يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا ابتداء كلام مشتمل على أمر ونهي وترغيب وترهيب تتميما لما سلف من الإرشاد إلى ما هو الأصلح في أمر الدين وفي باب الجهاد ، ولعل إيراد بخصوصه هنا لما أن الترغيب في الإنفاق في السراء والضراء الذي عمدته الإنفاق في سبيل الجهاد متضمن للترغيب في تحصيل المال ، فكان مظنة مبادرة الناس إلى طرق الاكتساب ومن جملتها بل أسهلها الربا فنهوا عنه . [ ص: 55 ] وقدمه على الأمر اعتناء به وليجيء ذلك الأمر بعد سد ما يخدشه ، وقال النهي عن الربا : يحتمل أن يكون هذا الكلام متصلا بما قبله من جهة أن أكثر أموال المشركين قد اجتمعت من الربا ، وكانوا ينفقون تلك الأموال على العساكر ، وكان من الممكن أن يصير ذلك داعيا للمسلمين إلى الإقدام عليه كي يجمعوا الأموال وينفقوها على العساكر أيضا ويتمكنوا من الانتقام من عدوهم ، فورد النهي عن ذلك رحمة عليهم ولطفا بهم ، وقيل : إنه تعالى شأنه لما ذكر أن له التعذيب لمن يشاء والمغفرة لمن يشاء وصل ذلك بالنهي عما لو فعلوه لاستحقوا عليه العقاب وهو الربا ، وخصه بالنهي لأنه كان شائعا إذ ذاك وللاعتناء بذلك لم يكتف بما دل على تحريمه مما في سورة البقرة بل صرح بالنهي ، وساق الكلام له أولا وبالذات إيذانا بشدة الحظر . القفال
والمراد من الأكل الأخذ ، وعبر به عنه لما أنه معظم ما يقصد به ولشيوعه في المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع ، وقد تقدم الكلام في الربا أضعافا مضاعفة حال من الربا ، والأضعاف جمع ضعف ، وضعف الشيء مثله ، وضعفاه مثلاه ، وأضعافه أمثاله ، وقال بعض المحققين : الضعف اسم ما يضعف الشيء ، كالثني اسم ما يثنيه ، من ضعفت الشيء بالتخفيف فهو مضعوف على ما نقله بمعنى ضعفته وهو اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر فأكثر ، والنظر فيه إلى فوق بخلاف الزوج فإن النظر فيه إلى ما دونه فإذا قيل : ضعف العشرة لزم أن تجعلها عشرين بلا خلاف لأنه أول مراتب تضعيفها ، ولو قال : له عندي ضعف درهم لزمه درهمان ضرورة الشرط المذكور ، كما إذا قيل : هو أخو زيد اقتضى أن يكون زيد أخاه ، وإذا لزم المزاوجة دخل في الإقرار ، وعلى هذا له ضعفا درهم منزل على ثلاثة دراهم ، وليس ذلك بناء على ما يتوهم أن ضعف الشيء موضوعه مثلاه وضعفيه ثلاثة أمثاله ، بل ذلك لأن موضوعه المثل بالشرط المذكور . الراغب
وهذا معزى الفقهاء في الأقارير والوصايا ، ومن البين أنهم ألزموا في ضعفي الشيء ثلاثة أمثاله ، ولو كان موضوع الضعف المثلين لكان الضعفان أربعة أمثال ، وليس مبناه العرف العامي بل الموضوع اللغوي ، كما قال . الأزهري
ومن هنا ظهر أنه لو قال : له علي الضعفان درهم ودرهم أو الضعفان من الدراهم لم يلزم إلا درهمان كما لو قال الأخوان ، ثم قال : والحاصل أن تضعيف الشيء ضم عدد آخر إليه ، وقد يزاد ، وقد ينظر إلى أول مراتبه ؛ لأنه المتيقن ، ثم إنه قد يكون الشيء المضاعف مأخوذا معه فيكون ضعفاه ثلاثة ، وقد لا يكون فيكون اثنين وهذا كله موضوع له في اللغة لا العرف ، وليس هذه الحال لتقييد المنهي عنه ليكون أصل الربا غير منهي بل لمراعاة الواقع ، فقد روى غير واحد أنه كان الرجل يربي إلى أجل ، فإذا حل قال للمدين : زدني في المال حتى أزيدك بالأجل فيفعل وهكذا عند كل أجل ، فيستغرق بالشيء الضعيف ماله بالكلية فنهوا عن ذلك ونزلت الآية ، وقرئ – مضعفة - بلا ألف مع تشديد العين .
واتقوا الله أي فيما نهيتم عنه ومن جملته أكل الربا لعلكم تفلحون (130) أي لكي تفلحوا أو راجين الفلاح ، فالجملة حينئذ في موضع الحال قيل : ولا يخفى أن اقتران الرجاء بالتخويف يفيد أن العبد ينبغي أن يكون بين الرجاء والخوف فهما جناحاه اللذان يطير بهما إلى حضائر القدس .