وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق أي القرآن. مصدقا لما بين يديه من الكتاب من جنس الكتب المنزلة، فاللام الأولى للعهد والثانية للجنس. ومهيمنا عليه ورقيبا على سائر الكتب يحفظه عن التغيير ويشهد له بالصحة والثبات، وقرئ على بنية المفعول أي هومن عليه وحوفظ من التحريف والحافظ له هو الله سبحانه وتعالى، أو الحفاظ في كل عصر. فاحكم بينهم بما أنزل الله أي بما أنزل الله إليك. ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق بالانحراف عنه إلى ما يشتهونه فعن صلة للا تتبع لتضمنه معنى لا تنحرف، أو حال من فاعله أي لا تتبع أهواءهم مائلا عما جاءك. لكل جعلنا منكم أيها الناس. شرعة شريعة وهي الطريق إلى الماء شبه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية. وقرئ بفتح الشين. ومنهاجا وطريقا واضحا في الدين من نهج الأمر إذا وضح. واستدل به على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة. ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة جماعة متفقة على دين واحد في جميع الأعصار من غير نسخ وتحويل، ومفعول لو شاء محذوف دل عليه الجواب، وقيل المعنى لو شاء الله اجتماعكم على الإسلام لأجبركم عليه. ولكن ليبلوكم في ما آتاكم من الشرائع المختلفة المناسبة لكل عصر وقرن، هل تعملون بها مذعنين لها معتقدين أن اختلافها بمقتضى الحكمة الإلهية، أم تزيغون عن الحق وتفرطون في العمل. فاستبقوا الخيرات فابتدروها انتهازا للفرصة وحيازة لفضل السبق والتقدم. إلى الله مرجعكم جميعا استئناف فيه تعليل الأمر بالاستباق ووعد [ ص: 130 ]
ووعيد للمبادرين والمقصرين. فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل والعامل والمقصر.