يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك [ ص: 80 ]
أي مبايعات لك أي قاصدات للمبايعة على أن لا يشركن بالله شيئا أي شيئا من الأشياء أو شيئا من الإشراك ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن أريد به على ما قال غير واحد : وأد البنات بالقرينة الخارجية ، وإن كان الأولاد أعم منهن ، وجوز إبقاءه على ظاهره فإن العرب كانت تفعل ذلك من أجل الفقر والفاقة ، وانظر هل يجوز حمل هذا النهي على ما يعم ذلك ، وإسقاط الحمل بعد أن ينفخ فيه الروح ، وقرأ كرم الله تعالى وجهه علي والحسن والسلمي «ولا يقتلن » بالتشديد ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن .
قال : كانت المرأة في الجاهلية تلتقط المولود فتقول : هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن ، وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها ، وفي الكشاف كني بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به بين الرجلين ، وقيل : كني بذلك عن الولد الدعي لأن اللواتي كن يظهرن البطون لأزواجهن في بدء الحال إنما فعلن ذلك امتنانا عليهم ، وكن يبدين في ثاني الحال عند الطلق حين يضعن الحمل بين أرجلهن أنهن ولدن لهم فنهين عن ذلك الذي هو من شعار الجاهلية المنافي لشعار المسلمات تصويرا لتينك الحالتين وتهجينا لما كن يفعلنه ، وأيا ما كان فحمل الآية على ما ذكر هو الذي ذهب إليه الأكثرون ، وروي ذلك عن الفراء رضي الله تعالى عنهما ، وقال بعض الأجلة : معناه لا يأتين ببهتان من قبل أنفسهن ، واليد والرجل كناية عن الذات لأن معظم الأفعال بهما ، ولذا قيل للمعاقب بجناية قولية : هذا ما كسبت يداك ، أو معناه لا يأتين ببهتان ينشئنه في ضمائرهم وقلوبهن ، والقلب مقره بين الأيدي والأرجل ، والكلام على الأول كناية عن إلقاء البهتان من تلقاء أنفسهن ، وعلى الثاني كناية عن كون البهتان من دخيلة قلوبهن المبنية على الخبث الباطني . ابن عباس
وقال الخطابي : معناه لا يبهتن الناس كفاحا ومواجهة كما يقال للأمر بحضرتك : إنه بين يديك ، ورد بأنهم وإن كنوا عن الحاضر بما ذكر لكن لا يقال فيه : هو بين رجليك ، وهو وارد لو ذكرت الأرجل وحدها أما إذا ذكرت مع الأيدي تبعا فلا ، والكلام قيل : كناية عن خرق جلباب الحياء ، والمراد النهي عن القذف ، ويدخل فيه الكذب والغيبة ، وروي عن حمل ذلك على القذف ، وقيل : بين أيديهن قبلة أو جسة وأرجلهن الجماع ، وقيل : بين أيديهن ألسنتهن بالنميمة ، وأرجلهن فروجهن بالجماع ، وهو - وكذا ما قبله - كما ترى . الضحاك
وقيل : البهتان السحر ، وللنساء ميل إليه جدا فنهين عنه وليس بشيء ولا يعصينك في معروف أي فيما تأمرهن به من معروف وتنهاهن عنه من منكر ، والتقييد بالمعروف مع أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق ، ويرد به على من زعم من الجهلة أن طاعة أولي الأمر لازمة مطلقا ، وخص بعضهم هذا المعروف بترك النياحة لما أخرج الإمام أحمد وحسنه والترمذي وغيرهم وابن ماجه أم سلمة الأنصارية قالت امرأة من هذه النسوة : ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه ؟ فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : «لا تنحن » الحديث ، ونحوه من الأخبار الظاهرة في تخصيصه بما ذكر كثير ، والحق العموم ، وما ذكر في الأخبار من باب الاقتصار على بعض أفراد العام لنكتة ، ويشهد للعموم قول عن ابن عباس وأنس : هو النوح وشق الجيوب ووشم الوجوه ووصل الشعر وغير ذلك من أوامر الشريعة فرضها وندبها ، وتخصيص الأمور المعدودة بالذكر في حقهن لكثرة [ ص: 81 ] وزيد بن أسلم
