وقوله سبحانه: النجم الثاقب خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف وقع جوابا عن استفهام نشأ عما قبل كأنه قيل: ما هو؟ فقيل: هو النجم إلخ... و «الثاقب» في الأصل الخارق ثم صار بمعنى المضيء لتصور أنه يثقب الظلام، وقد يخص بالنجوم والشهب لذلك. وتصور أنها ينفذ ضوءها في الأفلاك ونحوها. وقال «الثاقب» المرتفع، يقال: ثقب الطائر أي ارتفع وعلا، والمراد بالنجم الثاقب الجنس عند الفراء: فإن لكل كوكب ضوءا ثاقبا لا محالة، وكذا كل كوكب مرتفع ولا يضرب التفاوت في ذلك، وذهب غير واحد إلى أن المراد به معهود، فعن الحسن؛ أنه الجدي. وأخرج ابن عباس عن ابن جرير أنه الثريا وهو الذي تطلق ابن زيد العرب عليه اسم النجم، وروي عنه أيضا أنه زحل وهو أبعد السيارات وأرفعها وما يثقبه ضوؤه من الأفلاك أكثر فيما يزعم المنجمون المتقدمون، وإنما قلنا أبعد السيارات لأن الجدي والثريا عندهم أبعد منه بكثير، وكذا عند المحدثين، وعن أنه القمر؛ لأنه آية الليل وأشد الكواكب ضوءا فيه وهو زمان سلطانه، وأنت تعلم أن إطلاق النجم عليه ولو موصوفا غير شائع وقيل: هو النجم الذي يقال له كوكب الصبح. الفراء
وعن كرم الله تعالى وجهه أنه نجم في السماء السابعة لا يسكنها فميزه فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة فهو طارق حين ينزل وطارق حين يصعد. علي
ولا يخفى أن المعروف أن الذي يسكن السماء السابعة أعني الفلك السابع وحده هو زحل فيكون ذلك قولا بأن النجم الثاقب هو لكن لا يعرف له نزول ولا صعود بالمعنى المتبادر وأيضا لا يعقل له نزول إلى حيث تكون النجوم أعني الثوابت؛ لأن المعروف عندهم أنها في الفلك الثامن، ويجوز عقلا أن يكون بعضها في أفلاك فوق ذلك بل نص المحدثون لما قام عندهم على تفاوتها في الارتفاع ولم يشكوا في أن كثيرا منها أبعد من زحل بعدا عظيما وإذا اعتبرت الظواهر وقلنا بأنها في السماء الدنيا وإن تفاوتت في الارتفاع فذلك أيضا مما يأباه أن النجوم قد تأخذ أمكنتها من السماء وليس معها زحل. وبالجملة ما يعكر على هذا الخبر كثير وكونه كرم الله تعالى وجهه أراد كوكبا آخر هذا شأنه لا يخفى حاله والذي يقتضيه الإنصاف وترك التعصب أن الخبر مكذوب على الأمير رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه، وجوز على إرادة الجنس أن يراد به جنس الشهب التي يرجم بها وليس بذاك وما روي أن أبا طالب كان عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فانحط نجم فامتلأ ماء ثم نورا ففزع أبو طالب فقال: أي شيء هذا؟
فقال عليه الصلاة والسلام: «هذا نجم رمي به وهو آية من آيات الله تعالى» فعجب أبو طالب فنزلت.
لا يقتضي ذلك على ما لا يخفى. وزعم أن المراد ب ابن عطية الطارق جميع ما يطرق من الأمور والمخلوقات فيعم النجم الثاقب وغيره، ويكون معنى وما أدراك ما الطارق حق الطارق بأن تكون أل في ما الطارق مثلها في: أنت الرجل، وما أدري ما الطارق على هذا الرجل حتى ركب هذا الطريق الوعر في التفسير وفي إيراد ذلك عند الإقسام به بوصف مشترك بينه وبين غيره ثم الإشارة إلى أن ذلك الوصف غير كاشف عن كنه أمره وأن ذلك مما لا يبلغه أفكار الخلائق، ثم تفسيره بالنجم الثاقب من تفخيم شأنه وإجلال محله ما لا يخفى على ذي نظر ثاقب، ولإرادة ذلك لم يقل ابتداء: «والنجم الثاقب» مع أنه أخصر وأظهر، ولله عز وجل أن يفخم شأن ما شاء من خلقه لما شاء ولا دلالة فيه هاهنا على شيء مما يزعمه المنجمون في أمر النجوم زحل وغيره من التأثير في سعادة أو شقاوة أو نحوهما، وجواب القسم .