إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا
إن أحسنتم أعمالكم سواء كانت لازمة لأنفسكم، أو متعدية إلى الغير، أي: عملتموها لا على الوجه اللائق، ولا يتصور ذلك إلا بعد أن تكون الأعمال حسنة في أنفسها، أو إن فعلتم الإحسان، أحسنتم لأنفسكم ; لأن ثوابها لها. وإن أسأتم أعمالكم بأن عملتموها لا على الوجه اللائق، ويلزمه السوء الذاتي، أو فعلتم الإساءة فلها إذ عليها وبالها، وعن علي كرم الله وجهه ما أحسنت إلى أحد، ولا أسأت إليه، وتلاها فإذا جاء وعد الآخرة حان وقت ما وعد من عقوبة المرة الآخرة، ليسوءوا وجوهكم متعلق بفعل حذف لدلالة ما سبق عليه، أي: بعثناهم ليسوءوا، ومعنى ليسوءوا وجوهكم، ليجعلوا آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم كقوله تعالى: سيئت وجوه الذين كفروا وقرئ: (ليسوء) على أن الضمير لله تعالى، أو للوعد، أو للبعث. ولنسوء بنون العظمة، وفي قراءة رضي الله عنه لنسوأن على أنه جواب "إذا". وقرئ: لنسوأن بالنون الخفيفة وليسوأن، واللام في قوله عز وجل: علي وليدخلوا المسجد عطف على ليسوءوا متعلق بما تعلق هو به كما دخلوه أول مرة أي: في أول مرة وليتبروا أي: يهلكوا ما علوا ما غلبوه، واستولوا عليه، أو مدة علوهم تتبيرا فظيعا لا يوصف بأن سلط الله عز سلطانه عليهم الفرس ، فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه جودردو ، قيل: جردوس . وقيل: دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم عنه، فقالوا: دم قربان لم يقبل منا، فقال: لم تصدقوني ، فقتل على ذلك ألوفا فلم يهدأ الدم، ثم قال: إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحدا، فقالوا: إنه دم يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام، فقال: لمثل هذا ينتقم منكم ربكم، ثم قال: يا يحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك، فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا أبقي منهم أحدا فهدأ.