وقال سري الدين المصري - عليه الرحمة - في توجيه ما تدل عليه الفاء من التعقيب: إن رؤية العذاب تكون تارة بعد تقدم [ ص: 130 ] أماراته وظهور مقدماته ومشاهدة علاماته، وأخرى بغتة لا يتقدمها شيء من ذلك، فكانت رؤيتهم العذاب محتاجة إلى التفسير فعطف عليها بالفاء التفسيرية قوله تعالى: فيأتيهم بغتة وصح بينهما معنى التعقيب؛ لأن مرتبة المفسر في الذكر أن يقع بعد المفسر، كما فعل في التفصيل بالقياس إلى الإجمال، كما يستفاد من تحقيقات الشريف في شرح المفتاح.
ويمكن أن تكون الآية من باب القلب، كما هو أحد الوجوه في قوله تعالى: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا للمبالغة في مفاجأة رؤيتهم العذاب، حتى كأنهم رأوه قبل المفاجأة، والمعنى: حتى يأتيهم العذاب الأليم بغتة فيروه، انتهى.
وجعلها بعضهم للتفصيل، واعترض - على ما قال صاحب الكشاف - بأن العذاب الأليم منطو على شدة البغت، فلا يصح الترتيب والتعقيب الرتبي، وهو وهم كما لا يخفى.
والظاهر أن جملة (وهم لا يشعرون) حال مؤكدة لما يفيده (بغتة) فإنها - كما قال - مفاجأة الشيء من حيث لا يحتسب. الراغب
ثم إن هذه الرؤية وما بعدها إن كانت في الدنيا - كما قيل - فإتيان العذاب الأليم فيها بغتة مما لا خفاء فيه؛ لأنه قد يفاجئهم فيها ما لم يكن يمر بخاطرهم على حين غفلة، وإن كانت في الآخرة فوجه إتيانه فيها بغتة - على ما زعمه بعضهم - أن المراد به أن يأتيهم من غير استعداد له وانتظار، فافهم، واختار بعضهم أن ذلك أعم من أن يكون في الدنيا أو في الآخرة.
وقرأ الحسن «تأتيهم» بتاء التأنيث، وخرج ذلك وعيسى على أن الضمير للساعة، وأبو حيان على أنه للعذاب بتأويل العقوبة، وقال الزمخشري أبو الفضل الرازي: للعذاب وأنث لاشتماله على الساعة فاكتسى منها التأنيث؛ وذلك لأنهم كانوا يسألون عذاب القيامة؛ تكذيبا بها، انتهى.
وهو في غاية الغرابة، وكأنه اعتبر إضافة العذاب إلى الساعة معنى؛ بناء على أن المراد - بزعمه -: حتى يروا عذاب الساعة الأليم، وقال: باكتسائه التأنيث منها بسبب إضافته إليها؛ لأن الإضافة إلى المؤنث قد تكسي المضاف المذكر التأنيث كما في قوله:
كما شرقت صدر القناة من الدم
ولم أر أحدا سبقه إلى ذلك.
وقرأ «بغتة» بالتحريك، وفي حرف أبي - رضي الله تعالى عنه – (ويروه بغتة). الحسن