سورة الحاقة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية
قوله تعالى الحاقة ما الحاقة فيه قولان :
أحدهما : أنه ما حق من الوعد والوعيد بحلوله ، وهو معنى قول ابن بحر .
الثاني : أنه القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد ، قاله الجمهور وفي ثلاثة أقاويل : أحدها : ما ذكرنا من استحقاق الوعد والوعيد بالجزاء على الطاعات والمعاصي ، وهو معنى قول تسميتها بالحاقة قتادة . ويحيى بن سلام
الثاني : لأن فيها حقائق الأمور ، قاله . الكلبي
الثالث : لأن حقا على المؤمن أن يخافها .
[ ص: 76 ]
وقوله ( ما الحاقة ) تفخيما لأمرها وتعظيما لشأنها . وما أدراك ما الحاقة قال : بلغني أن كل شيء في القرآن فيه (وما أدراك) فقد أدراه إياه وعلمه إياه ، وكل شيء قال فيه (وما يدريك) فهو ما لم يعلمه إياه . وفيه وجهان : يحيى بن سلام
أحدهما : وما أدراك ما هذا الاسم ، لأنه لم يكن في كلامه ولا كلام قومه ، قاله . الأصم
الثاني : وما أدراك ما يكون في الحاقة . كذبت ثمود وعاد بالقارعة أما ثمود فقوم صالح كانت منازلهم في الحجر فيما بين الشام والحجاز ، قاله : وهو وادي القرى ، وكانوا عربا . وأما محمد بن إسحاق عاد فقوم هود ، وكانت منازلهم بالأحقاف ، والأحقاف الرمل بين عمان إلى حضرموت واليمن كله ، وكانوا عربا ذوي خلق وبسطة ، ذكره . وأما (القارعة) ففيها قولان : محمد بن إسحاق
أحدهما : أنها قرعت بصوت كالصيحة ، وبضرب كالعذاب ، ويجوز أن يكون في الدنيا ، ويجوز أن يكون في الآخرة .
الثاني : أن القارعة هي القيامة كالحاقة ، وهما اسمان لما كذبت بها ثمود وعاد . وفي تسميتها بالقارعة قولان :
أحدهما : لأنها تقرع بهولها وشدائدها .
الثاني : أنها مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين ، قاله . المبرد فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية فيها خمسة أقاويل : أحدها : بالصيحة ، قاله . قتادة
الثاني : بالصاعقة ، قاله . الكلبي
الثالث : بالذنوب ، قاله . مجاهد
الرابع : بطغيانهم ، قاله . الحسن
الخامس : أن الطاغية عاقر الناقة ، قاله . ابن زيد وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية روى عن مجاهد قال : ابن عباس
[ ص: 77 ]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . فأما صرصر ففيها قولان : (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور)
أحدهما : أنها الريح الباردة ، قاله الضحاك ، مأخوذ من الصر وهو البرد . والحسن
الثاني : أنها الشديدة الصوت ، قاله . وأما العاتية ففيها ثلاثة أوجه : مجاهد
أحدها : القاهرة ، قاله . ابن زيد
الثاني : المجاوزة لحدها .
الثالث : التي لا تبقى ولا ترقب . وفي تسميتها عاتية وجهان :
أحدهما : لأنها عتت على القوم بلا رحمة ولا رأفة ، قاله . ابن عباس
الثاني : لأنها عتت على خزانها بإذن الله . سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما اختلف في أولها على ثلاثة أقاويل : أحدها : أن أولها غداة يوم الأحد ، قاله . السدي
الثاني : غداة يوم الأربعاء ، قاله . يحيى بن سلام
الثالث : غداة يوم الجمعة ، قاله . وفي قوله الربيع بن أنس حسوما أربعة تأويلات : أحدها : متتابعات ، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد ، ومنه قول والفراء أمية بن أبي الصلت
وكم يحيى بها من فرط عام وهذا الدهر مقتبل حسوم .
