nindex.php?page=treesubj&link=19797_19860_19863_28270_28640_30495_30503_30504_30516_34113_34134_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح أي إثم وحرج
[ ص: 18 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين
39
- قيل : لما نزل تحريم الخمر والميسر قالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم: كيف بمن شربها من إخواننا الذين ماتوا وهم قد شربوا الخمر وأكلوا الميسر فأنزل الله تعالى هذه الآية وقيل : إنها نزلت في القوم الذين حرموا على نفوسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب
كعثمان بن مظعون وغيره، والأول هو المختار وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
وأنس بن مالك والبراء بن عازب nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك وخلق آخرين
وللمفسرين في معنى الآية كلام طويل الذيل فنقل
الطبرسي والعهدة عليه عن تفسير أهل البيت أن (ما) عبارة عن المباحات، واختاره غير واحد من المتأخرين، وتعقب بأنه يلزم عليه تقييد إباحتها باتقاء ما عداها من المحرمات لقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93إذا ما اتقوا واللازم منتف بالضرورة فهي سواء كانت موصولة أو موصوفة على عمومها وإنما تخصصت بذلك القيد الطارئ عليها والطعم كالطعام يستعمل في الأكل والشرب كما تقدمت إليه الإشارة
والمعنى ليس عليهم جناح فيما تناولوه من المأكول والمشروب كائنا ما كان إذا اتقوا أن يكون في ذلك شيء من المحرم واستمروا على الإيمان والأعمال الصالحة وإلا لم يكن نفي الجناح في كل ما طعموه بل في بعضه ولا محذور في هذا إذ اللازم منه تقييد إباحة الكل بأن يكون فيه محرم لا تقييد إباحة بعضه باتقاء بعض آخر منه كما هو اللازم مما عليه الجماعة و(اتقوا) الثاني عطف على نظيره المتقدم داخل معه في حيز الشرط، والمراد اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه مباحا فيما سبق، والمراد بالإيمان المعطوف عليه إما الإيمان بتحريمه وتقديم الاتقاء عليه إما للاعتناء به أو لأنه الذي يدل على التحريم الحادث الذي هو المؤمن به وإما الاستمرار على الإيمان بما يجب الإيمان به ومتعلق الاتقاء ثالثا: ما حرم عليهم أيضا بعد ذلك مما كان مباحا من قبل على أن المشروط بالاتقاء في كل مرة إباحة ما طعموه في ذلك الوقت لا إباحة ما طعموه قبله لانتساخ إباحة بعضه حينئذ وأريد بالإحسان فعل الأعمال الحسنة الجميلة المنتظمة بجميع ما ذكر من الأعمال القلبية والقالبية
وليس تخصيص هذه المراتب بالذكر لتخصيص الحكم بها بل لبيان التعدد والتكرار بالغا ما بلغ والمعنى أنهم إذا اتقوا المحرمات واستمروا على ما هم عليه من الإيمان والأعمال الصالحة وكانوا في طاعة الله تعالى ومراعة أوامره ونواهيه بحيث كلما حرم عليهم شيء من المباحات اتقوه ثم و ثم فلا جناح عليهم فيما طعموه في كل مرة من المآكل والمشارب إذ ليس فيها شيء محرم عند طعمه قاله مولانا شيخ الإسلام ثم قال : وأنت خبير بأن ما عدا اتقاء المحرمات من الصفات الجميلة المذكورة لادخل لها في انتفاء الجناح وإنما ذكرت في حيز (إذا) شهادة باتصاف الذين سئل عن حالهم بها ومدحا لهم بذلك وحمدا لأحوالهم وقد أشير إلى ذلك حيث جعلت تلك الصفات تبعا للاتقاء في كل مرة تميزا بينها وبين ماله دخل في الحكم فإن مساق النظم الكريم بطريق العبارة وإن كان لبيان حال المتصفين بما ذكر من النعوت فيما سيأتي من الزمان بقضية (إذا ما) لكنه قد أخرج مخرج الجواب عن حال الماضين ثبات الحكم في حقهم ضمن التشريع الكلي على الوجه البرهاني بطريق دلالة النص بناء على كمال اشتهارهم بالاتصاف بها فكأنه قيل : ليس عليهم جناح فيما طعموه إذا كانوا في طاعة الله تعالى مع ما لهم من الصفات الحميدة بحيث كلما أمروا بشيء تلقوه بالامتثال وإنما كانوا يتعاطون الخمر والميسر في حياتهم لعدم تحريمهما إذ ذاك ولو حرما في عصرهم لاتقوهما بالمرة انتهى
