أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون
أومن كان ميتا وقرئ : ( ميتا ) على الأصل .
فأحييناه تمثيل مسوق لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين ، إثر تحذيرهم عنها بالإشارة إلى أنهم مستضيئون بأنوار الوحي الإلهي ، والمشركون خابطون في ظلمات الكفر والطغيان ، فكيف يعقل إطاعتهم لهم .
والهمزة للإنكار والنفي ، والواو لعطف الجملة الاسمية على مثلها الذي يدل عليه الكلام ; أي : أأنتم مثلهم ؟ ومن كان ميتا فأعطيناه الحياة ، وما يتبعها من القوى المدركة والمحركة .
وجعلنا له مع ذلك من الخارج ، نورا عظيما .
يمشي به ; أي : بسببه ، والجملة استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام ، كأنه قيل : فماذا يصنع بذلك النور ؟ فقيل : يمشي به .
في الناس ; أي : فيما بينهم آمنا من جهتهم ، أو صفة له .
كمن مثله ; أي : صفته العجيبة ، وهو مبتدأ .
وقوله تعالى : في الظلمات خبره ، على أن [ ص: 181 ] المراد بهما اللفظ لا المعنى ، كما في قولك : زيد صفته أسمر ، وهذه الجملة صلة لمن ، وهي مجرورة بالكاف ، وهي مع مجرورها خبر لمن الأولى .
وقوله تعالى : ليس بخارج منها حال من المستكن في الظرف . وقيل : من الموصول ; أي : غير خارج منها بحال .
وهذا كما ترى مثل أريد به من بقي في الضلالة ، بحيث لا يفارقها أصلا ، كما أن الأول مثل أريد به من خلقه الله تعالى على فطرة الإسلام ، وهداه بالآيات البينة إلى طريق الحق يسلكه كيف يشاء ، لكن لا على أن يدل على كل واحد من هذه المعاني بما يليق به من الألفاظ الواردة في المثلين بواسطة تشبيهه بما يناسبه من معانيها ، فإن ألفاظ المثل باقية في معانيها الأصلية ، بل على أنه قد انتزعت من الأمور المتعددة المعتبرة في كل واحد من جانبي المثلين هيئة على حدة ، ومن الأمور المتعددة المذكورة في كل واحد من جانبي المثلين هيئة على حدة ، فشبهت بهما الأوليان ونزلتا منزلتيهما ، فاستعمل فيهما ما يدل على الأخريين بضرب من التجوز .
وقد أشير في تفسير قوله تعالى : ختم الله على قلوبهم ... الآية ، إلى أن التمثيل قسم برأسه ، لا سبيل إلى جعله من باب الاستعارة حقيقة ، وأن الاستعارة التمثيلية من عبارات المتأخرين ، نعم قد يجري ذلك على سنن الاستعارة بأن لا يذكر المشبه كهذين التمثيلين ونظائرهما ، وقد يجري على منهاج التشبيه كما في قوله :
وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوا بلاقع
كذلك ; أي : مثل ذلك التزيين البليغ .
زين ; أي : من جهة الله تعالى بطريق الخلق عند إيحاء الشياطين ، أو من جهة الشياطين بطريق الزخرفة والتسويل .
للكافرين التابعين للوساوس الشيطانية ، الآخذين بالمزخرفات التي يوحونها إليهم .
ما كانوا يعملون ما استمروا على عمله من فنون الكفر والمعاصي ، التي من جملتها ما حكي عنهم من القبائح ، فإنها لو لم تكن مزينة لهم لما أصروا عليها ، ولما جادلوا بها الحق .
وقيل : الآية نزلت في رضي الله عنه حمزة وأبي جهل . وقيل : في أو عمر رضي الله عنهما عمار وأبي جهل .