حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ليس المراد تحريم ذواتهن بل تحريم نكاحهن لأنه معظم ما يقصد منهن، ولأنه المتبادر إلى الفهم كتحريم الأكل من قوله: حرمت عليكم الميتة ولأن ما قبله وما بعده في النكاح، وأمهاتكم تعم من ولدتك أو ولدت من ولدك وإن علت، وبناتكم تتناول من ولدتها أو ولدت من ولدها وإن سفلت، وأخواتكم الأخوات من الأوجه الثلاثة. وكذلك الباقيات والعمة كل أنثى ولدها من ولد ذكرا ولدك والخالة كل أنثى ولدها من ولد أنثى ولدتك قريبا أو بعيدا، وبنات الأخ وبنات الأخت تتناول القربى والبعدى. وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة نزل الله الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة أما والمرضعة أختا، وأمرها على قياس النسب باعتبار المرضعة ووالد الطفل الذي در عليه اللبن.
قال عليه الصلاة والسلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
واستثناء أخت ابن الرجل وأم أخيه من الرضاع من هذا الأصل ليس بصحيح فإن حرمتهما من النسب بالمصاهرة دون النسب. وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ذكر أولا ثم محرمات النسب لأن لها لحمة كلحمة النسب، ثم محرمات المصاهرة فإن تحريمهن عارض لمصلحة الزواج، والربائب جمع ربيبة. والربيب ولد المرأة من آخر سمي به لأنه يربه كما يرب ولده في غالب الأمر، فعيل بمعنى مفعول وإنما لحقه التاء لأنه صار اسما ومن نسائكم متعلق بربائبكم، واللاتي بصلتها صفة لها مقيدة للفظ والحكم بالإجماع قضية للنظم، ولا يجوز تعليقها بالأمهات أيضا لأن من إذا علقتها بالربائب كانت ابتدائية، وإذا علقتها بالأمهات لم يجز ذلك بل وجب أن يكون بيانا لنسائكم والكلمة الواحدة لا تحمل على معنيين عند جمهور الأدباء اللهم إذا جعلتها للاتصال كقوله: [ ص: 68 ] محرمات الرضاعة،
إذا حاولت في أسد فجورا ... فإني لست منك ولست مني
على معنى أن أمهات النساء وبناتهن متصلات بهن، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فقال في رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها: «إنه لا بأس أن يتزوج ابنتها ولا يحل له أن يتزوج أمها».
وإليه ذهب عامة العلماء، غير أنه روي عن رضي الله تعالى عنه تقييد التحريم فيهما. ولا يجوز أن يكون الموصول الثاني صفة للنساءين لأن عاملهما مختلف، وفائدة قوله في حجوركم تقوية العلة وتكميلها، والمعنى أن الربائب إذا دخلتم بأمهاتهن وهن في احتضانكم أو بصدده تقوى الشبه بينها وبين أولادكم وصارت أحقاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة، وإليه ذهب جمهور العلماء. علي
وقد روي عن رضي الله تعالى عنه أنه جعله شرطا، والأمهات والربائب يتناولان القريبة والبعيدة، وقوله دخلتم بهن أي دخلتم معهن الستر وهي كناية عن الجماع، ويؤثر في حرمة المصاهرة ما ليس بزنا كالوطء بشبهة، أو ملك يمين. وعند علي لمس المنكوحة ونحوه كالدخول. أبي حنيفة فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم تصريح بعد إشعار دفعا للقياس.
وحلائل أبنائكم زوجاتهم، سميت الزوجة حليلة لحلها أو لحلولها مع الزوج. الذين من أصلابكم احتراز عن المتبنين لا عن أبناء الولد وأن تجمعوا بين الأختين في موضع الرفع عطفا على المحرمات، والظاهر أن الحرمة غير مقصورة على النكاح فإن المحرمات المعدودة كما هي محرمة في النكاح فهي محرمة في ملك اليمين، ولذلك قال عثمان رضي الله تعالى عنهما: حرمتهما آية وأحلتهما آية، يعنيان هذه الآية. وعلي
وقوله: أو ما ملكت أيمانكم فرجح كرم الله وجهه التحريم، علي رضي الله عنه التحليل. وعثمان
وقول أظهر لأن آية التحليل مخصوصة في غير ذلك، ولقوله عليه الصلاة والسلام: علي «ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام». إلا ما قد سلف استثناء من لازم المعنى، أو منقطع معناه لكن ما قد سلف مغفور لقوله: إن الله كان غفورا رحيما