[ ص: 19 ] ومما يدل على أن الآية للتشريع الكلي ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهم
nindex.php?page=hadith&LINKID=661506عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : لما نزلت nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93ليس على الذين آمنوا الآية قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قيل لي أنت منهم) وقيل : إن ما في حيز الشرط من الاتقاء وغيره إنما ذكر على سبيل المدح والثناء للدلالة على أن القوم بتلك الصفة لأن المراد بما المباحات ونفي الجناح في تناول المباح الذي لم يحرم لا يتقيد بشرط، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين النقيب المرتضى : إن المفسرين تشاغلوا بإيضاح الوجه في التكرار الذي تضمنته هذه الآية وظنوا أنه المشكل فيها وتركوا ما هو أشد إشكالا من ذلك وهو أنه تعالى نفى الجناح عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيما يطعمونه بشرط الاتقاء والإيمان والعمل الصالح مع أن المباح لو وقع من الكافر لا إثم عليه ولا وزر ولنا في حل هذه الشبهة طريقان أحدهما: أن يضم إلى المشروط المصرح بذكره غيره حتى يظهر تأثير ما شرط فيكون تقدير الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93إذا ما اتقوا إلخ لأن الشرط في نفي الجناح لابد أن يكون له تأثير حتى يكون متى انتفى ثبت الجناح، وقد علمنا أن باتقاء المحارم ينتفي الجناح فيما يطعم فهو الشرط الذي لا زيادة عليه، ولما ولي ذكر الاتقاء الإيمان والعمل الصالح ولا تأثير لهما في نفي الجناح علمنا أنه أضمر ما تقدم ذكره ليصح الشرط ويطابق المشروط لأن من اتقى الحرام فيما يطعم لا جناح عليه فيما يطعم ولكنه قد يصح أن يثبت عليه الجناح فيما أخل به من واجب وضيعه من فرض فإذا شرطنا الإيمان والعمل الصالح ارتفع عنه الجناح من كل وجه، وليس بمنكر حذف ما ذكرناه لدلالة الكلام عليه فمن عادة العرب أن يحذفوا ما يجري هذا المجرى، ويكون قوة الدلالة عليه مغنية عن النطق به ومنه قول الشاعر :
تراه كأن الله يجدع أنفه وعينيه إن مولاه بات له وفر
، فإنه لما كان الجدع يليق بالعين وكانت معطوفة على الأنف الذي يليق الجدع به أضمر ما يليق بالعين من البخص وما يجري مجراه. والطريق الثاني: أن يجعل الإيمان والعمل الصالح ليس شرطا حقيقيا وإن كان معطوفا على الشرط فكأنه تعالى لما أراد أن يبين وجوب الإيمان وما عطف عليه عطفه على ما هو واجب من اتقاء المحارم لاشتراكهما في الوجوب وإن لم يشتركا في كونهما شرطا في نفي الجناح فيما يطعم وهذا توسع في البلاغة يحار فيه العقل استحسانا واستغرابا انتهى، ولا يخفى ما في الطريق الثاني من البعد وإن الطريق الأول حزن فإن مثل هذا الحذف مع ما زعمه من القرينة يكاد يوجد في الفصيح في أمثال هذه المقامات وليس ذلك كالبيت الذي ذكره فإنه من باب علفتها تبنا وماء باردا
وهو مما لا كلام لنا فيه، وأين البيض من الباذنجان، وقيل في الجواب أيضا عن ذلك : إن المؤمن يصح أن يطلق عليه بأنه لا جناح عليه والكافر مستحق للعقاب مغمور به يوم الحساب فلا يطلق عليه ذلك، وأيضا إن الكافر قد سد على نفسه طريق معرفة التحليل والتحريك فلذلك يخص المؤمن بالذكر ولا يخفى ما فيه
وقال
