قوله تعالى : قل يا أهل الكتاب لم تكفرون الآيات .
أخرج ، ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن وأبو الشيخ، قال زيد بن أسلم مر شأس بن قيس - وكان شيخا قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم - على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار . فأمر فتى شابا معه من يهود، فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار . وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب ؛ أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من [ ص: 699 ] الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددناها الآن جذعة . وغضب الفريقان جميعا، وقالوا : قد فعلنا . السلاح السلاح ، موعدكم الظاهرة . والظاهرة الحرة ، فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم في من معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال : " يا معشر المسلمين، الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟ " . فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم لهم ، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس، وأنزل الله في شأن شأس بن قيس وما صنع : قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون إلى قوله : وما الله بغافل عما تعملون ، وأنزل في أوس بن قيظي وجبار ابن صخر، ومن كان معهما من قومهما، الذين صنعوا ما صنعوا : يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين . إلى قوله : وأولئك لهم عذاب عظيم .
[ ص: 700 ] وأخرج ، الفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق والطبراني أبي نصر، عن قال : ابن عباس كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر، فبينما هم يوما جلوس ذكروا ما بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فركب إليهم ، فنزلت : وكيف تكفرون الآية والآيتان بعدها .
وأخرج عن ابن المنذر قال : عكرمة كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال في الجاهلية، فلما جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم، فجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك، فقال الحي الآخرون : قد قال شاعرنا كذا وكذا . فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب إلى قوله : لعلكم تهتدون . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فقرأهن ورفع صوته، فلما سمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أنصتوا له وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا وجثوا يبكون .
وأخرج ، ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم قال : مجاهد كان جماع قبائل الأنصار بطنين ؛ الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء وشنآن، حتى من الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطفأ الله الحرب التي [ ص: 701 ] كانت بينهم، وألف بينهم بالإسلام ، فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحادثان، ومعهما يهودي جالس، فلم يزل يذكرهما بأيامهما والعداوة التي كانت بينهم، حتى استبا، ثم اقتتلا، فنادى هذا قومه، وهذا قومه، فخرجوا بالسلاح، وصف بعضهم لبعض، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ليسكنهم، حتى رجعوا ، فأنزل الله في ذلك القرآن : يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين .
وأخرج ، ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم في الآية قال : نزلت في السدي ثعلبة بن عنمة الأنصاري، وكان بينه وبين أناس من الأنصار كلام، فمشى بينهم يهودي من قينقاع، فحمل بعضهم على بعض، حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاح فيقاتلوا ، فأنزل الله : إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين . يقول : إن حملتم السلاح فاقتتلتم كفرتم .
وأخرج ، ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم في قوله : السدي لم تصدون عن سبيل الله الآية . قال : كانوا إذا سألهم أحد : هل تجدون محمدا؟ قالوا : لا . فصدوا الناس عنه، وبغوا محمدا صلى الله عليه وسلم عوجا ؛ هلاكا .
[ ص: 702 ] وأخرج ، عبد بن حميد ، عن وابن جرير في الآية : يقول : لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله صلى الله عليه وسلم من آمن بالله، وأنتم شهداء فيما تقرءون من كتاب الله أن قتادة محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره، ولا يجزي إلا به، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
وأخرج ، عن ابن جرير في قوله : الحسن يا أهل الكتاب لم تصدون . قال : هم اليهود والنصارى ، نهاهم أن يصدوا المسلمين عن سبيل الله، ويريدون أن يعدلوا الناس إلى الضلالة .
وأخرج ، عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن وابن المنذر في قوله : قتادة يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا الآية : قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون، وحذركموهم وأنبأكم بضلالتهم، فلا تأمنوهم على دينكم ولا تنتصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداء الحسدة الضلال ، كيف تأمنون قوما كفروا بكتابهم، وقتلوا رسلهم، وتحيروا في دينهم، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك والله أهل التهمة والعداوة .
وأخرج ، عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن وابن أبي حاتم في قوله : قتادة وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله .
قال : [ ص: 703 ] علمان بينان ؛ نبي الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله، فأما نبي الله فمضى عليه الصلاة والسلام، وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله ونعمة ، فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته .
وأخرج ، ابن جرير ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن جريج ومن يعتصم بالله . قال : يؤمن بالله .
وأخرج ، عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم قال : الاعتصام بالله الثقة به . أبي العالية
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال : الربيع " إن الله قضى على نفسه أنه من آمن به هداه، ومن وثق به أنجاه " . قال : وتصديق ذلك في كتاب الله : الربيع ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم .
وأخرج ، من طريق عبد بن حميد عن الربيع، قال : إن الله قضى على نفسه أنه من آمن به هداه، ومن توكل عليه كفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن وثق به أنجاه، ومن دعاه استجاب له بعد أن يستجيب لله . قال أبي العالية : وتصديق ذلك في كتاب الله : الربيع ومن يؤمن بالله يهد قلبه ، [ ص: 704 ] ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ، ومن يقرض الله قرضا حسنا يضاعفه له ، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ، وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي .
وأخرج تمام في " فوائده " عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كعب بن مالك " أوحى الله إلى داود : يا داود، ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف منه نيته إلا قطعت أسباب السماء من بين يديه، وأسخت الهواء من تحت قدميه " .
وأخرج عن الحكيم الترمذي قال : أوحى الله إلى الزهري داود : ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي وتكيده السماوات والأرض إلا جعلت له من ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماء من بين يديه، وأسخت الأرض من تحت قدميه .
وأخرج وصححه، وتعقبه الحاكم الذهبي، عن قال : قال رسول [ ص: 705 ] الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر " من طلب ما عند الله كانت السماء ظلاله والأرض فراشه، لم يهتم بشيء من أمر الدنيا، فهو لا يزرع الزرع وهو يأكل الخبز، ولا يغرس الشجر ويأكل الثمار ؛ توكلا على الله وطلب مرضاته، فضمن الله السماوات والأرض رزقه، فهم يتعبون فيه، ويأتون به حلالا، ويستوفي هو رزقه بغير حساب حتى أتاه اليقين . قال : صحيح . قال الحاكم الذهبي : بل منكر أو موضوع، فيه عمرو بن بكر السكسكي متهم عند ابن حبان، وإبراهيم ابنه، قال : متروك . الدارقطني
وأخرج وصححه عن الحاكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : معقل بن يسار آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقا، يا ابن آدم، لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرا وأملأ يديك شغلا " . " يقول ربكم : يا ابن
وأخرج وصححه عن الحاكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر . " من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة، ومن تشاعبت به الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك "