وأوحينا إلى أم موسى قيل: هي محيانة بنت يصهر بن لاوى، وقيل: يوخابذ وقيل: يارخا وقيل: يارخت، وقيل غير ذلك. والظاهر أن الإيحاء إليها كان بإرسال ملك، ولا ينافي حكاية أبي حيان الإجماع على عدم نبوتها، لما أن الملائكة عليهم السلام قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم، وإلى هذا ذهب قطرب وجماعة وقال منهم: إن الملك المرسل إليها هو مقاتل جبريل عليه السلام. وعن ابن عباس أنه كان إلهاما، ولا يأباه قوله تعالى: وقتادة إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين نعم هو أوفق بالأول. وقال قوم: إنه كان رؤيا منام صادقة قص فيها أمره عليه السلام، وأوقع الله تعالى في قلبها اليقين. وحكي عن أنها رأت في ذلك رؤيا، فقصتها على من تثق به من علماء بني إسرائيل فعبرها لها. وقيل: كان بإخبار نبي في عصرها إياها، والظاهر أن هذا الإيحاء كان بعد الولادة، وفي الأخبار ما يشهد له، فيكون في الكلام جملة محذوفة، وكأن التقدير والله تعالى أعلم: ووضعت الجبائي موسى أمه في زمن الذبح فلم تدر ما تصنع في أمره وأوحينا إليها أن أرضعيه وقيل: كان قبل الولادة، وأن تفسيرية أو مصدرية، والمراد أن أرضعيه ما أمكنك إخفاؤه. وقرأ عمر بن عبد الواحد أن ارضعيه بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس لأن القياس فيه نقل حركتها وهي الفتحة إلى النون كما في قراءة وعمر بن عبد العزيز ورش.
فإذا خفت عليه من جواسيس فرعون ونقبائه الذين يقتلون الأبناء، أو من الجيران ونحوهم أن ينموا عليه فألقيه في اليم أي في البحر. والمراد به النيل، ويسمى مثله بحرا، وإن غلب في غير العذب ولا تخافي عليه ضيعة أو شدة من عدم رضاعه في سن الرضاع ولا تحزني من مفارقتك إياه إنا رادوه إليك عن قريب بحيث تأمنين عليه ويومئ إلى القرب السياق، وقيل التعبير باسم الفاعل لأنه حقيقة في الحال ويعتبر لذلك في قوله سبحانه: وجاعلوه من المرسلين ولا يضر تفاوت القربين، والجملة تعليل للنهي عن الخوف والحزن، وإيثار الجملة الاسمية وتصديرها بحرف التحقيق للاعتناء بتحقيق مضمونها أي إنا فاعلون رده، وجعله من المرسلين لا محالة، واستفصح امرأة من الأصمعي العرب أنشدت شعرا فقالت: أبعد قوله تعالى: وأوحينا إلى أم موسى الآية فصاحة وقد جمع بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.