نحن أعلم بما يقولون من نفي البعث وتكذيب الآيات الناطقة وغير ذلك مما لا خير فيه ، وهذا تسلية للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وتهديد لهم وما أنت عليهم بجبار أي ما أنت مسلط عليهم تقسرهم على الإيمان أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت منذر ، فالباء زائدة في الخبر وعليهم متعلق به .
ويفهم من كلام بعض الأجلة جواز كون جبار من جبره على الأمر قهره عليه بمعنى أجبره لا من أجبره إذ لم يجئ فعال بمعنى مفعل من أفعل إلا فيما قل كدراك وسراع ، وقال علي بن عيسى : لم يسمع ذلك إلا في دراك .
وقيل : جبار من جبر بمعنى أجبر لغة كنانة وإن (عليهم) متعلق بمحذوف وقع حال أي ما أنت جبار تجبرهم على الإيمان واليا عليهم ، وهو محتمل للتضمين وعدمه فلا تغفل ، وقيل : أريد التحلم عنهم وترك الغلظة عليهم ، وعليه قيل : الآية منسوخة ، وقيل : هي منسوخة على غيره أيضا بآية السيف فذكر بالقرآن من يخاف وعيد فإنه لا ينتفع به غيره ، وأخرج عن ابن جرير قال : ابن عباس (قالوا يا رسول الله: لو خوفتنا فنزلت فذكر بالقرآن من يخاف وعيد).
وما أنسب هذا الاختتام بالافتتاح بقوله سبحانه : ق والقرآن المجيد هذا وللشيخ الأكبر قدس سره في قوله تعالى : بل هم في لبس من خلق جديد ولغير واحد من الصوفية في قوله سبحانه : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد كلام أشرنا إليه فيما سبق ، ومنهم من يجعل ق إشارة إلى الوجود الحق المحيط بجميع الموجودات والله من ورائهم محيط ، وقيل : هو إشارة إلى مقامات القرب ، وقيل غير ذلك ، وطبق بعضهم سائر آيات السورة على ما في الأنفس وهو مما يعلم بأدنى التفات ممن له أدنى ممارسة لكلامهم والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل .
(تم والحمد لله الجزء السادس والعشرون ، ويليه إن شاء الله الجزء السابع والعشرون ، وأوله سورة الذاريات .