ولنذيقنهم من العذاب الأدنى أي الأقرب، وقيل: الأقل، وهو عذاب الدنيا، فإنه أقرب من عذاب الآخرة وأقل منه، واختلف في المراد به، فروى وجماعة وصححه النسائي عن الحاكم، أنه سنون أصابتهم، وروي ذلك عن ابن مسعود النخعي، ، وروى ومقاتل وآخرون وصححه الطبراني عن والحاكم أيضا أنه ما أصابهم يوم ابن مسعود بدر. وروي نحوه عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما بلفظ هو القتل بالسيف، نحو يوم بدر، وعن القتل والجوع. مجاهد
وأخرج مسلم، في زوائد المسند، وعبد الله بن أحمد وأبو عوانة في صحيحه، وغيرهم عن أنه قال: هو مصائب الدنيا، والروم، والبطشة، والدخان، وفي لفظ أبي بن كعب أو الدخان. مسلم:
وأخرج ابن المنذر، ، عن وابن جرير أنه قال: هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها، وفي رواية عنه وعن ابن عباس ، الضحاك بلفظ: مصائب الدنيا في الأنفس والأموال، وفي معناه ما أخرج وابن زيد ابن مردويه، عن أبي إدريس الخولاني قال: سألت عن قوله تعالى: عبادة بن الصامت ولنذيقنهم الآية فقال: سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عنها فقال عليه الصلاة والسلام: هي المصائب والأسقام والآصار عذاب للمسرف [ ص: 135 ] في الدنيا دون عذاب الآخرة قلت: يا رسول الله، فما هي لنا؟ قال: زكاة وطهور، وفي رواية عن أنه الحدود. ابن عباس
وأخرج هنا عن أنه فسره بعذاب القبر، وحكي عن أبي عبيدة أيضا مجاهد دون العذاب الأكبر هو عذاب يوم القيامة، كما روي عن وغيره، وقال ابن مسعود، : لا خلاف في أنه ذلك، وفي التحرير: إن أكثرهم على أن العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة في النار، وقيل: هو القتل، والسبي، والأسر. ابن عطية
وعن جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما أنه خروج المهدي بالسيف انتهى.
وعليهما يفسر العذاب الأدنى بالسنين، أو الأسقام أو نحو ذلك مما يكون أدنى مما ذكر، وعن بعض أهل البيت تفسيره بالدابة والدجال، والمعول عليه ما عليه الأكثر.
وإنما لم يقل الأصغر في مقابلة ( الأكبر )، أو الأبعد في مقابلة ( الأدنى )، لأن المقصود هو التخويف والتهديد، وذلك إنما يحصل بالقرب، لا بالصغر، وبالكبر لا بالبعد، قاله ملخصا له من كلام الإمام، وكذا أوجب النيسابوري إلا أنه قال: إن الأدنى يتضمن الأصغر لأنه منقض بموت المعذب، والأكبر يتضمن الأبعد لأنه واقع في الآخرة فحصلت المقابلة من حيث التضمن، وصرح بما هو آكد في التخويف أبو حيان لعلهم يرجعون أي لعل من بقي منهم يتوب، قاله ابن مسعود، وقال : أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله تعالى: الزمخشري فارجعنا نعمل صالحا [السجدة: 12]، وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [المائدة: 6]، ويدل عليه قراءة من قرأ «يرجعون» على البناء للمفعول انتهى.
وهو على ما حكي عن ، وروي عن مجاهد فيتعلق ( لعلهم ) إلخ، بقوله تعالى: أبي عبيدة، ولنذيقنهم من العذاب الأدنى كما في الأول، إلا أن الرجوع هنالك التوبة، وها هنا الرجوع إلى الدنيا، ويكون من باب فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص: 8]، أو يكون الترجي راجعا إليهم، ووجه دلالة القراءة المذكورة عليه أنه لا يصح الحمل فيها على التوبة، والظاهر التفسير المأثور، والقراءة لا تأباه لجواز أن يكون المعنى عليهم لعلهم يرجعهم ذلك العذاب عن الكفر إلى الإيمان، و(لعل) لترجي المخاطبين كما فسرها بذلك ، وعن سيبويه تفسيرها هنا بكي، وكأن المراد كي نعرضهم بذلك للتوبة، وجعلها ابن عباس لترجيه سبحانه، ولاستحالة حقيقة ذلك منه عز وجل حمله على إرادته تعالى، وأورد على ذلك سؤالا أجاب عنه على مذهبه في الاعتزال، فلا تلتفت إليه، هذا والآيات من قوله تعالى: الزمخشري أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا إلى هنا نزلت في كرم الله وجهه، علي والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي رضي الله تعالى عنه لأمه عثمان بن عفان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.
