نزلا من عند الله النزل بضمتين وكذا النزل بضم فسكون ما يعد للضيف أول نزوله من طعام وشراب وصلة ، قال الضبي :
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
ويستعمل بمعنى الزاد مطلقا ، ويكون جمعا بمعنى النازلين كما في قول الأعشى .
أو ينزلون فإنا معشر نزل
وقد جوز ذلك في الآية ، وكذا يجوز أن يكون مصدرا ، قيل : وأصل معنى النزل مفردا الفضل والريع في الطعام ، ويستعار للحاصل عن الشيء ، ونصبه هنا إما على الحالية من (جنات) لتخصيصها بالوصف ، والعامل فيه ما في [ ص: 173 ] الظرف من معنى الاستقرار إن كان بمعنى ما يعد إلخ ، وجعل الجنة حينئذ نفسها (نزلا) من باب التجوز ، أو بتقدير مضاف أي ذات نزل ، وإما على الحالية من الضمير في (خالدين) إن كان جمعا ، وإما على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف إن كان مصدرا وهو حينئذ بمعنى النزول أي نزلوها نزلا ، وجوز على تقدير مصدريته أن يكون بمعنى المفعول فيكون حالا من الضمير المجرور في (فيها) أي منزولة ، والظرف صفة (نزلا) إن لم تجعله جمعا ، وإن جعلته جمعا ففيه - كما قال أبو علي - وجهان : أحدهما أنه حال من المفعول المحذوف لأن التقدير (نزلا) إياها ، والثاني أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي ذلك من عند الله أي بفضله ، وذهب كثير من العلماء على أن النزل بالمعنى الأول ، وعليه تمسك بعضهم بالآية على أبو البقاء لأنه لما كانت الجنة بكليتها نزلا فلا بد من شيء آخر يكون أصلا بالنسبة إليها وليس وراء الله تعالى شيء ، وهو كما ترى ، نعم فيه حينئذ إشارة إلى أن القوم ضيوف الله تعالى وفي ذلك كمال اللطف بهم . رؤية الله تعالى وما عند الله من الأمور المذكورة الدائمة لكثرته ودوامه خير للأبرار (198) مما يتقلب فيه الفجار من المتاع القليل الزائل لقلته وزواله ، والتعبير عنهم بالأبرار ، ووضع الظاهر موضع الضمير كما قيل : للإشعار بأن الصفات المعدودة من أعمال البر كما أنها من قبيل التقوى ، والجملة تذييل ، وزعم بعضهم أن هذا مما يحتمل أن يكون إشارة إلى الرؤية لأن فيه إيذانا بمقام العندية والقرب الذي لا يوازيه شيء من نعيم الجنة ، والموصول مبتدأ ، والظرف صلته ، و (خير) خبره ، و للأبرار صفة (خير) .
وجوز أن يكون (للأبرار) خبرا ، والنية به التقديم أي والذي عند الله مستقر للأبرار ، و(خير) على هذا خبر ثان ، وقيل (للأبرار) حال من الضمير في الظرف ، و(خير) خبر المبتدأ ، وتعقبه بأنه بعيد لأن فيه الفصل بين المبتدأ والخبر بحال لغيره ، والفصل بين الحال وصاحب الحال غير المبتدأ وذلك لا يجوز في الاختيار . أبو البقاء