قوله عز وجل: والله جعل لكم مما خلق ظلالا فيه وجهان: أحدهما: البيوت ، قاله الكلبي.
الثاني: الشجر ، قاله . قتادة وجعل لكم من الجبال أكنانا الأكنان: جمع كن وهو الموضع الذي يستكن فيه، وفيه وجهان:
[ ص: 206 ] أحدهما أنه ظل الجبال.
الثاني: أنه ما فيها من غار أو شرف. وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر يعني ثياب القطن والكتان والصوف. وسرابيل تقيكم بأسكم يعني الدروع التي تقي البأس ، وهي الحرب. قال كل ما لبس من قميص ودروع فهو سربال. فإن قيل: فكيف قال: الزجاج: وجعل لكم من الجبال أكنانا ولم يذكر السهل وقال: تقيكم الحر ولم يذكر البرد؟ فعن ذلك ثلاثة أجوبة: أحدها: أن القوم كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل ، وكانوا أهل حر ولم يكونوا أهل برد ، فذكر لهم نعمه عليهم مما هو مختص بهم ، قاله عطاء.
الثاني: أنه اكتفى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر ، إذ كان معلوما أن من اتخذ من الجبال أكنانا اتخذ من السهل ، والسرابيل التي تقي الحر تقي البرد ، قاله ، ومثله قول الشاعر : الفراء
وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني.
فكنى عن الشر ولم يذكره لأنه مدلول عليه.
الثالث: أنه ذكر الجبال لأنه قدم ذكر السهل بقوله تعالى: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وذكر الحر دون البرد تحذيرا من حر جهنم وتوقيا لاستحقاقها بالكف عن المعاصي. كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون أي تؤمنون بالله إذا عرفتم نعمه عليكم. وقرأ لعلكم تسلمون بفتح التاء أي تسلمون من الضرر ، فاحتمل أن يكون عنى ضرر الحر والبرد واحتمل أن يكون ضرر القتال والقتل ، واحتمل أن يريد ضرر العذاب في الآخرة إن اعتبرتم وآمنتم. قوله عز وجل: ابن عباس يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها فيه خمسة تأويلات:
[ ص: 207 ] أحدها: أنه عنى النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون نبوته ثم ينكرونها ويكذبونه، قاله السدي.
الثاني: أنهم يعرفون ما عدد الله تعالى عليهم في هذه السورة من النعم وأنها من عند الله وينكرونها بقولهم أنهم ورثوا ذلك عن آبائهم ، قاله . مجاهد
الثالث: أن إنكارها أن يقول الرجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا ولولا فلان ما أصبت كذا ، قاله عون بن عبد الله.
الرابع: أن معرفتهم بالنعمة إقرارهم بأن الله رزقهم ، وإنكارهم قولهم: رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا.
الخامس: يعرفون نعمة الله بتقلبهم فيها ، وينكرونها بترك الشكر عليها. ويحتمل سادسا: يعرفونها في الشدة ، وينكرونها في الرخاء. ويحتمل سابعا يعرفونها بأقوالهم ، وينكرونها بأفعالهم. قال هذه السورة تسمى سورة النعم ؛ لما ذكر الله فيها من كثرة نعمه على خلقه. الكلبي: وأكثرهم الكافرون فيه وجهان: أحدهما: معناه وجميعهم كافرون ، فعبر عن الجميع بالأكثر ، وهذا معنى قول الحسن.
الثاني: أنه قال وأكثرهم الكافرون لأن فيهم من جرى عليه حكم الكفر تبعا لغيره كالصبيان والمجانين ، فتوجه الذكر إلى المكلفين.