وقوعها فيما بينهن مع اختصاص بعضها بهن على ما سمعت أولا فبايعهن بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء ، وتقييد مبايعتهن بما ذكر من مجيئهن لحثهن على المسارعة إليها مع كمال الرغبة فيها من غير دعوة لهن إليها واستغفر لهن الله زيادة على ما في ضمن المبايعة من ضمان الثواب إن الله غفور رحيم أي مبالغ جل شأنه في المغفرة والرحمة فيغفر عز وجل لهن ويرحمهن إذا وفين بما بايعن عليه وهذه الآية نزلت - على ما أخرج عن ابن أبي حاتم - يوم الفتح فبايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الرجال على مقاتل الصفا رضي الله تعالى عنه يبايع النساء تحتها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وجاء أنه عليه الصلاة والسلام بايع النساء أيضا بنفسه الكريمة . وعمر
أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه وغيرهم والترمذي أميمة بنت رقية قالت : أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لنبايعه فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله حتى بلغ ولا يعصينك في معروف فقال : «فيما استطعن وأطقن قلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ قال : إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة » . عن
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد عن قال : الشعبي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا بايع النساء وضع على يده ثوبا وفي بعض الروايات أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يبايعهن وبين يديه وأيديهن ثوب قطوي ، ومن يثبت ذلك يقول بالمصافحة وقت المبايعة ، والأشهر المعول عليه أن لا مصافحة ، وأخرج ابن سعد عن وابن مردويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ثم يغمسن أيديهن فيه وكأن هذا بدل المصافحة والله تعالى أعلم بصحته .
والمبايعة وقعت غير مرة ووقعت في مكة بعد الفتح وفي المدينة وممن بايعنه عليه الصلاة والسلام في مكة هند بنت عتبة زوج ، ففي أبي سفيان حديث كنت في النسوة المبايعات وكانت أسماء بنت يزيد بن السكن هند بنت عتبة في النساء فقرأ صلى الله تعالى عليه وسلم عليهن الآية فلما قال : على أن لا يشركن بالله شيئا قالت هند : وكيف نطمع أن يقبل منا ما لم يقبله من الرجال ؟ يعني أن هذا بين لزومه فلما قال ولا يسرقن قالت : والله إني لأصيب الهنة من مال لا يدرى أيحل لي ذلك ؟ فقال أبي سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعرفها فقال لها : وإنك أبو سفيان لهند بنت عتبة ؟ قالت : نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك ، فقال : ولا يزنين فقالت : أوتزني الحرة ؟ تريد أن الزنا في الإماء بناء على ما كان في الجاهلية من أن الحرة لا تزني غالبا وإنما يزني في الغالب الإماء ، وإنما قيد بالغالب لما قيل : إن ذوات الرايات كن حرائر ، فقال : ولا يقتلن أولادهن فقالت : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا - تعني ما كان من أمر ابنها حنظلة بن أبي سفيان فإنه قتل يوم بدر - فضحك حتى استلقى وتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم- وفي رواية - أنها قالت : قتلت الآباء وتوصينا بالأولاد ؟ ! فضحك صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال : عمر ولا يأتين ببهتان فقالت : والله إن البهتان لأمر قبيح ولا يأمر الله تعالى إلا بالرشد ومكارم الأخلاق ، فقال : ولا يعصينك في معروف فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء وكأن هذا منها دون غيرها من النساء لمكان رضي الله تعالى عنها من رسول الله [ ص: 82 ] أم حبيبة
صلى الله تعالى عليه وسلم مع أنها حديثة عهد بجاهلية ، ويروى أن أول من بايع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من النساء أم سعد بن معاذ وكبشة بنت رافع مع نسوة أخر رضي الله تعالى عنهن .