه وهو النار، وجاء عن ابن عمر وأنس أنه واد في جهنم يجري بدم وصديد، وعن ومجاهد أنه نهر في النار يسيل نارا على حافتيه حيات أمثال البغال الدهم، فإذا ثارت إليهم لتأخذهم استغاثوا بالاقتحام في النار منها، وتفسير الموبق بالمهلك مروي عن عكرمة رضي الله تعالى عنهما وعن ابن عباس وغيرهما، وعن مجاهد تفسيره بالعداوة فهو مصدر أطلق على سبب الهلاك وهو العداوة كما أطلق التلف على البغض المؤدي إليه في قول الحسن رضي الله تعالى عنه: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا. عمر
وعن تفسيره بالمحبس، ومعنى كون الموبق على سائر تفاسيره بينهم شموله لهم وكونهم مشتركين فيه كما يقال: جعلت المال بين زيد وعمرو فكأنه ضمن ( جعلنا ) معنى قسمنا وحينئذ لا يمكن إدخال عيسى [ ص: 299 ] الربيع بن أنس وعزير والملائكة عليهم السلام ونحوهم في الشركاء على القول الثاني.
وقال بعضهم: معنى كون الموبق أي المهلك أو المحبس بينهم أنه حاجز واقع في البين، وجعل ذلك بينهم حسما لأطماع الكفرة في أن يصل إليهم ممن دعوه للشفاعة. وجاء عن بعض من فسره بالوادي أنه يفرق الله تعالى به بين أهل الهدى وأهل الضلالة، وعلى هذا لا مانع من شمول المعنى الثاني للشركاء لأولئك الأجلة.
وقال الثعالبي في فقه اللغة: الموبق بمعنى البرزخ البعيد على أن وبق بمعنى هلك أيضا؛ أي: جعلنا بينهم أمدا بعيدا يهلك فيه الأشواط لفرط بعده، وعليه أيضا يجوز الشمول المذكور؛ لأن أولئك الكرام عليهم السلام في أعلى الجنان وهؤلاء اللئام في قعر النيران، ولا يخفى على من له أدنى تأمل الحال فيما إذا أريد بالموبق العداوة.
و بينهم على جميع ما ذكر ظرف، وهو مفعول ثان لجعل إن جعل بمعنى صير و موبقا مفعوله الأول، وإن جعل بمعنى خلق كان الظرف متعلقا به أو بمحذوف وقع صفة لمفعوله قدم عليه لرعاية الفواصل فتحول حالا.
وقال الفراء والسيرافي: البين هنا بمعنى الوصل فإنه يكون بمعناه كما يكون بمعنى الفراق وهو مفعول أول لجعلنا و موبقا بمعنى هلاكا مفعوله الثاني، والمعنى: جعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة.