ومن باب الإشارة: إن البقرة هي النفس الحيوانية حين زال عنها شره الصبا، ولم يلحقها ضعف الكبر، وكانت معجبة رائقة النظر لا تثير أرض الاستعداد بالأعمال الصالحة، ولا تسقي حرث المعارف والحكم التي فيها بالقوة بمياه التوجه إلى حضرة القدس، والسير إلى رياض الأنس، وقد سلمت لترعى أزهار الشهوات، ولم تقيد بقيود الآداب والطاعات، فلم يرسخ فيها مذهب واعتقاد، ولم يظهر عليها ما أودع فيها من أنوار الاستعداد، وذبحها قمع هواها ومنعها عن [ ص: 295 ] أفعالها الخاصة بها، بشفرة سكين الرياضة، فمن أراد أن يحيا قلبه حياة طيبة، ويتحلى بالمعارف الإلهية والعلوم الحقيقية وينكشف له حال الملك والملكوت، وتظهر له أسرار اللاهوت والجبروت، ويرتفع ما بين عقله ووهمه من التدارؤ والنزاع الحاصل بسبب الإلف للمحسوسات، فليذبحها، وليوصل أثره إلى قلبه الميت، فهناك يخرج المكتوم، وتفيض بحار العلوم، وهذا الذبح هو الجهاد الأكبر، والموت الأحمر، وعقباه الحياة الحقيقية، والسعادة الأبدية
ومن لم يمت في حبه لم يعش به ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
وقد أشير بالشيخ والعجوز والطفل والشاب المقتول على ما في بعض الآثار في هذه القصة إلى الروح والطبيعة الجسمانية والعقل والقلب، وتطبيق سائر ما في القصة بعد هذا إليك، هذا وسلام الله تعالى عليك.