وإذا ناديتم أي دعا بعضكم بعضا إلى الصلاة اتخذوها أي الصلاة أو المناداة إليها هزوا ولعبا .
أخرج في الدلائل من طريق البيهقي ، عن الكلبي أبي صالح، عن - رضي الله تعالى عنهما - قال: « ابن عباس كان منادي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا، فإذا رأوهم ركعا وسجدا استهزءوا بهم، وضحكوا منهم ».
وأخرج وغيره، عن ابن جرير قال: «كان رجل من النصارى السدي بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: حرق الكاذب، فدخلت خادمه ذات ليلة بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت، وأحرق هو وأهله ».
والكلام مسوق لبيان استهزائهم بحكم خاص من أحكام الدين بعد بيان استهزائهم بالدين على الإطلاق؛ إظهارا لكمال شقاوتهم ذلك أي الاتخاذ المذكور بأنهم أي بسبب أنهم قوم لا يعقلون فإن السفه يؤدي إلى الجهل بمحاسن الحق والهزء به، ولو كان لهم عقل في الجملة لما اجترءوا على تلك العظيمة.
قيل: وفي الآية دليل على بنص الكتاب لا بالمنام وحده، واعترض بأن قوله سبحانه: ثبوت الأذان وإذا ناديتم لا يدل على الأذان، اللهم إلا أن يقال: حيث ورد بعد ثبوته كان إشارة إليه، فيكون تقريرا له، قال في الكشف: أقول فيه: إن اتخاذ المناداة هزؤا منكر من المناكير لأنها من معروفات الشرع، فمن هذه الحيثية دل على أن المناداة التي كانوا عليها حق مشروع منه تعالى، وهو المراد بثبوته بالنص بعد أن ثبت ابتداء بالسنة، ومنام عبد الله بن زيد الأنصاري، الحديث بطوله، ولا ينافيه أن ذلك كان أول ما قدموا المدينة، والمائدة من آخر القرآن نزولا.
وقوله: لا بالمنام وحده ليس فيه ما يدل على أن السنة غير مستقلة في الدلالة؛ لأن الأدلة الشرعية معرفات وأمارات، لا مؤثرات وموجبات، وترادف المعرفات لا ينكر، انتهى.
ولأبي حيان في هذا المقام كلام لا ينبغي أن يلتفت إليه لما فيه من المكابرة الظاهرة، وسمي الأذان مناداة لقول المؤذن فيه: حي على الصلاة حي على الفلاح.