وقوله تعالى : النار مبتدأ وجملة قوله تعالى : يعرضون عليها غدوا وعشيا خبره والجملة تفسير لقوله تعالى : وحاق .. إلخ . .
وجوز أن تكون ( النار ) بدلا من ( سوء العذاب ويعرضون ) في موضع الحال منها أو من الآل ، وأن تكون النار خبر مبتدأ محذوف هو ضمير ( سوء العذاب ) كأنه قيل : ما سوء العذاب ؟ فقيل : هو النار ، وجملة ( يعرضون ) تفسير على ما مر ، وفي الوجه الأول من تعظيم أمر النار وتهويل عذابها ما ليس في هذا الوجه كما ذكره صاحب الكشاف ، ومنشأ التعظيم على ما في الكشف الإجمال والتفسير في كيفية تعذيبهم وإفادة كل من الجملتين نوعا من التهويل . الأولى الإحاطة بعذاب يستحق أن يسمى سوء العذاب . والثانية النار المعروض عليها غدوا وعشيا . والسر في إفادة تعظيم النار في هذا الوجه دون ما تضمن تفسير ( سوء العذاب ) وبيان كيفية التعذيب أنك إذا فسرت ( سوء العذاب ) بالنار فقد بالغت في تعظيم سوء العذاب . ثم استأنفت بيعرضون عليها تتميما لقوله تعالى : وحاق بآل فرعون من غير مدخل للنار فيما سيق له الكلام ، وإذا جئت بالجملتين من غير نظر إلى المفردين وإن أحدهما تفسير للآخر فقد قصدت بالنار قصد الاستقلال حيث جعلتها معتمد الكلام وجئت بالجملة بيانا وإيضاحا للأولى كأنك قد آذنت بأنها أوضح لاشتمالها على ما لا أسوأ منه أعني النار على أن من موجبات تقديم المسند إليه إنباؤه عن التعظيم مع اقتضاء المقام له وها هنا كذلك على ما لا يخفى ، والتركيب أيضا يفيد التقوى على نحو زيد ضربته .
ومن هنا قال صاحب الكشف : هذا هو الوجه ، وأيد بقراءة من نصب ( النار ) بناء على أنها ليست منصوبة بأخص أو أعني بل بإضمار فعل يفسره ( يعرضون ) مثل يصلون فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم : عرض الأسارى على السيف قتلوا به ، وهو من باب الاستعارة التمثيلية بتشبيه حالهم بحال متاع يبرز لمن يريد أخذه ، وفي ذلك جعل النار كالطالب الراغب فيهم لشدة استحقاقهم الهلاك ، وهذا العرض لأرواحهم .
أخرج ابن أبي شيبة وهناد عن وعبد بن حميد هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها .
وأخرج عبد الرزاق عن وابن أبي حاتم نحو ذلك ، وهذه الطير صور تخلق لهم من صور أعمالهم ، وقيل : ذاك من باب التمثيل وليس بذاك ، وذكر الوقتين ظاهر في التخصيص بمعنى أنهم يعرضون على النار صباحا مرة ومساء مرة أي فيما هو صباح ومساء بالنسبة إلينا ، ويشهد له ما أخرجه ابن مسعود ابن المنذر في شعب الإيمان وغيرهما عن والبيهقي أنه كان له صرختان في كل يوم غدوة وعشية كان يقول أول النهار : ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل أبي هريرة فرعون على النار ، ويقول أول الليل : ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون [ ص: 74 ] على النار فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله تعالى من النار ، والفصل بين الوقتين إما بترك العذاب أو بتعذيبهم بنوع آخر غير النار .
وجوز أن يكون المراد التأبيد اكتفاء بالطرفين المحيطين عن الجميع ، وأيا ما كان ففي الآية دليل ظاهر على بقاء النفس وعذاب البرزخ لأنه تعالى بعد أن ذكر ذلك العرض قال جل شأنه :
ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وهو ظاهر في المغايرة فيتعين كون ذلك في البرزخ ، ولا قائل بالفرق بينهم وبين غيرهم فيتم الاستدلال على العموم ، وفي الصحيحين وغيرهما عن عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ابن عمر ( ويوم ) على ما استظهره «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى » معمول لقول مضمر ، والجملة عطف على ما قبلها أي ويوم تقوم الساعة يقال للملائكة : أدخلوا آل أبو حيان فرعون أشد العذاب أي عذاب جهنم فإنه أشد مما كانوا فيه أو أشد عذاب جهنم فإن عذابها ألوان بعضها ( أشد ) من بعض ، وعن بعض أشد العذاب هو عذاب الهاوية ، وقيل : هو معمول أدخلوا .
وقيل : هو عطف على ( عشيا ) فالعامل فيه ( يعرضون وأدخلوا ) على إضمار القول وهو كما ترى ، وقرأ كرم الله وجهه علي والحسن وقتادة ، والعربيان وابن كثير «ادخلوا » على أنه أمر لآل وأبو بكر فرعون بالدخول أي ادخلوا يا آل فرعون ،