الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل فيه أوجه من الإعراب:
الأول: أن يكون بدلا من (من) بدل كل من كل.
الثاني: أن يكون صفة لها بناء على رأي من يجوز وقوع الموصول موصوفا، يقول به. والزجاج
الثالث: أن يكون نصبا على الذم.
الرابع: أن يكون رفعا عليه.
الخامس: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي هم الذين.
السادس: أن يكون مبتدأ خبره محذوف، أي مبغوضون، أو أحقاء بكل ملامة، ونحو ذلك مما يؤخذ من السياق، وإنما حذف لتذهب نفس السامع كل مذهب، وتقديره بعد تمام الصلة أولى.
السابع: أن يكون - كما قال – مبتدأ، (والذين) الآتي معطوفا عليه، والخبر (إن الله لا يظلم) على معنى: لا يظلمهم، وهو بعيد جدا. أبو البقاء
وفرق الطيبي بين كونه خبرا ومبتدأ بأنه على الأول متصل بما قبله؛ لأن هذا من جنس أوصافهم التي عرفوا بها، وعلى الثاني منقطع جيء به لبيان أحوالهم، وذكر أن الوجه الاتصال وأطال الكلام عليه.
وفي البخل أربع لغات:
فتح الخاء والباء، وبها قرأ حمزة والكسائي.
وضمهما، وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمر.
[ ص: 30 ] وفتح الباء وسكون الخاء، وبها قرأ قتادة.
وضم الباء وسكون الخاء، وبها قرأ الجمهور.
ويكتمون ما آتاهم الله من فضله أي: من المال والغنى، أو من نعوته، صلى الله تعالى عليه وسلم.
وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا أي: أعددنا لهم ذلك، ووضع المظهر موضع المضمر؛ إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعم الله تعالى، ومن كان كافرا لنعمه فله عذاب يهينه، كما أهان النعم بالبخل والإخفاء، ويجوز حمل الكفر على ظاهره، وذكر ضمير التعظيم للتهويل؛ لأن عذاب العظيم عظيم، وغضب الحليم وخيم، والجملة اعتراض تذييلي، مقرر لما قبلها.
وسبب نزول الآية ما أخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، بسند صحيح، عن وابن المنذر، قال: «كان ابن عباس كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحري بن عمرو، وحيي بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة؛ فإنكم لا تدركون ما يكون، فأنزل الله تعالى: الذين يبخلون إلى قوله سبحانه: وكان الله بهم عليما .
وقيل: نزلت في الذين كتموا صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وروي ذلك عن وغيره، وأخرج سعيد بن جبير وآخرون، عن عبد بن حميد أنه قال في الآية: «هم أعداء الله تعالى أهل الكتاب، بخلوا بحق الله تعالى عليهم، وكتموا الإسلام قتادة ومحمدا - صلى الله تعالى عليه وسلم - وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل».
والبخل على هذه الرواية ظاهر في البخل بالمال، وبه صرح في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الأخرى أنه البخل بالعلم، وأمرهم الناس أي: أتباعهم به يحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون مجازا، تنزيلا لهم منزلة الآمرين بذلك؛ لعلمهم باتباعهم لهم. ابن جبير