يا أيها الرسل كلوا من الطيبات حكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الإجمال لما خوطب به كل رسول في عصره جيء بها إثر حكاية إيواء عيسى وأمه عليهما السلام إلى الربوة إيذانا بأن ترتيب مبادي النعم لم تكن من خصائص عيسى عليه السلام بل إباحة الطيبات شرع قديم جرى عليه جميع الرسل عليهم السلام ووصوا به أي وقلنا لكل رسول كل من الطيبات واعمل صالحا فعبر عن تلك الأوامر المتعددة المتعلقة بالرسل بصيغة الجمع عند الحكاية إجمالا للإيجاز أو حكاية لما ذكر لعيسى وأمه عليهما السلام عند إيوائهما إلى الربوة ليقتديا بالرسل في تناول ما رزقا كأنه قيل آويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين وقلنا أو قائلين لهما هذا أي أعلمناهما أو معلميهما أن الرسل كلهم خوطبوا بهذا فكلا واعملا اقتداء بهم، وجوز أن يكون نداء لعيسى عليه السلام وأمرا له بأن يأكل من الطيبات،
فقد جاء في حديث مرسل عن حفص [ ص: 40 ] ابن أبي جبلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: يا أيها الرسل إلخ: ذاك عيسى ابن مريم كان يأكل من غزل أمه
، وعن الحسن ومجاهد وقتادة والسدي أنه نداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخطاب له والجمع للتعظيم واستظهر ذلك والكلبي وما وقع في شرح التلخيص تبعا النيسابوري، للرضي من أن قصد التعظيم بصيغة الجمع في غير ضمير المتكلم لم يقع في الكلام القديم خطأ لكثرته في كلام العرب مطلقا بل في جميع الألسنة وقد صرح به الثعالبي في فقه اللغة، والمراد بالطيبات على ما اختاره شيخ الإسلام وغيره ما يستطاب ويستلذ من مباحات المأكل والفواكه، واستدل له بأن السياق يقتضيه والأمر عليه للإباحة والترفيه وفيه وقيل المراد بالطيبات ما حل والأمر تكليفي، وأيد بتعقيبه بقوله تعالى: إبطال للرهبانية التي ابتدعتها النصارى، واعملوا صالحا أي عملا صالحا، وقد يؤيد بما
أخرجه في الزهد أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه وصححه والحاكم أم عبد الله أخت شداد بن أوس رضي الله تعالى عنها أنها بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم فرد إليها رسولها أنى لك هذا اللبن؟ قالت: من شاة لي فرد إليها رسولها أنى لك الشاة؟ فقالت: اشتريتها من مالي فشرب منه عليه الصلاة والسلام فلما كان من الغد أتته أم عبد الله فقالت: يا رسول الله بعثت إليك بلبن فرددت إلي الرسول فيه فقال صلى الله عليه وسلم لها: «بذلك أمرت الرسل قبلي أن لا تأكل إلا طيبا ولا تعمل إلا صالحا» عن
وكذا بما
أخرجه مسلم وغيرهما عن والترمذي قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي هريرة يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب فأنى يستجاب لذلك» يا أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المسلمين فقال:
وتقديم لأن أكل الحلال معين على العمل الصالح. الأمر بأكل الحلال
وجاء في بعض الأخبار وصح أن الله تعالى لا يقبل عبادة من في جوفه لقمة من حرام، ولعل تقديم الأمر الأول على تقدير حمل الطيب على ما يستلذ من المباحات لأنه أوفق بقوله تعالى: أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به. وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين وفي الأمر بعده بالعمل الصالح حث على الشكر.
إني بما تعملون من الأعمال الظاهرة والباطنة عليم فأجازيكم عليه، وفي البحر أن هذا تحذير للرسل عليهم السلام في الظاهر والمراد أتباعهم .