يتقارضون إذا التقوا في موطن نظرا يزل مواطئ الأقدام
أو أنهم يكادون يصيبونك بالعين إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت . .
وقال : كان رجل من الكلبي العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ثم يرفع جانب خبائه فيقول لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فتسقط طائفة منها وتهلك، فاقترح الكفار منه أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم وأنشد:
قد كان قومك يحسبونك سيدا وأخال أنك سيد معيون
فعصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه هذه الآية، وقد قيل إن قراءتها تدفع ضرر العين وروي ذلك عن وفي كتاب الأحكام أنها أصل في أن العين حق والأولى الاستدلال على ذلك بما ورد وصح من عدة طرق أن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر وبما أخرجه الحسن بسند رجاله -كما قال أحمد الهيثمي - ثقات عن مرفوعا أبي ذر . «إن العين لتولع بالرجل بإذن الله تعالى حتى يصعد حالقا ثم يتردى منه»
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة وذلك من خصائص بعض النفوس ولله تعالى أن يخص ما شاء منها بما شاء وإضافته إلى العين باعتبار أن النفس تؤثر بواسطتها غالبا وقد يكون التأثير بلا واسطتها بأن يوصف للعائن شيء فتتوجه إليه نفسه فتفسده ومن قال إن الله تعالى أجرى العادة بخلق ما شاء عند مقابلة عين العائن من غير تأثير أصلا فقد سد على نفسه باب العلل والتأثيرات والأسباب والمسببات وخالف جميع العقلاء قاله ابن القيم . وقال بعض أصحاب الطبائع إنه ينبعث من العين قوة سمية تؤثر فيما نظره كما فصل في شرح وهذا لا يتم عندي فيما لم يره ولا في نحو ما تضمنه حديث مسلم المتقدم آنفا ولا في إصابة الإنسان عين نفسه كما حكاه أبي ذر المناوي فإنه لا يقتل الصل سمه . .
ومن ذلك ما حكاه الغساني قال نظر سليمان بن عبد الملك في المرآة فأعجبته نفسه فقال:
كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وكان صديقا، وكان أبو بكر فاروقا، عمر حييا، وعثمان ومعاوية حليما، ويزيد صبورا، وعبد الملك سائسا، والوليد جبارا، وأنا الملك الشاب، وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات .
ومثل ذلك ما قيل إنه من باب التأثير في القوة المعروفة اليوم بالقوة الكهربائية عند الطباعيين المحدثين، فقد صح أن بعض الناس يكرر النظر إلى بعض الأشخاص من فوقه إلى قدمه فيصرعه كالمغشي عليه، وربما يقف وراءه جاعلا أصابعه حذاء نقرة رأسه ويوجه نفسه إليه حتى تضعف قواه فيغشاه نحو النوم ويتكلم إذ ذاك بما لا يتكلم به في وقت آخر، وأنا لا أزيد على القول بأنه من تأثيرات النفوس ولا أكيف ذلك فالنفس الإنسانية من أعجب مخلوقات الله عز وجل وكم طوي فيه أسرار وعجائب تتحير فيها العقول ولا ينكرها إلا مجنون أو جهول، ولا يسعني أن أنكر العين لكثرة الأحاديث الواردة فيها ومشاهدة آثارها على اختلاف الأعصار ولا أخص ذلك بالنفوس الخبيثة كما قيل فقد يكون من النفوس الزكية .
والمشهور أن الإصابة لا تكون مع كراهة الشيء وبغضه وإنما تكون مع استحسانه وإلى ذلك ذهب وكأنه يشير بذلك إلى الطعن في صحة الرواية هاهنا لأن الكفار كانوا يبغضونه عليه الصلاة والسلام فلا تتأتى لهم إصابته بالعين وفيه [ ص: 39 ] نظر . القشيري
وحكم العائن على ما قال أن يجتنب وينبغي للإمام حبسه ومنعه عن مخالطة الناس كفا لضرره ما أمكن ويرزقه حينئذ من بيت المال . . القاضي عياض
هذا وقرأ «ليزلقونك» بفتح الياء من زلقه بمعنى أزلقه وقرأ نافع عبد الله وابن عباس والأعمش «ليزهقونك» بالهاء بدل اللام أي ليهلكونك وعيسى لما سمعوا الذكر أي وقت سماعهم القرآن وذلك لاشتداد بغضهم وحسدهم عند سماعه .
( ولما ) كما أشرنا إليه ظرفية متعلقة بيزلقونك ومن قال إنها حرف وجوب لوجوب ذهب إلى أن جوابها محذوف لدلالة ما قبل عليه أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك ويقولون لغاية حيرتهم في أمره عليه الصلاة والسلام ونهاية جهلهم بما في تضاعيف القرآن من عجائب الحكم وبدائع العلوم ولتنفير الناس عنه إنه لمجنون وحيث كان مدار حكمهم الباطل ما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم رد ذلك ببيان علو شأنه وسطوع برهانه فقيل .