[ ص: 2791 ] nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=28902_28781_28743_29468_30539_30550_32412_33679_33147_19153_29002ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=22ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور (22)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=23ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور (23)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=24نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ (24)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (25)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=26لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد (26)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم (27)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير (28)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير (29)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=30ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير (30)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=31ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (31)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور (32)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما .لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (33)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34)
[ ص: 2792 ] تبدأ الجولة الثالثة بنسق جديد. تبدأ بعرض الدليل الكوني مرتبطا بالناس، متلبسا بمصالحهم وحياتهم ومعاشهم، متعلقا بنعم الله عليهم، نعمه الظاهرة ونعمه الباطنة، تلك التي يستمتعون بها، ولا يستحيون معها أن يجادلوا في الله المنعم المتفضل الوهاب.. ثم تسير على هذا النسق في تقرير القضية الأولى التي عالجتها الجولتان الأولى والثانية..
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة؟ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وإذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل الله قالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير؟ ..
وهذه اللفتة المكررة في القرآن بشتى الأساليب تبدو جديدة في كل مرة؛ لأن هذا الكون لا يزال يتجدد في الحس كلما نظر إليه القلب، وتدبر أسراره، وتأمل عجائبه التي لا تنفد، ولا يبلغ الإنسان في عمره المحدود أن يتقصاها، وهي تبدو في كل نظرة بلون جديد، وإيقاع جديد.
والسياق يعرضها هنا من زاوية التناسق بين حاجات الإنسان على الأرض وتركيب هذا الكون! مما يقطع بأن هذا التناسق لا يمكن أن يكون فلتة ولا مصادفة، وأنه لا مفر من التسليم بالإرادة الواحدة المدبرة، التي تنسق بين تركيب هذا الكون الهائل وحاجات البشر على هذا الكوكب الصغير الضئيل.. الأرض..!
إن الأرض كلها لا تبلغ أن تكون ذرة صغيرة في بناء الكون. والإنسان في هذه الأرض خليقة صغيرة هزيلة ضعيفة بالقياس إلى حجم هذه الأرض، وبالقياس إلى ما فيها من قوى ومن خلائق حية وغير حية، لا يعد الإنسان من ناحية حجمه ووزنه وقدرته المادية شيئا إلى جوارها. ولكن فضل الله على هذا الإنسان ونفخته فيه من روحه، وتكريمه له على كثير من خلقه.. هذا الفضل وحده قد اقتضى أن يكون لهذا المخلوق وزن في نظام الكون وحساب. وأن يهيئ الله له القدرة على استخدام الكثير من طاقات هذا الكون وقواه، ومن ذخائره وخيراته. وهذا هو التسخير المشار إليه في الآية، في معرض نعم الله الظاهرة والباطنة، وهي أعم من تسخير ما في السماوات وما في الأرض. فوجود الإنسان ابتداء نعمة من الله وفضل، وتزويده بطاقاته واستعداداته ومواهبه هذه نعمة من الله وفضل، وإرسال رسله وتنزيل كتبه فضل أكبر ونعمة أجل، ووصله بروح الله من قبل هذا كله نعمة من الله وفضل. وكل نفس يتنفسه، وكل خفقة يخفقها قلبه، وكل منظر تلتقطه عينه، وكل صوت تلتقطه أذنه، وكل خاطر يهجس في ضميره، وكل فكرة يتدبرها عقله.. إن هي إلا نعمة ما كان لينالها لولا فضل الله.
وقد سخر الله لهذا المخلوق الإنساني ما في السماوات، فجعل في مقدوره الانتفاع بشعاع الشمس ونور القمر وهدي النجوم، وبالمطر والهواء والطير السابح فيه. وسخر له ما في الأرض. وهذا أظهر وأيسر ملاحظة وتدبرا. فقد أقامه خليفة في هذا الملك الطويل العريض، ومكنه من كل ما تذخر به الأرض من كنوز.
