فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين .
فأزلهما الشيطان عنها : أي: أصدر زلتهما؛ أي زلقهما؛ وحملهما على الزلة بسببها؛ ونظيرة عن هذه ما في قوله (تعالى): وما فعلته عن أمري ؛ أو: أزلهما عن الجنة؛ بمعنى أذهبهما؛ وأبعدهما عنها؛ يقال: "زل عني كذا"؛ إذا ذهب عنك؛ ويعضده قراءة: "أزالهما"؛ وهما متقاربان في المعنى؛ فإن الإزلال - أي الإزلاق - يقتضي زوال الزال عن موضعه؛ البتة؛ وإزلاله: قوله لهما: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ؛ وقوله: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ؛ ومقاسمته لهما: إني لكما لمن الناصحين ؛ وهذه الآيات مشعرة بأنه - عليه السلام - لم يؤمر بسكنى الجنة على وجه الخلود؛ بل على وجه التكرمة؛ والتشريف؛ لما قلد من خلافة الأرض إلى حين البعث إليها. واختلف في كيفية توصله إليهما؛ بعدما قيل له: فاخرج منها فإنك رجيم ؛ فقيل: إنه إنما منع من الدخول على وجه التكرمة؛ كما يدخلها الملائكة - عليهم السلام -؛ ولم يمنع من الدخول للوسوسة؛ ابتلاء لآدم؛ وحواء؛ وقيل: قام عند الباب؛ فناداهما؛ وقيل: تمثل بصورة دابة؛ فدخل؛ ولم يعرفه الخزنة؛ وقيل: دخل في فم الحية؛ فدخل معها؛ وقيل: أرسل بعض أتباعه؛ فأزلهما؛ والعلم عند الله - سبحانه.
فأخرجهما مما كانا فيه : أي: من الجنة؛ إن كان ضمير "عنها" للشجرة؛ والتعبير عنها بذلك للإيذان بفخامتها وجلالتها؛ وملابستهما له؛ أي: من المكان العظيم؛ الذي كانا مستقرين فيه؛ أو من الكرامة والنعيم؛ إن كان الضمير للجنة.
وقلنا اهبطوا : الخطاب لآدم وحواء - عليهما السلام -؛ بدليل قوله (تعالى): اهبطا منها جميعا ؛ وجمع الضمير لأنهما أصل الجنس؛ فكأنهما الجنس كلهم؛ وقيل: لهما؛ وللحية؛ وإبليس؛ على أنه أخرج منها ثانية؛ بعدما كان يدخلها للوسوسة؛ أو يدخلها مسارقة؛ أو أهبط من السماء؛ وقرئ بضم الباء.
بعضكم لبعض عدو : حال استغني فيها عن الواو بالضمير؛ أي: متعادين؛ يبغي بعضكم على بعض؛ بتضليله؛ أو استئناف لا محل له من الإعراب؛ وإفراد "العدو" إما للنظر إلى لفظ "البعض"؛ وإما لأن وزانه وزان المصدر؛ كـ "القبول".
ولكم في الأرض ؛ التي هي محل الإهباط؛ والظرف متعلق بما تعلق به الخبر؛ أعني "لكم"؛ من [ ص: 92 ] الاستقرار مستقر : أي استقرار؛ أو موضع استقرار؛ ومتاع ؛ أي تمتع بالعيش؛ وانتفاع به؛ إلى حين ؛ هو حين الموت؛ على أن المغيا تمتع كل فرد من المخاطبين؛ أو القيامة؛ على أنه تمتع الجنس في ضمن بعض الأفراد؛ والجملة كما قبلها - في كونها حالا -؛ أي مستحقين للاستقرار؛ والتمتع؛ أو استئنافا.