الثاني : مشائيم ، قاله عكرمة . والربيع
الثالث : أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها ، لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم ، وانقطعت مع غروب الشمس من آخر يوم ، قاله . الضحاك
[ ص: 78 ]
الرابع : لأنها حسمتهم ولم تبق منهم أحدا ، قاله ، وفي ذلك يقول الشاعر ابن زيد
ومن مؤمن قوم هود فأرسل ريحا دبورا عقيما
توالت عليهم فكانت حسوما
فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : البالية ، قاله . أبو الطفيل
الثاني : الخالية الأجواف ، قاله . ابن كامل
الثالث : ساقطة الأبدان ، خاوية الأصول ، قاله . وفي تشبيههم بالنخل الخاوية ثلاثة أوجه : السدي
أحدها : أن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية ، قاله . يحيى بن سلام
الثاني : أن الريح كانت تدخل في أجوافهم من الخيشوم ، وتخرج من أدبارهم ، فصاروا كالنخل الخاوية ، حكاه ابن شجرة .
الثالث : لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم ، فصاروا بقطعها كالنخل الخاوية . وجاء فرعون ومن قبله فيه وجهان :
أحدهما : ومن معه من قومه وهو تأويل من قرأ (ومن قبله) بكسر القاف وفتح الباء . والثاني : ومن تقدمه ، وهو تأويل من قرأ (ومن قبله) بفتح القاف وتسكين الباء . والمؤتفكات بالخاطئة في المؤتفكات قولان :
أحدهما : أنها المقلوبات بالخسف .
الثاني : أنها الأفكات وهي الاسم من الآفكة ، أي الكاذبة . والخاطئة : هي ذات الذنوب والخطايا ، وفيهم قولان :
أحدهما : أنهم قوم لوط .
الثاني : قارون وقومه ، لأن الله خسف بهم .
[ ص: 79 ]
فعصوا رسول ربهم فيه وجهان :
أحدهما : فعصوا رسول الله إليهم بالتكذيب .
الثاني : فعصوا رسالة الله إليهم بالمخالفة ، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول ، قال الشاعر
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول .
فأخذهم أخذة رابية فيه خمسة أوجه :
أحدها : شديدة ، قاله . مجاهد
الثاني : مهلكة ، قاله . السدي
الثالث : تربو بهم في عذاب الله أبدا ، قاله . أبو عمران الجوني
الرابع : مرتفعة ، قاله . الضحاك
الخامس : رابية للشر ، قاله . ابن زيد إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ظهر ، رواه . ابن أبي نجيح
الثاني : زاد وكثر ، قاله . عطاء
الثالث : أنه طغى على خزانه من الملائكة ، غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه ، قاله رضي الله عنه . قال علي : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا . وروي عن قتادة أنه قال : ما أرسل من ريح قط إلا بمكيال . وما أنزل الله من قطرة قط إلا بمثقال ، إلا يوم ابن عباس نوح وعاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه فلم يكن لهم عليه سبيل ، ثم قرأ : إنا لما طغى الماء الآية . وإن الريح طغت على خزانها يوم عاد فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ . (بريح صرصر عاتية سخرها عليهم) الآية . حملناكم في الجارية يعني سفينة نوح ، سميت بذلك لأنها جارية على الماء . وفي قوله حملناكم وجهان :
[ ص: 80 ]
أحدهما : حملنا آباءكم الذين أنتم من ذريتهم .
الثاني : أنهم في ظهور آبائهم المحمولين ، فصاروا معهم ، وقد قال ما يدل على هذا الوجه وهو قوله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب
من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق .
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق .
بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسرا وأهله الغرق .
لنجعلها لكم تذكرة يعني سفينة نوح جعلها الله لكم تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم في قول ، وقال قتادة : كانت ألواحها على ابن جريج الجودي . وتعيها أذن واعية فيه أربعة أوجه :
أحدها : سامعة ، قاله . ابن عباس
الثاني : مؤمنة ، قاله . ابن جريج
الثالث : حافظة ، وهذا قول أيضا . قال ابن عباس : يقال وعيت لما حفظته في نفسك ، وأوعيت لما حفظته في غيرك . وروى الزجاج مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية : (سألت ربي أن يجلعها أذن علي) قال : فكان مكحول رضي الله عنه يقول : ما سمعت من رسول الله شيئا قط نسيته إلا وحفظته . علي
الرابع : [أنا الأذن الواعية] أذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتاب الله ، قاله . قتادة