عصام الملة: الأظهر أن المراد أنه لا جناح فيما طعموا مما سوى هذه المحرمات إذا ما اتقوا ولم يأكلوا فوق الشبع ولم يأكلوا من مال الغير وذكر الإيمان والعمل الصالح للإيذان بأن الاتقاء لا بد له منهما فإن من لا إيمان له لا يتقي وكذا من لا عمل صالح له فضمهما إلى الإيمان لأنهما ملاك الاتقاء وتكرير التقوى والثبات على الإيمان للإشارة إلى أن ثبات نفي الجناح فيما يطعم على ثبات التقوى وترك ذكر العمل الصالح ثانيا للإشارة إلى أن
[ ص: 20 ] الإيمان بعد التمرن على العمل لا يدعو أن يترك العمل، وذكر الإحسان بعد للإشارة إلى أن كثرة مزاولة التقوى والعمل الصالح ينتهي إلى الإحسان وهو أن تعبد الله تعالى كأنك تراه إلى آخر ما في الخبر انتهى، وفيه الغث
والسمين
وكلامهم الذي أشار إليه المرتضى في إيضاح وجه التكرير كثير فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13980أبو علي الجبائي : إن الشرط الأول يتعلق بالزمان الماضي، والثاني يتعلق بالدوام على ذلك والاستمرار على فعله، والثالث يختص بمظالم العباد وبما يتعدى الغير من الظلم والفساد واستدل على اختصاص الثالث بذلك بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93وأحسنوا فإن الإحسان إذا كان متعديا وجب أن تكون المعاصي التي أمروا باتقائها قبله أيضا متعدية وهو في غاية الضعف إذ لا تصريح في الآية بأن المراد بالإحسان الإحسان المتعدي ولا يمتنع أن يراد به فعل الحسن والمبالغة فيه وإن خص الفاعل ولم يتعد إلى غيره، كما يقولون لمن بالغ في فعل الحسن أحسنت وأجملت ثم لو سلم أن المراد به الإحسان المتعدي فلم لا يجوز أن يعطف فعل متعد على فعل لا يتعدى. ولو صرح سبحانه فقال : اتقوا القبائح كلها وأحسنوا إلى الناس لم يمتنع وذلك ظاهر وقيل : إن الاتقاء الأول هو اتقاء المعاصي العقلية التي تخص المكلف ولا تتعداه والإيمان الأول: الإيمان بالله تعالى وبما أوجب الإيمان به والإيمان بقبح هذه المعاصي ووجوب تجنبها. والاتقاء الثاني: هو اتقاء المعاصي السمعية والإيمان الثاني هو الإيمان بقبحها ووجوب تجنبها. والاتقاء الثالث يختص بمظالم العباد وهو كما ترى وقيل : المراد بالأول: اتقاء ما حرم عليهم أولا مع الثبات على الإيمان والأعمال الصالحة إذ لا ينفع الاتقاء بدون ذلك. والثاني: اتقاء ما حرم عليهم بعد ذلك من الخمر ونحوه، والإيمان التصديق بتحريم ذلك. وبالثالث الثبات على اتقاء جميع ذلك من السابق والحادث مع تحري الأعمال الجميلة وهذا مراد من قال : إن التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة وقيل : إنه باعتبار المراتب الثلاث للتقوى المبدأ والوسط والمنتهى، وقد مر تفصيلها وقيل باعتبار الحالات الثلاث بأن يتقي الله تعالى ويؤمن به في السر ويجتنب ما يضر نفسه من عمل واعتقاد ويتقي الله تعالى ويؤمن به علانية ويجتنب ما يضر الناس ويتقي الله تعالى ويؤمن به بينه وبين الله تعالى بحيث يرفع الوسائط وينتهي إلى أقصى المراتب. ولما في هذه الحالة من الزلفى منه تعالى ذكر الإحسان فيها بناء على أنه كما فسره صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح: (
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048أن تعبد الله تعالى كأنك تراه )
وقيل : باعتبار ما يتقى فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقيا من العقاب، والشبهات توقيا من الوقوع في الحرام، وبعض المباحات حفظا للنفس عن الخسة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة. وقيل : المراد بالأول اتقاء الكفر وبالثاني اتقاء الكبائر وبالثالث اتقاء الصغائر وقيل : إن التكرير لمجرد التأكيد ويجوز فيه العطف بثم كما صرح به ابن مالك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=3كلا سوف تعلمون .
