وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله أي الجنة ، فهو من التعبير بالحال عن المحل ، والظرفية حقيقية ، وقد يراد بها الثواب ، فالظرفية حينئذ مجازية كما يقال : في نعيم دائم وعيش رغد وفيه إشارة إلى كثرته وشموله للمذكورين شمول الظرف ، ولا يجوز أن يراد بالرحمة ما هو صفة له تعالى ؛ إذ لا يصح فيها الظرفية ويدل على ما ذكر مقابلتها بالعذاب ومقارنتها للخلود في قوله تعالى : هم فيها خالدون (107) وإنما عبر عن ذلك بالرحمة إشعارا بأن المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله تعالى فإنه لا ينال ما ينال إلا برحمته تعالى ، ولهذا ورد في الخبر : " لن يدخل أحدكم الجنة عمله ، فقيل له : حتى أنت يا رسول الله ؟ فقال : حتى أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمته " .
وجملة ( هم فيها خالدون ) استئنافية وقعت جوابا عما نشأ من السياق كأنه قيل : كيف يكونون فيها ؟ فأجيب بما ترى ، وفيها تأكيد في المعنى لما تقدم ، وقيل : خبر بعد خبر وليس بشيء ، وتقديم الظرف للمحافظة على رءوس الآي ، والضمير المجرور للرحمة ، ومن أبعد البعيد جعله للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلافا لمن قال به ، وجعل الكلام عليه بيانا لسبب كونهم في رحمة الله تعالى ، وكون مقابلهم في العذاب كأنه قيل : ما بالهم في رحمة الله تعالى ؟ فأجيب بأنهم كانوا خالدين في الخيرات ، وقرئ : ابياضت واسوادت .