وهو الله أي وهو تعالى المستأثر بالألوهية المختص بها، وقوله سبحانه: لا (إله إلا هو تقرير لذلك كقولك: الكعبة القبلة لا قبلة إلا هي.
له الحمد في الأولى والآخرة أي له تعالى ذلك دون غيره سبحانه لأنه جل جلاله المعطي لجميع النعم بالذات وما سواه وسائط، والمراد بالحمد هنا ما وقع في مقابلة النعم بقرينة ذكرها بعده بقوله تعالى: قل أرأيتم إلخ.
وزعم بعضهم أن الحمد هنا أعم من الشكر، واعتبر الحصر بالنسبة إلى مجموع حمدي الدارين زاعما أن الحمد في الدنيا وإن شاركه فيه غيره تعالى لكن الحمد في الآخرة لا يكون إلا له تعالى، وفيه أن الحمد مطلقا مختص به تعالى لأن الفضائل والأوصاف الجميلة كلها بخلقه تعالى فيرجع الحمد عليها في الآخرة له تعالى لأنه جل وعلا مبديها ومبدعها، ولو نظر إلى الظاهر لم يكن حمد الآخرة مختصا به سبحانه أيضا فإن نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم يحمده الأولون والآخرون عند الشفاعة الكبرى، وفسر غير واحد حمده تعالى في الآخرة بقول المؤمنين:
الحمد لله الذي صدقنا وعده [الزمر: 74]، وقولهم: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [فاطر: 34]، وقولهم: الحمد لله رب العالمين [الفاتحة: 2]، وقالوا: التحميد هناك على وجه اللذة لا الكلفة، وفي حديث رواه مسلم عن وأبو داود في وصف أهل الجنة جابر يلهمون التسبيح والتهليل كما يلهمون النفس وله الحكم أي القضاء النافذ في كل شيء من غير مشاركة فيه لغيره تعالى، وعن رضي الله تعالى عنهما أي له الحكم بين عباده تعالى فيحكم لأهل طاعته بالمغفرة والفضل ولأهل معصيته بالشقاء والويل ابن عباس وإليه سبحانه لا إلى غيره.
ترجعون بالبعث قل تقريرا لما ذكر أرأيتم أي أخبروني، وقرأ «أريتم» بحذف الهمزة الكسائي إن جعل الله عليكم الليل سرمدا أي دائما وهو عند البعض من السرد وهو المتابعة والاطراد والميم مزيدة لدلالة الاشتقاق عليه فوزنه فعمل ونظيره دلامص من الدلاص، يقال: درع دلاص أي ملساء لينة.
واختار بعض النحاة أن الميم أصلية فوزنه فعلل لأن الميم لا تنقاس زيادتها في الوسط، ونصبه إما على أنه مفعول ثان لجعل أو على أنه حال من الليل، وقوله تعالى: إلى يوم القيامة إما متعلق بسرمدا أو بجعل وجوز أيضا تعلقه بمحذوف وقع صفة لسرمدا وجعله تعالى كذلك بإسكان الشمس تحت الأرض مثلا وقوله تعالى: أبو البقاء من إله مبتدأ وخبر، وقوله سبحانه: غير الله صفة لـ إله. وقوله تعالى: يأتيكم بضياء صفة أخرى له عليها يدور أمر التبكيت والإلزام كما في قوله تعالى: قل من يرزقكم من السماء والأرض [سبأ: 24]، وقوله سبحانه:
فمن يأتيكم بماء معين [الملك: 30] ونظائرهما خلا إنه قصد بيان انتفاء الموصوف بانتفاء الصفة، ولم [ ص: 107 ] يؤت بهل التي هي لطلب التصديق المناسب بحسب الظاهر للمقام، وأتى بمن التي هي لطلب التعيين المقتضي لأصل الوجود لإيراد التبكيت والإلزام على زعمهم فإنه أبلغ كما لا يخفى، وجملة من إله إلخ قال في موضع المفعول الثاني لـ أرأيتم وجعل الليل مما تنازع فيه أرأيتم وجعل وقال: إنه أعمل فيه الثاني فيكون المفعول الأول للأول محذوفا، وحيث جعلت تلك الجملة في موضع مفعوله الثاني لا بد من تقدير العائد فيها أي من إله غيره يأتيكم بضياء بدله مثلا، وجواب إن محذوف دل عليه ما قبله، وكذا يقال في الآية بعد، وعن ابن كثير أنه قرأ «بضآء» بهمزتين أبو حيان: أفلا تسمعون سماع فهم وقبول الدلائل الباهرة والنصوص المتظاهرة لتعرفوا أن غير الله تعالى لا يقدر على ذلك