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=4ثم كلا سوف تعلمون ولا يخفى أن أكثر هذه الأقوال غير مناسبة للمقام وذكر العلامة الطيبي أن معنى الآية: أنه ليس المطلوب من المؤمنين الزهادة عن المستلذات وتحريم الطيبات وإنما المطلوب منهم الترقي في مدارج التقوى والإيمان إلى مراتب الإخلاص واليقين ومعارج القدس والكمال وذلك بأن يثبتوا على الاتقاء عن الشرك وعلى الإيمان بما يجب الإيمان به وعلى الأعمال الصالحة لتحصل الاستقامة التامة التي يتمكن بها إلى الترقي إلى مرتبة المشاهدة ومعارج أن تعبد الله تعالى كأنك تراه وهو المعني بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93وأحسنوا إلخ وبها يمنح الزلفى عند الله تعالى ومحبته سبحانه المشار إليها بقوله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93والله يحب المحسنين . وفي هذا النظم نتيجة مما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من قوله صلى الله عليه وسلم: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=680603ليس الزهادة في [ ص: 21 ] الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهد أن تكون بما بيد الله تعالى أوثق منك بما في يدك " انتهى
وهو ظاهر جدا على تقدير أن تكون الآية في القوم الذين سلكوا طريق الترهب وهو قول مرجوح فتدبر
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93والله يحب المحسنين على سائر التقادير تذييل مقرر لمضمون ما قبله أبلغ تقرير، وذكر بعضهم أنه كان الظاهر والله يحب هؤلاء فوضع المحسنين موضعه إشارة إلى أنهم متصفون بذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19797_19860_19863_28270_28640_30495_30503_30504_30516_34113_34134_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ أَيْ إِثْمٌ وَحَرَجٌ
[ ص: 18 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
39
- قِيلَ : لَمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قَالَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: كَيْفَ بِمَنْ شَرِبَهَا مِنْ إِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ قَدْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَأَكَلُوا الْمَيْسِرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ حَرَّمُوا عَلَى نُفُوسِهِمُ اللُّحُومَ وَسَلَكُوا طَرِيقَ التَّرَهُّبِ
كَعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضِّحَاكِ وَخَلْقٍ آخَرِينَ
وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ كَلَامٌ طَوِيلُ الذَّيْلِ فَنَقَلَ
الطَّبَرْسِيُّ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ عَنْ تَفْسِيرِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَنَّ (مَا) عِبَارَةٌ عَنِ الْمُبَاحَاتِ، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَقْيِيدُ إِبَاحَتِهَا بِاتِّقَاءٍ مَا عَدَاهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93إِذَا مَا اتَّقَوْا وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالضَّرُورَةِ فَهِيَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً عَلَى عُمُومِهَا وَإِنَّمَا تَخَصَّصَتْ بِذَلِكَ الْقَيْدِ الطَّارِئِ عَلَيْهَا وَالطُّعْمُ كَالطَّعَامِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ الْإِشَارَةُ
وَالْمَعْنَى لَيْسَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ فِيمَا تَنَاوَلُوهُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ كَائِنًا مَا كَانَ إِذَا اتَّقَوْا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْجُنَاحِ فِي كُلِّ مَا طَعِمُوهُ بَلْ فِي بَعْضِهِ وَلَا مَحْذُورَ فِي هَذَا إِذِ اللَّازِمُ مِنْهُ تَقْيِيدُ إِبَاحَةِ الْكُلِّ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ مُحَرَّمٌ لَا تَقْيِيدَ إِبَاحَةِ بَعْضِهِ بِاتِّقَاءِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ كَمَا هُوَ اللَّازِمُ مِمَّا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ وَ(اتَّقَوْا) الثَّانِي عَطْفٌ عَلَى نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ دَاخِلٌ مَعَهُ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ، وَالْمُرَادُ اتَّقَوْا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُبَاحًا فِيمَا سَبَقَ، وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ إِمَّا الْإِيمَانُ بِتَحْرِيمِهِ وَتَقْدِيمِ الِاتِّقَاءِ عَلَيْهِ إِمَّا لِلِاعْتِنَاءِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ الْحَادِثِ الَّذِي هُوَ الْمُؤْمِنُ بِهِ وَإِمَّا الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْإِيمَانِ بِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَمُتَعَلِّقُ الِاتِّقَاءِ ثَالِثًا: مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا مِنْ قَبْلُ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوطَ بِالِاتِّقَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إِبَاحَةُ مَا طَعِمُوهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا إِبَاحَةَ مَا طَعِمُوهُ قَبْلَهُ لِانْتِسَاخِ إِبَاحَةِ بَعْضِهِ حِينَئِذٍ وَأُرِيدَ بِالْإِحْسَانِ فِعْلُ الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ الْجَمِيلَةِ الْمُنْتَظِمَةِ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْقَالَبِيَّةِ
وَلَيْسَ تَخْصِيصُ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ بِالذِّكْرِ لِتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهَا بَلْ لِبَيَانِ التَّعَدُّدِ وَالتَّكْرَارِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذَا اتَّقَوُا الْمُحَرَّمَاتِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَكَانُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَرَاعَةِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ بِحَيْثُ كُلَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْمُبَاحَاتِ اتَّقَوْهُ ثُمَّ و ثُمَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمْ فِيمَا طَعِمُوهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ إِذْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُحَرَّمٌ عِنْدَ طُعْمِهِ قَالَهُ مَوْلَانَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَالَ : وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا عَدَا اتِّقَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَادَخْلَ لَهَا فِي انْتِفَاءِ الْجُنَاحِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي حَيِّزِ (إِذَا) شَهَادَةً بِاتِّصَافِ الَّذِينَ سُئِلَ عَنْ حَالِهِمْ بِهَا وَمَدْحًا لَهُمْ بِذَلِكَ وَحَمْدًا لِأَحْوَالِهِمْ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ جُعِلَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ تَبَعًا لِلِاتِّقَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَمَيُّزًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالَهُ دَخْلٌ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ مَسَاقَ النَّظْمِ الْكَرِيمِ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ وَإِنْ كَانَ لِبَيَانِ حَالِ الْمُتَّصِفِينَ بِمَا ذُكِرَ مِنَ النُّعُوتِ فِيمَا سَيَأْتِي مِنَ الزَّمَانِ بِقَضِيَّةِ (إِذَا مَا) لَكِنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ عَنْ حَالِ الْمَاضِينَ ثَبَاتُ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِمْ ضِمْنَ التَّشْرِيعِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْبُرْهَانِيِّ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى كَمَالِ اشْتِهَارِهِمْ بِالِاتِّصَافِ بِهَا فَكَأَنَّهُ قِيلَ : لَيْسَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوهُ إِذَا كَانُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَا لَهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ بِحَيْثُ كُلَّمَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ تُلَقَّوْهُ بِالِامْتِثَالِ وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ فِي حَيَاتِهِمْ لِعَدَمِ تَحْرِيمِهِمَا إِذْ ذَاكَ وَلَوْ حُرِّمَا فِي عَصْرِهِمْ لَاتَّقَوْهُمَا بِالْمَرَّةِ انْتَهَى
