من يطع الرسول فقد أطاع الله بيان لأحكام رسالته - صلى الله عليه وسلم - إثر بيان تحققها، وإنما كان كذلك لأن الآمر والناهي في الحقيقة هو الحق سبحانه، والرسول إنما هو مبلغ للأمر والنهي، فليست الطاعة له بالذات، إنما هي لمن بلغ عنه.
وفي بعض الآثار عن مقاتل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «من أحبني فقد أحب الله تعالى، ومن أطاعني فقد أطاع الله تعالى» فقال المنافقون: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل؟! لقد قارف الشرك، وهو نهي أن يعبد غير الله تعالى، ما يريد إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى عليه السلام، فنزلت.
فالمراد بالرسول نبينا - صلى الله عليه وسلم - والتعبير عنه بذلك ووضعه موضع المضمر للإشعار بالعلية، وقيل: المراد به الجنس، ويدخل فيه نبينا - صلى الله عليه وسلم - دخولا أوليا، ويأباه تخصيص الخطاب في قوله تعالى: ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا وجعله من باب الخطاب لغير معين خلاف الظاهر، و(من) شرطية، وجواب الشرط محذوف، والمذكور تعليل له قائم مقامه، أي: ومن أعرض عن الطاعة فأعرض عنه؛ لأنا إنما أرسلناك رسولا مبلغا لا حفيظا مهيمنا تحفظ أعمالهم عليهم وتحاسبهم عليها، ونفي - كما قيل - كونه حفيظا - أي: مبالغا في الحفظ - دون كونه حافظا؛ لأن الرسالة لا تنفك عن الحفظ؛ لأن تبليغ الأحكام نوع حفظ عن المعاصي والآثام، وانتصاب الوصف على الحالية من الكاف، وجعله مفعولا ثانيا لـ(أرسلناك) لتضمينه معنى جعلنا مما لا حاجة إليه، و(عليهم) متعلق به، وقدم رعاية للفاصلة، وفي إفراد ضمير الرفع وجمع ضمير الجر مراعاة للفظ (من) ومعناها، وفي العدول عن (ومن تولى فقد عصاه) الظاهر في المقابلة إلى ما ذكر ما لا يخفى من المبالغة.