أخرج أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني، والواحدي، وابن عدي، وابن مردويه، ، والخطيب من طرق عن وابن عساكر قال: قال ابن عباس الوليد بن عقبة كرم الله تعالى وجهه: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك، فقال لعلي رضي الله تعالى عنه: اسكت، فإنما أنت فاسق، فنزلت علي أفمن كان مؤمنا إلخ.
وأخرج عن ابن أبي حاتم، نحو ذلك، وأخرج هذا أيضا عن السدي عبد الرحمن بن أبي ليلى أنها نزلت في كرم الله تعالى وجهه، علي والوليد بن عقبة، ولم يذكر ما جرى.
وفي رواية أخرى عنه أنها نزلت في كرم الله تعالى وجهه، ورجل من قريش ولم يسمه. علي
وفي الكشاف روي في نزولها أنه شجر بين رضي [ ص: 136 ] الله تعالى عنه، علي والوليد بن عقبة يوم بدر كلام، فقال له الوليد: اسكت، فإنك صبي أنا أشب منك شبابا، وأجلد منك جلدا، وأذرب منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأشجع منك جنانا، وأملأ منك حشوا في الكتيبة، فقال له كرم الله تعالى وجهه: اسكت، فإنك فاسق، فنزلت. علي
ولم نره بهذا اللفظ مسندا، وقال الخفاجي: قال ابن حجر : إنه غلط فاحش، فإن الوليد لم يكن يوم بدر رجلا، بل كان طفلا، لا يتصور منه حضور بدر وصدور ما ذكر.
ونقل الجلال السيوطي عن الشيخ ولي الدين: هو غير مستقيم، فإن الوليد يصغر عن ذلك، وأقول: بعض الأخبار تقتضي أنه لم يكن مولودا يوم بدر أو كان صغيرا جدا، أخرج في السنن من طريق أبو داود ثابت بن الحجاج عن أبي موسى عبد الله الهمداني عنه أنه قال: مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم فأتي بي إليه عليه الصلاة والسلام وأنا مخلق، فلم يمسني من أجل الخلوق، إلا أن لما افتتح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: إن ابن عبد البر أبا موسى مجهول، وأيضا ذكر وغيره من أهل العلم بالسير أن الزبير، لما خرجت مهاجرة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الهدنة سنة سبع خرج أخواها أم كلثوم بنت عقبة الوليد وعمارة ليرداها، وهو ظاهر في أنه لم يكن صبيا يوم الفتح، إذ من يكون كذلك كيف يكون ممن خرج ليرد أخته قبل الفتح، وبعض الأخبار تقتضي أنه كان رجلا يوم بدر، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة أنه قدم في فداء ابن عم أبيه الحارث بن أبي وجرة بن أبي عمرو بن أمية، وكان أسر يوم بدر، فافتداه بأربعة آلاف، وقال: حكاه أهل المغازي، ولم يتعقبه بشيء، وسوق كلامه ظاهر في ارتضائه، ووجه اقتضائه ذلك أن ما تعاطاه من أفعال الرجال دون الصبيان، وهذا الذي ذكرناه عن ابن حجر يخالف ما ذكره عنه الخفاجي عليه الرحمة مما مر آنفا، ولا ينبغي أن يقال: يجوز أن يكون صغيرا ذلك اليوم صغرا يمكن معه عادة الحضور، فحضر، وجرى ما جرى لأن وصفه بالفسق بمعنى الكفر والوعيد عليه بما سمعت في الآيات مع كونه دون البلوغ مما لا يكاد يذهب إليه إلا من يلتزم أن التكليف بالإيمان إذ ذاك كان مشروطا بالتمييز، ولا أن يقال: يجوز أن تكون هذه القصة بعد إسلامه، وقد أطلق عليه فاسق وهو مسلم في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [الحجرات: 6]، فقد قال لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن إنها نزلت فيه، حيث إنه صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقا إلى بني المصطلق فعاد، وأخبر أنهم ارتدوا، ومنعوا الصدقة، ولم يكن الأمر كذلك، لأن الفسق ها هنا بمعنى الكفر، وهناك ليس كذلك، ثم اعلم أن القول بأنها نزلت في ابن عبد البر: كرم الله تعالى وجهه علي والوليد لكلام جرى يوم بدر يقتضي أنها مدنية، والمختار عند بعضهم خلافه.