فتولى غلامهم ثم نادى أظليما أصيدكم أم حمارا
أراد أصيد لكم ، وقال ابن المنير : الأحسن جعل الهاء مفعولا من غير حاجة إلى تقدير الجار ، و ( عوجا ) حال وقع موقع الاسم مبالغة كأنهم طلبوا أن تكون الطريقة القويمة نفس المعوج ، وادعى الطيبي أن فيه نظرا إذ لا يستقيم المعنى إلا على أن يكون ( عوجا ) هو المفعول به لأنه مطلوبهم فلا بد من تقدير الجار وفيه تأمل ، وقيل : ( عوجا ) حال من فاعل تبغون ، والكلام فيه كالكلام في سابقه ، وجملة : تبغون - على كل حال إما حال من ضمير ( تصدون ) أو من – السبيل - وإما مستأنفة جيء بها كالبيان لذلك الصد ، والأكثرون على أنه كان بالتحريش والإغراء بين المؤمنين لتختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم ، كما دل عليه ما أوردناه في بيان سبب النزول ، فعلى هذا يكون المراد بأهل الكتاب هم اليهود أيضا ، والتعبير عنهم بهذا العنوان لما تقدم ، وإعادة الخطاب والاستفهام مبالغة في التقريع والتوبيخ لهم على قبائحهم وتفصيلها ولو قيل : لم تكفرون بآيات الله وتصدون عن سبيل الله لربما توهم أن التوبيخ على مجموع الأمرين ، وقيل : الخطاب لأهل الكتاب مطلقا وكان صدهم عن السبيل بهتهم وتغييرهم صفة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإلى هذا ذهب الحسن ، وعن وقتادة كانوا إذا سألهم أحد هل تجدون السدي محمدا في كتبكم ؟ قالوا : لا ، فيصدونه عن الإيمان به وهذا ذم لهم بالإضلال إثر ذمهم بالضلال .
وقرئ ( تصدون ) من أصد وأنتم شهداء حال إما من فاعل ( تصدون ) أو من فاعل ( تبغون ) ، والاستئناف خلاف الظاهر أي كيف تفعلون هذا وأنتم علماء عارفون بتقدم البشارة به صلى الله تعالى عليه وسلم مطلعون [ ص: 16 ] على صحة نبوته ، أو وأنتم عدول عند أهل ملتكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا وصفتكم هذه تقتضي خلاف ما أنتم عليه وما الله بغافل عما تعملون ( 99 ) تهديد لهم على ما صنعوا قيل : لما كان كفرهم ظاهرا ناسب ذكر الشهادة معه في الآية السابقة ؛ لأنها تكون لما يظهر ويعلم ، أو ما هو بمنزلته - وصدهم عن سبيل الله - وما معه لما كان بالمكر والحيلة الخفية التي تروج على الغافل ناسب ذكر الغفلة معه في هذه الآية فلهذا ختم كلا من الآيتين بما ختم .