[ ص: 19 ] وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لِلتَّشْرِيعِ الْكُلِّيِّ مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=661506عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (قِيلَ لِي أَنْتَ مِنْهُمْ) وَقِيلَ : إِنَّ مَا فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ مِنَ الِاتِّقَاءِ وَغَيْرِهِ إِنَّمَا ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا الْمُبَاحَاتُ وَنَفْيُ الْجُنَاحِ فِي تَنَاوُلِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطٍ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16600عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّقِيبُ الْمُرْتَضَى : إِنَّ الْمُفَسِّرِينَ تَشَاغَلُوا بِإِيضَاحِ الْوَجْهِ فِي التَّكْرَارِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَظَنُّوا أَنَّهُ الْمُشْكِلُ فِيهَا وَتَرَكُوا مَا هُوَ أَشَدُّ إِشْكَالًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى نَفَى الْجُنَاحَ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِيمَا يَطْعَمُونَهُ بِشَرْطِ الِاتِّقَاءِ وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ أَنَّ الْمُبَاحَ لَوْ وَقَعَ مِنَ الْكَافِرِ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا وِزْرَ وَلَنَا فِي حَلِّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضُمَّ إِلَى الْمَشْرُوطِ الْمُصَرَّحِ بِذِكْرِهِ غَيْرَهُ حَتَّى يَظْهَرَ تَأْثِيرُ مَا شُرِطَ فَيَكْوِنُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا وَغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93إِذَا مَا اتَّقَوْا إِلَخْ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ حَتَّى يَكُونَ مَتَى انْتَفَى ثَبُتَ الْجُنَاحُ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ بِاتِّقَاءِ الْمَحَارِمِ يَنْتَفِي الْجُنَاحُ فِيمَا يَطْعَمُ فَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَمَّا وَلِيَ ذِكْرَ الِاتِّقَاءِ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُمَا فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَضْمَرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِيَصِحَّ الشَّرْطُ وَيُطَابِقَ الْمَشْرُوطَ لِأَنَّ مَنِ اتَّقَى الْحَرَامَ فِيمَا يَطْعَمُ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا يَطْعَمُ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الْجُنَاحُ فِيمَا أَخَلَّ بِهِ مِنْ وَاجِبٍ وَضَيَّعَهُ مِنْ فَرْضٍ فَإِذَا شَرَطْنَا الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْجُنَاحُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ حَذْفُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَحْذِفُوا مَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، وَيَكُونَ قُوَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ مُغْنِيَةً عَنِ النُّطْقِ بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
تَرَاهُ كَأَنَّ اللَّهَ يَجْدَعُ أَنْفَهُ وَعَيْنَيْهِ إِنْ مَوْلَاهُ بَاتَ لَهُ وَفْرُ
، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْجَدْعُ يَلِيقُ بِالْعَيْنِ وَكَانَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى الْأَنْفِ الَّذِي يَلِيقُ الْجَدْعُ بِهِ أَضْمَرَ مَا يَلِيقُ بِالْعَيْنِ مِنَ الْبَخْصِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ لَيْسَ شَرْطًا حَقِيقِيًّا وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ وُجُوبَ الْإِيمَانِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ عَطَفَهُ عَلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ مِنِ اتِّقَاءِ الْمَحَارِمِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُوبِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي كَوْنِهِمَا شَرْطًا فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ فِيمَا يُطْعَمُ وَهَذَا تَوَسُّعٌ فِي الْبَلَاغَةِ يَحَارُ فِيهِ الْعَقْلُ اسْتِحْسَانًا وَاسْتِغْرَابًا انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي مِنَ الْبُعْدِ وَإِنَّ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ حَزْنٌ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَذْفِ مَعَ مَا زَعَمَهُ مِنَ الْقَرِينَةِ يَكَادُ يُوجَدُ فِي الْفَصِيحِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَالْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
وَهُوَ مِمَّا لَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ، وَأَيْنَ الْبَيْضُ مِنَ الْبَاذِنْجَانِ، وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَالْكَافِرُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ مَغْمُورٌ بِهِ يَوْمَ الْحِسَابِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا إِنَّ الْكَافِرَ قَدْ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيكِ فَلِذَلِكَ يُخَصُّ الْمُؤْمِنُ بِالذِّكْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ
وَقَالَ
