قوله عز وجل: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما .
بنت امرأة الرجل من غيره، سميت بذلك لأنه يربيها في حجره فهي مربوبته. وربيبة: فعيلة بمعنى مفعولة، وقوله تعالى: الربيبة: اللاتي في حجوركم ذكر الأغلب في هذه الأمور، إذ هي حالة الربيبة في الأكثر، وهي محرمة وإن كانت في غير الحجر، لأنها في حكم أنها في الحجر، إلا ما روي عن أنه قال: تحل إذا لم تكن في الحجر وإن دخل بالأم، إذا كانت بعيدة عنه، ويقال: حجر بكسر الحاء وفتحها، وهو مقدم ثوب الإنسان وما بين يديه منه في حالة اللبس، ثم استعملت اللفظة في [ ص: 509 ] الحفظ والستر، لأن اللابس إنما تحفظ طفلا وما أشبهه بذلك الموضع من الثوب. علي
واختلف العلماء في معنى قوله: دخلتم بهن فقال ابن عباس وطاوس وابن دينار: الدخول في هذا الموضع: الجماع، فإن طلق الرجل بعد البناء وقبل الوطء فإن ابنتها له حلال. وقال جمهور من العلماء منهم مالك بن أنس وغيرهم: إن التجريد والتقبيل والمضاجعة وجميع أنواع التلذذ يحرم الابنة كما يحرمها الوطء; والحلائل: جمع حليلة، وهي الزوجة، لأنها تحل مع الرجل حيث حل، فهي فعيلة بمعنى فاعلة. وذهب وعطاء بن أبي رباح وقوم إلى أنها من لفظة الحلال، فهي حليلة بمعنى محللة. وقوله: الزجاج الذين من أصلابكم تخصيص ليخرج عنه كل من كانت العرب تتبناه ممن ليس للصلب، وكان عندهم أمرا كثيرا قوي الحكم.
قال يتحدث والله أعلم أنها نزلت في عطاء بن أبي رباح: محمد عليه السلام حين تزوج امرأة فقال المشركون: قد تزوج امرأة ابنه، فنزلت الآية. زيد بن حارثة،
وحرمت حليلة الابن من الرضاع وإن لم يكن للصلب; بالإجماع المستند إلى قوله صلى الله عليه وسلم: وقوله تعالى: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف لفظ يعم الجمع بنكاح وبملك يمين، وأما بملك يمين، فقال وأجمعت الأمة على منع جمعهما بنكاح، رضي الله عنه: أحلتهما آية، وحرمتهما آية. فأما أنا في خاصة نفسي فلا أرى الجمع بينهما حسنا. وروي نحو هذا عن عثمان بن عفان ذكره ابن عباس، وذكر أن ابن المنذر، حرم الجمع بينهما بالوطء، وأن جمهور أهل العلم كرهوا ذلك، وجعل إسحاق بن راهويه فيمن كرهه. مالكا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا خلاف في جواز جمعهما في الملك، وكذلك الأم وبنتها، ويجيء من قول إسحاق أن يرجم الجامع بينهما بالوطء، وتستقرأ الكراهية من قول إنه إذا وطئ واحدة ثم وطئ أخرى; وقف عنهما حتى يحرم إحداهما، فلم يلزمه حدا. مالك:
واختلف العلماء بعد القول بالمنع من الجمع بينهما بالوطء، إذا كان يطأ واحدة ثم [ ص: 510 ] أراد أن يطأ الأخرى; فقال رضي الله عنه علي بن أبي طالب وابن عمر والحسن البصري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يجوز له وطء الثانية حتى يحرم فرج الأخرى بإخراجها من ملكه، ببيع أو عتق أو بأن يزوجها. قال وفيها قول ثان ابن المنذر: وهو أنه إن كان يطأ واحدة وأراد وطء الأخرى فإنه ينوي تحريم الأولى على نفسه وألا يقربها، ثم يمسك عنها حتى يستبرئ الأولى المحرمة، ثم يغشى الثانية. لقتادة،
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومذهب رحمه الله: إذا كان أختان عند رجل يملك، فله أن يطأ أيتهما شاء، والكف عن الأخرى موكول إلى أمانته، فإن أراد وطء الأخرى فيلزمه أن يحرم على نفسه فرج الأولى بفعل يفعله، من إخراج عن الملك أو تزويج أو عتق إلى أجل أو إخدام طويل، فإن كان يطأ إحداهما ثم وثب على الأخرى دون أن يحرم الأولى وقف عنهما ولم يجز له قرب إحداهما حتى يحرم الأخرى، ولم يبق ذلك إلى أمانته، لأنه متهم فيمن قد وطئ، ولم يكن قبل متهما إذ كان لم يطأ إلا الواحدة. وإن كانت عند رجل أمة يطؤها ثم تزوج أختها، ففيها في المذهب ثلاثة أقوال: في النكاح الثالث من المدونة أنه يوقف عنهما إذا وقع عقد النكاح حتى يحرم إحداهما مع كراهيته لهذا النكاح، إذ هو عقد في موضع لا يجوز فيه الوطء، وذلك مكروه إلا في الحيض، لأنه أمر غالب كثير، وفي الباب بعينه قول آخر: إن النكاح لا ينعقد. وقال مالك في كتاب الاستبراء: عقد النكاح في الواحدة تحريم لفرج المملوكة; وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أشهب نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وأجمعت الأمة على ذلك; وقد رأى بعض العلماء أن هذا الحديث ناسخ لعموم قوله تعالى: أنه وأحل لكم ما وراء ذلكم وذلك الحديث من المتواتر، وكذلك قوله عليه السلام: قيل أيضا: إنه ناسخ. "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب"
وقوله تعالى: إلا ما قد سلف استثناء منقطع، معناه: لكن ما قد سلف من ذلك ووقع وأزاله الإسلام فإن الله يغفره، والإسلام يجبه.