علام يعبدني قومي وقد كثرت فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان؟
وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة حالية أو مفسرة، أو على أنه بدل من (تلك) أو (نعمة) أو عطف أو منصوب على أنه بدل من الهاء في (تمنها) أو مجرور بتقدير الباء السببية أو اللام على أحد القولين في محل أن وما بعدها بعد حذف الجار، والقول الآخر أن محله النصب، وحاصل الرد أن ما ذكرت نعمة ظاهرا، وهي في الحقيقة نقمة، حيث كانت بسبب إذلال قومي، وقصدك إياهم بذبح أبنائهم، ولولا ذلك لم أحصل بين يديك، ولم أكن في مهد تربيتك، وقيل: ( تلك ) إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدرى ما هي إلا بتفسيرها وأن عبدت عطف بيان لها، والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي، وحاصل الرد إنكار ما امتن به أيضا، ويريد حمل الكلام على رد كون ذلك نعمة في الحقيقة قراءة «وتلك نعمة ما لك أن تمنها علي» وإلى ذلك ذهب الضحاك وكذا قتادة الأخفش إلا أنهما قالا بتقدير همزة الاستفهام للإنكار بعد الواو، والأصل: (وأتلك نعمة) إلخ، وأبى بعض النحاة حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع. والفراء
وقال : الظاهر أن هذا الكلام إقرار منه - عليه السلام - بنعمة فرعون، كأنه يقول: وتربيتك إياي نعمة علي من حيث إنك عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولدا، لكن لا يدفع ذلك رسالتي، وإلى هذا التأويل ذهب أبو حيان السدي وليس بذاك. والطبري
وأيا ما كان فالآية ظاهرة في أن كفر الكافر لا يبطل نعمته، وذهب بعضهم أن الكفر يبطل النعمة؛ لئلا يجتمع استحقاق المدح واستحقاق الذم، وفيه أنه لا ضير في ذلك لاختلاف جهتي الاستحقاقين.
هذا، وذهب إلى أن (إذا) في قوله تعالى: الزمخشري فعلتها إذا جواب وجزاء، وبين وجه كون الكلام جزاء بقوله: قول «وفعلت فعلتك» فيه معنى أنك جازيت نعمتي بما فعلت، فقال له موسى - عليه السلام -: نعم، فعلتها مجازيا لك؛ تسليما لقوله، كأن نعمته عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء.
واعترض بأن هذا لا يلائم قوله: وأنا من الضالين لأنه يدل على أنه اعترف بأنه فعل ذلك جاهلا أو ناسيا، وفي الكشف تحقيق ما ذكره أن الترتيب الذي هو معنى الشرط والجزاء حاصل، ولما كانا ماضيين كان ذلك تقديريا، كأنه قال: إن كان ذلك كفرانا بنعمتك فقد فعلته جزاء، ولكن الوصف - أي كونه كفرانا - غير الزمخشري ، وأمده بقوله: مسلم وتلك نعمة تمنها وفيه القول بالموجب أيضا.
وقوله: وأنا من الضالين على هذا كأنه اعتذار ثان، أي: كنت تستحق ذلك عندي، وأيضا كنت من الحائدين عن منهج الصواب لا في اعتقاد استحقاق مكافأة صنيعك بمثل تلك، ولكن في الإقدام قبل الإذن من الملك العلام.
والحاصل أنه نسبه إلى مقابلة الإحسان بالإساءة، وقررها بكونه كافرا، فأجاب - عليه السلام - بأن المقابلة حاصلة ولكن أين الإحسان؟ وما كنت كافرا بك - فإنه عين الهدى - بل ضالا في الإقدام على الفعل، وما كنت كافرا لنعمة منعم أصلا ولكن كنت فاعلا لذلك خطأ، ومنه ظهر أن قوله: وأنا من الضالين لا ينافي تقرير بل يؤيده اهـ. الزمخشري
[ ص: 71 ] ولا يخفى أن الأوفق بحديث الجزاء أن يكون المراد بقوله: (فعلتها وأنا من الضالين) فعلتها مقدما عليها من غير مبالاة، على أن الضلال بمعنى الجهل المفسر بالإقدام من غير مبالاة، لكن التزام كون (إذا) هنا للجواب والجزاء التزام ما لا يلزم، فإن الصحيح الذي قال به الأكثرون أنها قد تتمحض للجواب، وفي البحر أنهم حملوا ما في هذه الآية على ذلك، وتوجيه كونها للجزاء فيها بما ذكر لا يخلو عن تكلف، والأظهر عندي معنى ما آثره بعض أفاضل المحققين من أنها ظرف مقطوع عن الإضافة، ولا أرى فيه ما يقال سوى أنه معنى لم يذكره أكثر علماء العربية، وهم لم يحيطوا بكل شيء علما، وإن أبيت هذا فهي للجواب فقط، ومن العجيب قول : إنها هنا صلة في الكلام، ثم قوله: وكأنها بمعنى حينئذ، ولو اكتفى به على أنه تفسير معنى لكان له وجه، فتأمل، والله تعالى أعلم. ابن عطية