فمن افترى على الله الكذب أي اخترع ذلك بزعمه أن التحريم كان على الأنبياء وأممهم قبل نزول التوراة . ( فمن ) عبارة عن أولئك اليهود ، ويحتمل أن تكون عامة ويدخلون حينئذ دخولا أوليا ، وأصل الافتراء قطع الأديم يقال : فرى الأديم يفريه فريا إذا قطعه ، واستعمل في الابتداع والاختلاق ، والجملة يحتمل أن تكون مستأنفة وأن تكون منصوبة المحل معطوفة على جملة ( فأتوا ) فتدخل تحت القول ، ومن ؛ يجوز أن تكون شرطية ، وأن تكون موصولة ، وقد روعي لفظها ومعناها من بعد ذلك أي أمرهم بما ذكر وما يترتب عليه من قيام الحجة وظهور البينة .
( فأولئك ) أي المفترون المبعدون عن عز القرب هم الظالمون لأنفسهم بفعل ما أوجب العقاب عليهم ، وقيل : هم الظالمون لأنفسهم بذلك ولأشياعهم بإضلالهم لهم بسبب إصرارهم على الباطل وعدم تصديقهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإنما قيد بالبعدية مع أنه يستحق الوعيد بالكذب على الله تعالى في كل وقت وفي كل حال للدلالة على كمال القبح ، وقيل : لبيان أنه إنما يؤاخذ به بعد إقامة الحجة عليه ، ومن كذب فيما ليس بمحجوج فيه فهو بمنزلة الصبي الذي لا يستحق الوعيد بكذبه ، وفيه تأمل ، ثم مناسبة هذه الآية لما قبلها أن الأكل إنفاق مما يحب لكن على نفسه ، وإلى ذلك أشار علي بن عيسى ، وقيل : إنه لما تقدم محاجتهم في ملة إبراهيم عليه السلام ، وكان مما أنكروا على نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أكل لحوم الإبل وادعوا أنه خلاف ملة إبراهيم ناسب أن يذكر رد دعواهم ذلك عقيب تلك المحاجة.