عِصَامُ الْمِلَّةِ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا جُنَاحَ فِيمَا طَعِمُوا مِمَّا سِوَى هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ إِذَا مَا اتَّقَوْا وَلَمْ يَأْكُلُوا فَوْقَ الشِّبَعِ وَلَمْ يَأْكُلُوا مِنْ مَالِ الْغَيْرِ وَذِكْرُ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ الِاتِّقَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُمَا فَإِنَّ مَنْ لَا إِيمَانَ لَهُ لَا يَتَّقِي وَكَذَا مَنْ لَا عَمَلٌ صَالِحٌ لَهُ فَضَمَّهُمَا إِلَى الْإِيمَانِ لِأَنَّهُمَا مِلَاكُ الِاتِّقَاءِ وَتَكْرِيرُ التَّقْوَى وَالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ ثَبَاتَ نَفْيِ الْجُنَاحِ فِيمَا يُطْعَمُ عَلَى ثَبَاتِ التَّقْوَى وَتَرْكِ ذِكْرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ ثَانِيًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ
[ ص: 20 ] الْإِيمَانَ بَعْدَ التَّمَرُّنِ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَدْعُو أَنْ يُتْرَكَ الْعَمَلُ، وَذِكْرُ الْإِحْسَانِ بَعْدُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ كَثْرَةَ مُزَاوَلَةِ التَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ يَنْتَهِي إِلَى الْإِحْسَانِ وَهُوَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنَّكَ تَرَاهُ إِلَى آخِرِ مَا فِي الْخَبَرِ انْتَهَى، وَفِيهِ الْغَثُّ
وَالسَّمِينُ
وَكَلَامُهُمُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُرْتَضَى فِي إِيضَاحِ وَجْهِ التَّكْرِيرِ كَثِيرٌ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13980أَبُو عَلِيٍّ الْجَبَائِيِّ : إِنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ الْمَاضِي، وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِالدَّوَامِ عَلَى ذَلِكَ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى فِعْلِهِ، وَالثَّالِثُ يَخْتَصُّ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ وَبِمَا يَتَعَدَّى الْغَيْرَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ الثَّالِثِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93وَأَحْسَنُوا فَإِنَّ الْإِحْسَانَ إِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي الَّتِي أُمِرُوا بِاتِّقَائِهَا قَبْلَهُ أَيْضًا مُتَعَدِّيَةً وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ إِذْ لَا تَصْرِيحَ فِي الْآيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْسَانِ الْإِحْسَانُ الْمُتَعَدِّي وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَادَ بِهِ فِعْلُ الْحَسَنِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ وَإِنْ خُصَّ الْفَاعِلُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا يَقُولُونَ لَمَنْ بَالَغَ فِي فِعْلِ الْحَسَنِ أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِحْسَانُ الْمُتَعَدِّي فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ عَلَى فِعْلٍ لَا يَتَعَدَّى. وَلَوْ صَرَّحَ سُبْحَانَهُ فَقَالَ : اتَّقُوا الْقَبَائِحَ كُلَّهَا وَأَحْسِنُوا إِلَى النَّاسِ لَمْ يَمْتَنِعْ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ وَقِيلَ : إِنَّ الِاتِّقَاءَ الْأَوَّلَ هُوَ اتِّقَاءُ الْمَعَاصِي الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي تَخُصُّ الْمُكَلَّفَ وَلَا تَتَعَدَّاهُ وَالْإِيمَانُ الْأَوَّلُ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِمَا أَوْجَبَ الْإِيمَانَ بِهِ وَالْإِيمَانُ بِقُبْحِ هَذِهِ الْمَعَاصِي وَوُجُوبِ تَجَنُّبِهَا. وَالِاتِّقَاءُ الثَّانِي: هُوَ اتِّقَاءُ الْمَعَاصِي السَّمْعِيَّةِ وَالْإِيمَانُ الثَّانِي هُوَ الْإِيمَانُ بِقُبْحِهَا وَوُجُوبِ تَجَنُّبِهَا. وَالِاتِّقَاءُ الثَّالِثُ يَخْتَصُّ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ وَهُوَ كَمَا تَرَى وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ: اتِّقَاءُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا مَعَ الثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إِذْ لَا يَنْفَعُ الِاتِّقَاءُ بِدُونِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: اتِّقَاءُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، وَالْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ. وَبِالثَّالِثِ الثَّبَاتُ عَلَى اتِّقَاءِ جَمِيعِ ذَلِكَ مِنَ السَّابِقِ وَالْحَادِثِ مَعَ تَحَرِّي الْأَعْمَالِ الْجَمِيلَةِ وَهَذَا مُرَادُ مَنْ قَالَ : إِنَّ التَّكْرِيرَ بِاعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ : إِنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ لِلتَّقْوَى الْمَبْدَأُ وَالْوَسَطُ وَالْمُنْتَهَى، وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهَا وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ بِأَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُؤْمِنَ بِهِ فِي السِّرِّ وَيَجْتَنِبَ مَا يَضُرُّ نَفْسَهُ مِنْ عَمَلٍ وَاعْتِقَادٍ وَيَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُؤْمِنَ بِهِ عَلَانِيَةً وَيَجْتَنِبَ مَا يَضُرُّ النَّاسَ وَيَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُؤْمِنَ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِحَيْثُ يَرْفَعُ الْوَسَائِطَ وَيَنْتَهِيَ إِلَى أَقْصَى الْمَرَاتِبِ. وَلِمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنَ الزُّلْفَى مِنْهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْإِحْسَانَ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَمَا فَسَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ: (
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنَّكَ تَرَاهُ )
وَقِيلَ : بِاعْتِبَارِ مَا يُتَّقَى فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ تَوَقِّيًا مِنَ الْعِقَابِ، وَالشُّبُهَاتِ تَوَقِّيًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ حِفْظًا لِلنَّفْسِ عَنِ الْخِسَّةِ وَتَهْذِيبًا لَهَا عَنْ دَنَسِ الطَّبِيعَةِ. وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ اتِّقَاءُ الْكُفْرِ وَبِالثَّانِي اتِّقَاءُ الْكَبَائِرِ وَبِالثَّالِثِ اتِّقَاءُ الصَّغَائِرِ وَقِيلَ : إِنَّ التَّكْرِيرَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ وَيَجُوزُ فِيهِ الْعَطْفُ بِثُمَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=3كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=4ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ لِلْمَقَامِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الطِّيبِيُّ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّهَّادَةُ عَنِ الْمُسْتَلَذَّاتِ وَتَحْرِيمُ الطَّيِّبَاتِ وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ مِنْهُمُ التَّرَقِّي فِي مَدَارِجَ التَّقْوَى وَالْإِيمَانِ إِلَى مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ وَالْيَقِينِ وَمَعَارِجِ الْقُدْسِ وَالْكَمَالِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَثْبُتُوا عَلَى الِاتِّقَاءِ عَنِ الشِّرْكِ وَعَلَى الْإِيمَانِ بِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَعَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِتَحْصُلَ الِاسْتِقَامَةُ التَّامَّةُ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا إِلَى التَّرَقِّي إِلَى مَرْتَبَةِ الْمُشَاهَدَةِ وَمَعَارِجِ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنَّكَ تَرَاهُ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93وَأَحْسَنُوا إِلَخْ وَبِهَا يُمْنَحُ الزُّلْفَى عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتُهُ سُبْحَانَهُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بُقُولِهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَفِي هَذَا النَّظْمِ نَتِيجَةٌ مِمَّا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=680603لَيْسَ الزَّهَادَةُ فِي [ ص: 21 ] الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَلَا إِضَاعَةِ الْمَالِ وَلَكِنَّ الزُّهْدَ أَنْ تَكُونَ بِمَا بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِكَ " انْتَهَى
وَهُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ سَلَكُوا طَرِيقَ التَّرَهُّبِ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ فَتَدَبَّرْ
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ عَلَى سَائِرِ التَّقَادِيرِ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهُ أَبْلَغَ تَقْرِيرٍ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ يُحِبُّ هَؤُلَاءِ فَوَضَعَ الْمُحْسِنِينَ مَوْضِعَهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ مُتَّصِفُونَ بِذَلِكَ