ومنه ما هو ظاهر ومنه ما هو مستتر. ومنه ما يعرفه الإنسان ومنه ما لا يدرك إلا آثاره، ومنه ما لم يعرفه أصلا من أسرار القوى التي ينتفع بها دون أن يدري. وإنه لمغمور في كل لحظة من لحظات الليل والنهار بنعمة الله السابغة الوافرة التي لا يدرك مداها، ولا يحصي أنماطها.. ومع هذا كله فإن فريقا من الناس لا يشكرون ولا يذكرون ولا يتدبرون ما حولهم، ولا يوقنون بالمنعم المتفضل الكريم.
[ ص: 2791 ] nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=28902_28781_28743_29468_30539_30550_32412_33679_33147_19153_29002أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=22وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (22)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=23وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=24نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=26لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهِ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارِ فِي اللَّيْلَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=30ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=31أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا .لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
[ ص: 2792 ] تَبْدَأُ الْجَوْلَةُ الثَّالِثَةُ بِنَسَقٍ جَدِيدٍ. تَبْدَأُ بِعَرْضِ الدَّلِيلِ الْكَوْنِيِّ مُرْتَبِطًا بِالنَّاسِ، مُتَلَبِّسًا بِمَصَالِحِهِمْ وَحَيَاتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، مُتَعَلِّقًا بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَنِعَمِهِ الْبَاطِنَةِ، تِلْكَ الَّتِي يَسْتَمْتِعُونَ بِهَا، وَلَا يَسْتَحْيُونَ مَعَهَا أَنْ يُجَادِلُوا فِي اللَّهِ الْمُنْعِمِ الْمُتَفَضِّلِ الْوَهَّابِ.. ثُمَّ تَسِيرُ عَلَى هَذَا النَّسَقِ فِي تَقْرِيرِ الْقَضِيَّةِ الْأُولَى الَّتِي عَالَجَتْهَا الْجَوْلَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ..
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ: اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا. أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ؟ ..
وَهَذِهِ اللَّفْتَةُ الْمُكَرَّرَةُ فِي الْقُرْآنِ بِشَتَّى الْأَسَالِيبِ تَبْدُو جَدِيدَةً فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَوْنَ لَا يَزَالُ يَتَجَدَّدُ فِي الْحِسِّ كُلَّمَا نَظَرَ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَتَدَبَّرَ أَسْرَارَهُ، وَتَأَمَّلَ عَجَائِبَهُ الَّتِي لَا تَنْفَدُ، وَلَا يَبْلُغُ الْإِنْسَانُ فِي عُمْرِهِ الْمَحْدُودِ أَنْ يَتَقَصَّاهَا، وَهِيَ تَبْدُو فِي كُلِّ نَظْرَةٍ بِلَوْنٍ جَدِيدٍ، وَإِيقَاعٍ جَدِيدٍ.
وَالسِّيَاقُ يَعْرِضُهَا هُنَا مِنْ زَاوِيَةِ التَّنَاسُقِ بَيْنَ حَاجَاتِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْأَرْضِ وَتَرْكِيبِ هَذَا الْكَوْنِ! مِمَّا يَقْطَعُ بِأَنَّ هَذَا التَّنَاسُقَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَلْتَةً وَلَا مُصَادَفَةً، وَأَنَّهُ لَا مَفَرَّ مِنَ التَّسْلِيمِ بِالْإِرَادَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُدَبِّرَةِ، الَّتِي تُنَسِّقُ بَيْنَ تَرْكِيبِ هَذَا الْكَوْنِ الْهَائِلِ وَحَاجَاتِ الْبَشَرِ عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ الصَّغِيرِ الضَّئِيلِ.. الْأَرْضُ..!
إِنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لَا تَبْلُغُ أَنْ تَكُونَ ذَرَّةً صَغِيرَةً فِي بِنَاءِ الْكَوْنِ. وَالْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ خَلِيقَةٌ صَغِيرَةٌ هَزِيلَةٌ ضَعِيفَةٌ بِالْقِيَاسِ إِلَى حَجْمِ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَبِالْقِيَاسِ إِلَى مَا فِيهَا مِنْ قُوًى وَمِنْ خَلَائِقَ حَيَّةٍ وَغَيْرِ حَيَّةٍ، لَا يُعَدُّ الْإِنْسَانُ مِنْ نَاحِيَةِ حَجْمِهِ وَوَزْنِهِ وَقُدْرَتِهِ الْمَادِّيَّةِ شَيْئًا إِلَى جِوَارِهَا. وَلَكِنَّ فَضْلَ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْإِنْسَانِ وَنَفْخَتَهُ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَتَكْرِيمَهُ لَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ.. هَذَا الْفَضْلُ وَحْدَهُ قَدِ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْمَخْلُوقِ وَزْنٌ فِي نِظَامِ الْكَوْنِ وَحِسَابٌ. وَأَنْ يُهَيِّئَ اللَّهُ لَهُ الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْكَثِيرِ مِنْ طَاقَاتِ هَذَا الْكَوْنِ وَقُوَاهُ، وَمِنْ ذَخَائِرِهِ وَخَيْرَاتِهِ. وَهَذَا هُوَ التَّسْخِيرُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي الْآيَةِ، فِي مَعْرِضِ نِعَمِ اللَّهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ تَسْخِيرِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ. فَوُجُودُ الْإِنْسَانِ ابْتِدَاءً نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٌ، وَتَزْوِيدُهُ بِطَاقَاتِهِ وَاسْتِعْدَادَاتِهِ وَمَوَاهِبِهِ هَذِهِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٌ، وَإِرْسَالُ رُسُلِهِ وَتَنْزِيلُ كُتُبِهِ فَضْلٌ أَكْبَرُ وَنِعْمَةٌ أَجَلُّ، وَوَصَلُهُ بِرَوْحِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ هَذَا كُلِّهِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٌ. وَكُلُّ نَفَسٍ يَتَنَفَّسُهُ، وَكُلُّ خَفْقَةٍ يَخْفُقُهَا قَلْبُهُ، وَكُلُّ مَنْظَرٍ تَلْتَقِطُهُ عَيْنُهُ، وَكُلُّ صَوْتٍ تَلْتَقِطُهُ أُذُنُهُ، وَكُلُّ خَاطِرٍ يَهْجِسُ فِي ضَمِيرِهِ، وَكُلُّ فِكْرَةٍ يَتَدَبَّرُهَا عَقْلُهُ.. إِنْ هِيَ إِلَّا نِعْمَةٌ مَا كَانَ لِيَنَالَهَا لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ.
وَقَدْ سَخَّرَ اللَّهُ لِهَذَا الْمَخْلُوقِ الْإِنْسَانِيِّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ، فَجَعَلَ فِي مَقْدُورِهِ الِانْتِفَاعَ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ وَنُورِ الْقَمَرِ وَهَدْيِ النُّجُومِ، وَبِالْمَطَرِ وَالْهَوَاءِ وَالطَّيْرِ السَّابِحِ فِيهِ. وَسَخَّرَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ. وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَيْسَرُ مُلَاحِظَةً وَتَدَبُّرًا. فَقَدْ أَقَامَهُ خَلِيفَةً فِي هَذَا الْمُلْكِ الطَّوِيلِ الْعَرِيضِ، وَمَكَّنَهُ مِنْ كُلِّ مَا تَذْخَرُ بِهِ الْأَرْضُ مِنْ كُنُوزٍ.
وَمِنْهُ مَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَتِرٌ. وَمِنْهُ مَا يَعْرِفُهُ الْإِنْسَانُ وَمِنْهُ مَا لَا يُدْرِكُ إِلَّا آثَارَهُ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ أَصْلًا مِنْ أَسْرَارِ الْقُوَى الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا دُونَ أَنْ يَدْرِيَ. وَإِنَّهُ لَمَغْمُورٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ السَّابِغَةِ الْوَافِرَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُ مَدَاهَا، وَلَا يُحْصِي أَنْمَاطَهَا.. وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ وَلَا يَذْكُرُونَ وَلَا يَتَدَبَّرُونَ مَا حَوْلَهُمْ، وَلَا يُوقِنُونَ بِالْمُنْعِمِ الْمُتَفَضِّلِ الْكَرِيمِ.