فأتت به قومها تحمله أي جاءتهم مع ولدها حاملة إياه على أن الباء للمصاحبة ولو جعلت للتعدية صح أيضا . والجملة في موضع الحال من ضمير مريم أو من ضمير ولدها . وكان هذا المجيء على ما أخرج سعيد بن منصور عن وابن عساكر بعد أربعين يوما حين طهرت من نفاسها قيل : إنها حنت إلى الوطن وعلمت أن ستكفى أمرها فأتت به، فلما دخلت عليهم تباكوا وقيل : هموا برجمها حتى تكلم ابن عباس عيسى عليه السلام .
وجاء في رواية عن أنها لما انتبذت من أهلها وراء الجبل فقدوها من محرابها فسألوا الحبر يوسف عنها فقال : لا علم لي بها وإن مفتاح باب محرابها عند زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب فلم يجدوها فاتهموه، فأخذوه ووبخوه فقال رجل : إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقعق في رأس الجذع الذي هي من تحته فانطلقوا إليه فلما رأتهم قد أقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به ثم كان ما كان .
فظاهر الآية والأخبار أنها جاءتهم به من غير طلب منهم ، وقيل : أرسلوا إليها: لتحضري إلينا بولدك وكان الشيطان قد أخبرهم بولادتها فحضرت إليهم به فلما رأوهما قالوا يا مريم لقد جئت فعلت شيئا فريا قال قتادة : عظيما ، وقيل : عجيبا . وأصله من فرى الجلد قطعه على وجه الإصلاح أو الإفساد ، وقيل : من أفراه كذلك . واختير الأول لأن فعيلا إنما يصاغ قياسا من الثلاثي . وعدم التفرقة بينه وبين المزيد في المعنى هو الذي ذهب إليه صاحب القاموس .
وفي الصحاح عن أن الفري القطع على وجه الإصلاح والإفراء على وجه الإفساد . وعن الكسائي مثل ذلك . وقيل الإفراء عام . وأيا ما كان فقد استعير الفري لما ذكر في تفسيره . وفي البحر أنه يستعمل في العظيم من الأمر شرا أو خيرا قولا أو فعلا . ومنه في وصف الراغب رضي الله تعالى عنه فلم أر عبقريا يفري فريه ، وفي المثل جاء يفري الفري . ونصب (شيئا) على أنه مفعول به . وقيل على أنه مفعول مطلق أي لقد جئت مجيئا عجيبا ، وعبر عنه بالشيء تحقيقا للاستغراب . عمر
[ ص: 88 ] وقرأ أبو حيوة فيما نقل ( فريا ) بسكون الراء وفيما نقل ابن عطية ابن خالويه ( فرأ ) بالهمزة